ما السبب وراء امتعاض الوسط الإعلامي والفني من تصرفات محمد رمضان، من قبيل التباهي بسياراته "فيراري" مكشوفة السقف، وبنمط الحياة شديد الرفاهية الذي يحياه، بالإضافة لتوصيفه الدائم لنفسه بأنه "نمبر وان" في الساحة الفنية؟ هل السبب هو جرأة محمد رمضان على القيام بأمور يريدون هم شخصياً القيام بها؟ أم لأنه يكشف ذلك النمط من الحياة الذي يعيش فيه بعضهم وكأن لسان حالهم يقول: لا تفضح نمط الحياة الذي نعيش فيه لعموم المصريين.
وفعلاً ما يقوم به محمد رمضان "مفيد"، لأنه يخبر ملايين البشر بنمط الحياة الذي يحيا فيه، هو شخصياً، وطبقة بأكلمها، ومن ضمنها أبواق السلطة الإعلامية التي تخرج على الشاشات لتخبرنا بضرورة الصبر على الأوضاع الاقتصادية السيئة. في مصر عادة ما يقال إن القاطنين في المجتمعات المسوّرة لا يعلمون بحجم الفقر والظروف المعيشية غير الإنسانية التي تسيطر على حياة أغلب المصريين. ولكن على الناحية الأخرى، فالكثير من هؤلاء الفقراء قد لا يعلمون بوجود ذلك الطرف الآخر، حتى وإن سمعوا عنه، بمعنى أن يشاهدوا بأعينهم مظاهر البذخ الشديد.
رمضان لم يخرج عن المألوف، بل هو يتماشى مع المجتمع الذي أصبح يقدس الفردانية وتغيب عنه روح التضامن الاجتماعي والفعل الجمعي. مجتمع يتوجه بقوة نحو المنافسة، ويسعى لإلغاء كافة أشكال الدعم ويطلب من الجميع النزول لسوق العمل لمواجهة المصير الحتمي. محمد رمضان ملتزم تماما بذلك السياق، فهو ينافس ويدعو الجميع لمنافسته قائلا: "أنا في الساحة واقف لوحدي وأنت وصحابك ليّا باصين"، و"مالك واقف خايف تعالى هنا"، و"الساحة دي بتاعتي وأنا اللي شاكمها"، و"البقاء للأقوى"... مجتمع يقوم على القوة. يحكي رمضان في لقائه مع الإعلامي أسامة كمال عن فترة دراسته في المرحلة الثانوية، وكيف أن الطالب الذي لا يملك شخصية قوية لم يمكن ليستطع توفير مكان لنفسه داخل الفصل الدراسي بسبب اكتظاظه بالطلبة. يبدو أن رمضان أخذ معه ذلك الصراع على المقاعد الى الوسط الفني. رمضان مثله مثل كثير من المصريين كان معايشاً للعوز والحاجة، في إطار ندرة مصطنعة.. ندرة تفرض على الطلبة التزاحم على عدد قليل من المقاعد داخل قاعات العلم والدراسة. في الكتاب الخاص بالاقتصاد الذي يدرّس لطلبة قسم الاقتصاد بأي جامعة، يتم استخدام مثَل البندقية والزبدة للتدليل على ندرة الموارد وكيفية استغلالها في أي مجتمع، حيث أن المجتمع الذي ينفق المزيد على التسليح يميل للإنفاق أقل على الأغراض المدنية، والعكس صحيح وفقا لمنطق الندرة وتكلفة الفرصة البديلة. الدولة المصرية تميل للانفاق على طائرات رافال وحاملات طائرات ميسترال وبناء السجون وتسليح الجهاز الشرطي على حساب الانفاق على التعليم، في ترسيخ لمنطق القوة وتسييده في المجتمع. رمضان يستخدم إمكاناته بتناغم شديد مع هذه التوجهات، فهو يعلم أنه ليس ذلك الممثل الوسيم أو الفنان المثقف، فيعتمد على القوة في معظم أعماله، يعتمد على قوامه الجسدي الملئ بالعضلات ليغذي رغبة دفينة داخل ملايين المصريين باستعراض القوة وممارسة العنف كمحاولة للتنفيس في ظل انغلاق كل المنافذ الأخرى.
الدولة المصرية تميل للإنفاق على طائرات رافال وحاملات طائرات ميسترال وبناء السجون وتسليح الجهاز الشرطي على حساب الانفاق على التعليم، في ترسيخ لمنطق القوة وتسييده في المجتمع. رمضان يستخدم إمكاناته بتناغم شديد مع هذه التوجهات.
الوسط الفني والإعلامي يتهم محمد رمضان بالغرور والتعالي، ولكن ما يضايقهم فعلياً هو تحدي رمضان الدائم لهم ومقابلته احتقارهم له باحتقار مماثل. تحدث رمضان خلال لقائه ذاك عن رفض بعض الفنانات الاشتراك في أعمال بسبب وجوده فيها. ثم قال إنه لم يتضايق ولكنه أسف لأن رفضهم سوف يؤثر على مستقبلهم هم، وأنهم فقدوا الفرصة للعمل بجانب نجم مثله، واثق أن مستقبله سوف يكون مكللاً بالنجاح غير المسبوق.
الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي يخرج في مواكب مهيبة وتفرد له آلاف الأمتار من السجاد لتسير عليها سيارته. وقد يقول البعض، محقين، أن رمضان يتباهى من ماله الخاص، ولكن السيسي يستخدم المال العام للتباهي، كما فعل في حفل افتتاح مشروع قناة السويس الجديدة.. من وجوده على يخت "المحروسة" لتلتقط له الصور فقط، في مشهد يذكر بالملوك وولاة العهود، وهو يشير باتجاه رمال الصحراء كما لو انها الجماهير الغفيرة.
"أنا جمهوري واقف في ضهري"
يرد محمد رمضان دائما على الانتقادات التي توجه له، سواء فيما يتعلق بسلوكه الشخصي أو بنوعية أعماله، بأن الفيصل بينه وبين منتقديه هو الجمهور. يرمي الكرة دائما في ملعب الجماهير واثقاً أنها ستنتصر له، وهو الأمر الذي غالباً ما يحدث.
تُذكر حالة محمد رمضان بحالة مطربي أغاني "المهرجانات" الذين دائما ما أكدوا على أن "العبرة بالجماهير"، وهو ما حدث بالفعل، حتى أن مطربي المهرجانات يقولون اليوم أن تلك الفئة من المجتمع التي كانت تنتقد أغانيهم هي التي تستمع لها الآن في مناسباتهم الخاصة من أفراح أو أعياد ميلاد وغيرها.
ليس من قبيل المصادفة أن من قام بكتابة أغنية "نمبر وان" هم أعضاء فرقة "المدفعجية" لأغاني المهرجانات وهي أحد أشهر الفرق التي خرجت من "مدينة السلام"، ذلك الحي الشعبي الواقع في شرق القاهرة الذي مثل علامة بارزة على تلك النوعية من الموسيقى. "المدفعجية" هم أيضا من قاموا بكتابة كلمات الإعلان الشهير لأحدى شركات الاتصالات الذي قدمه محمد رمضان. المفارقة هنا أن تلك الشركة كانت الوافد الثالث على سوق الاتصالات المصري وانتشرت بقوة في أوساط الفئات الأقل حظاً في المجتمع، وكأن الشركة اختارت بطلهم ليرد على الشركات الأخرى التي غالبا ما تجلب بعض الشباب الذي يتمتع بشهرة على السوشيال ميديا أو بعض الفنانين والفنانات الذين يتمتعون بنسبة من الوسامة للقيام بحملاتها الإعلانية.
بين صلاح ورمضان
يقارن الكثير من منتقدي محمد رمضان بين تواضع محمد صلاح وتعالي وتباهي الأول الذي غيرته الأموال والشهرة في حين أن صلاح ظل كما هو، شخصا متواضعا على الرغم من التطور الكبير الذي حدث في حياته من الناحية المادية والشهرة الكبيرة التي أصبح يتمتع بها.
في حقيقة الأمر لا اختلاف كبير بين صلاح ورمضان. في كثير من اللقاءات التلفزيونية معهما، يسدد الأثنان نصائحهما للشباب المصري مِن أنه ليس هناك مستحيل وبأنه يمكن تحقيق الأحلام طالما سعى الإنسان ورائها بمثابرة، بل يذهبان بعيداً ليطلبا من الشباب النظر لهما على إنهما مثال يحتذى به في كيفية تحدي الصعاب وتحقيق المستحيل. يتجاهل رمضان وصلاح أنهما يعملان في مجالين تحكمهما في أغلب الوقت الموهبة، مع بذل مجهود لتطوير تلك الموهبة دون شك، وبالتالي ليس في استطاعة جميع المصريين أن يصبحوا لاعبي كرة قدم أو ممثلين يحققون الملايين في غمضة عين.
يتشارك صلاح ورمضان في رغبتهما في اثبات عكس ما قاله بعض الكبار في مجالاتهم عنهما. صلاح ذهب لتشيلسي وخرج منه دون أن يحقق الكثير ولم يقتنع به أحد من "كبار" اللعبة، كمدرب مانشيستر يونايتد الحالي جوزيه مورينيو. عاد صلاح مرة أخرى للدوري الإنجليزي ليتحدى الجميع ويصبح هدافاً يتحدث دائماً عن كيف أنه عاد لإنجلترا ليثبت للجميع جودته وأنه يستطيع اللعب في الدوري الأقوى بالعالم.. ليثبت خطأ مورينيو وخطأ إدارة تشيلسي وخطأ جميع المصريين الذين نصحوه بعدم العودة مرة أخرى للدوري الإنجليزي، والبقاء في الدوري الإيطالي الذي يلائمه أكثر.
في لقائه التلفزيوني، سرد محمد رمضان واقعة عن كيف رفض عادل إمام أن يلعب رمضان دورا في فيلم "حسن ومرقص" الذي قام ببطولته مع عمر الشريف. كان ذلك في بداية مشواره الفني. يقول رمضان أن رفض عادل إمام لوجوده في الفيلم دفعه للتفكير بالانتحار. ثم سرد واقعة أخرى بأنه طلب من ابن عادل إمام - بعد أن أصبح ذلك النجم الصاعد بقوة - أن يطلب من والده أن يسمح له بالتمثيل أمامه ولو في مشهد واحد، فقوبل طلبه بالرفض مرة أخرى. إشارة رمضان للواقعتين ليست اعتباطية على الإطلاق. بل يستخدمهما للحديث الدائم عن إنه أصبح الأعلى أجراً، وكأنه يوجه رسالة لعادل إمام بأنه لم يعد الأعلى أجراً بعد الآن.
ليس من المصادفة أن من قام بكتابة أغنية "نمبر وان" هم أعضاء فرقة "المدفعجية" لأغاني المهرجانات، وهي أحد أشهر الفرق التي خرجت من "مدينة السلام"، الحي الشعبي الواقع في شرق القاهرة الذي مثل علامة بارزة على تلك النوعية من الموسيقى.
المشكلة الرئيسية لصلاح ورمضان هي محاولتهما الدائمة والمستمرة لاثبات موهبتهما والتأكيد عليها باستمرار واثبات الحضور الدائم في مسعاهما اللامتناهي لمحو وقائع الرفض التي واجهاها. يظهر ذلك جليا في محاولة محمد صلاح الدائمة لتسجيل الأهداف، فهو يرغب في محو تلك المقولة التي دائما ما رددت عنه بأنه لا يستطيع إنهاء الهجمة أمام المرمى بشكل جيد، فنجده يحاول التسديد على المرمى حتى حين يكون زملاؤه في وضع أفضل منه للتسجيل، وهو ما دفع البعض لنصحه بأن يمرر الكرة لزملاؤه أكثر من ذلك. حتى حينما يكون ليفربول متفوقا في النتيجة، ويخرج صلاح مستبدَلاً دون تسجيل أهداف، نجد علامات عدم الرضا ترتسم على وجهه.
في لقائه ذاك قال رمضان إنه يسعى دائما للحضور بأكثر من عمل خلال الموسم الواحد، فهو لا يريد أن يترك الساحة لغيره، التي يقول عنها في إعلان شركة الاتصالات، (الذي من المفترض إنه للشركة ولكنه في حقيقة الأمر يتطابق مع شخصية رمضان تماما) "الساحة دي بتاعتي". وهو يقول إنه تعمد أن يتم طرح أغنية "نمبر وان" خصيصاً في وقت كأس العالم ليوصل رسالة بأنه على الرغم من التوقيت الصعب، إلا أن أغنيته سوف تنجح نجاحاً كبيراً وأن طرح الأغنية في ذلك التوقيت لا يستطيع أعتى المطربين القيام به.
قد يقال إن تجربة تشيلسي لم تكن في بداية مسيرة صلاح الاحترافية. ولكن أولى تجارب الرفض لصلاح كانت هنا في القاهرة من قبل رئيس نادي الزمالك في ذلك الوقت، ممدوح عباس، والذي قال إن مستواه لا يؤهله للعب في النادي الشهير. قام صلاح في نهاية عام 2017 بدعوة ممدوح عباس لحضور مباراة ليفربول وتشيلسي في الدوري الإنجليزي، ودعا الرجل للغداء في منزله!
وعلى عكس رمضان، لا يتوجه صلاح وهو لاعب الكرة الموهوب، الى الجماهير لتنتصر له. ظهر ذلك في صدامه مع اتحاد الكرة المصري في واقعتين مختلفتين كان آخرهما ما أثير من لغط في معسكر المنتخب المصري في كأس العالم. تعامل صلاح مع أزمته، بالأخص تلك الأخيرة المتعلقة بإشاعة الاعتزال الدولي، بقدر كبير من الفردانية، ولم يحاول إشراك الجماهير في أزمته: رمضان يواجه الوسط الفني والإعلامي في حين أن صلاح يواجه مؤسسات بعضها تابع للسلطة.
خرج عدد من رواد السوشيال ميديا ليشجعوا صلاح على ضرورة اعتزال اللعب الدولي. وهذا موقف هو نتيجة ترسخ مفهوم الفردانية في أذهانهم، وبالأخص في أذهان أبناء الطبقة الوسطى المصرية. خرجوا ليقولوا له "أهرب يا صلاح، أنفد بجلدك وربي مكة، بنتك، في مكان أحسن من هنا". فقد هؤلاء أي أمل في مشروع يوحدهم في ظل توغل المنافسة والفردانية. وحينما جاء ذلك الشخص الذي توحد الملايين حوله في وقت تعاني فيه معظم فئات المجتمع المصري من الوضع الاقتصادي والسياسي الصعب، حاولوا هم بأنفسهم أن يفككوا ذلك المشروع الذي يلتف حوله المصريون. هؤلاء طلبوا من صلاح أن يفعل ما كانوا هم ليفعلونه: الجميع يرغب في المغادرة!
.. جل ما يفعله رمضان هو أخذ قطار مجتمع المنافسة والفردانية إلى محطته الأخيرة. يقول في لقائه التلفزيوني: "المنافسة شيء عظيم". يتحدث أيضا عن "الحافز" وكيف أن ما مرّ به من رفض وفره له. رمضان يعلم طبيعة العالم الذي يحيا فيه. الحكومات تخفض الضرائب لتوفر "الحافز" للمستثمرين لضخ مزيد من الاستثمارات، تقوم بخفض مصروفات الحماية الاجتماعية لتوفير "الحافز" للأفراد للنزول لسوق العمل، تقوم بتطبيق برامج حماية اجتماعية مشروطة لتوفير "الحافز" لدى الأهالي لإرسال الأبناء للمدارس عن طريق ربط الدعم بشرط الحضور المدرسي. جوهر عالمنا الرأسمالي هو المنافسة القائمة بدورها على الحافز.
وهل من فارق كبير بين من يقوم يومياً بوضع صوره على وسائل التواصل الاجتماعي وهو يلف العالم وبين ما يفعله محمد رمضان؟ الجميع يتباهى بما لديه.. حين يكون "يملك"!