انتشر بكثافة في مصر مؤخراً، نوع جديد من الغناء يُسمَّى "أغاني المهرجانات" يتمّ فيها الخلط بين موسيقى "التكنو" و "الراب" بمزيج شعبي مصري يعتمد على غناء الكلمات بإيقاع سريع. وفي حين ينظر البعض الى تلك الأغاني كنوع من الفن الشعبي، يرفض آخرون تصنيفها كفن، ويتهكّمون عليها ويعتبرونها مبتذلة وخطراً يهدّد الذوق المصري العام. وعلى الرغم من ذلك، فلهذه الأغاني قاعدة شعبية كبيرة خاصة في أوساط الشباب.
أغاني المهرجانات: من الحيّ الشعبي إلى العالمية
ظهرت أغاني المهرجانات في مصر في أواخر العام 2007، في منطقة شعبية تُسمّى "دار السلام" على أيدي مجموعة من الشباب متوسطي التعليم من أبناء تلك المنطقة القاهرية، حيث قام "عمرو حاحا" بتلحين أول أغنية بمساعدة بعض أصدقائه ممن شاركوه في غنائها، وأبرزهم "السادات" و "فيفتي"، وسمّوا أغنيتهم "مهرجان السلام". وتعود التسمية بكلمة "مهرجان" إلى أن تلك النوعية من الأغاني تعتمد على الإيقاع السريع والرقص الاستعراضي الشعبي. ومن أشهر مَن يغني "المهرجانات" "أوكا" و "أورتيجا" و "المدفعجية"، و "اتحاد القمة"، و "فيجو"، و "فريق الأحلام". وبدايات هذه النوعية من الأغاني كانت في الأحياء الشعبية الفقيرة في القاهرة، حيث ظهرت في الأفراح والمناسبات العامة كاستجابة للحاجة إلى إحياء حفلات رخيصة التكلفة. وبالرغم من تلك البدايات إلا أن أغاني "المهرجانات" امتدت خلال السنوات الأربع الأخيرة إلى مناسبات الطبقات الغنية واحتفالات الفنادق الشهيرة، بل وصلت إلى العالمية، حيث أصبح مغنّوها لهم حفلاتهم في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية. سبب انتشار تلك الأغاني يرجع بالأساس إلى أن إنتاجها غير مكلف، ولا يحتاج إلى استوديوهات ويعتمد على برامج يتم تحميلها مجاناً من الإنترنت. كذلك لعب الإنترنت دوراً بارزاً في تسهيل انتشارها وخاصة موقع "يوتيوب"، حيث لهذه الأغاني نسب مشاهدة عالية تصل إلى ملايين المشاهدات ("مهرجان الوسادة الخالية" على سبيل المثال حقق حوالي 2 مليون مشاهدة في أقل من أسبوع). وهي باتت منتشرة في سيارات الأجرة والتلفزيون والراديو وحتى الأفلام السينمائية، حيث اعتمد المنتجون مؤخراً عليها في عدد كبير من الأفلام المصرية كنوع من الدعاية للفيلم حتى أصبحت تيمة مشتركة بين معظم تلك الأفلام.
البُعد الاجتماعي والسياسي
عكست أغاني "المهرجانات" الكثير من المطالب السياسية عقب ثورة يناير، حيث غنّت للثورة ولمطالبها، وأيّد بعضها مرشحين رئاسيين مثل تأييد "السادات" مغني "المهرجانات" الشهير للمرشح خالد علي في أغنية بعنوان "أنا نفسي بس في ريس". أما فريق "تيم أي دي" فقد عبّر عن موقفه المؤيد للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من خلال "مهرجان الأسد المصري".. وكذلك فلا يمكن إنكار أن ثورة يناير بما خلقته من حراك اجتماعي وبما عنته من انقلاب على المسلّمات ورفض الواقع، فهي شكّلت مناخاً مناسباً لانتشار هذه النوعية من الأغاني التي كانت قد ظهرت قبل الثورة.
وعلى جانب آخر، فالغالبية العظمى من أغاني المهرجانات تركز على قضايا اجتماعية مثل الفقر، المخدرات، والتحرّش.. بجانب بعض الأغاني العاطفية. ومن هذه الأغاني "مهرجان القمة وإسلام فانتا" والذي تقول كلماته "الحالة تعبانة مش قادرة بنكح تراب من فترة.. طب نعمل إيه يا سيادنا، نسرق ولا نبيع بودرة".
إلى أين؟
أغاني "المهرجانات" آخذة في الانتشار، يستعين بها كثير من نجوم السينما والتلفزيون في مصر. ويُحسب لهذه التجربة (بكل ما لها وما عليها) أنها لم تأبه للانتقادات التي وصفتها بأوصاف قاسية كانت كفيلة بأن تقضي عليها من البدايات. والتساؤل متعلّق بمدى قدرتها على الاستمرار. ويبدو أنه، في ظل قلة تكلفة إنتاج مثل تلك الأغاني، والطلب الكبير عليها في المناسبات العامة والأفراح في مصر، ما يعني وجود دخل كبير لأصحابها، فثمة توجُّه جديد لدى هؤلاء الشباب إلى تعظيم أدواتهم وإعادة صياغة تجربتهم الغنائية بشكل يجعلهم ينتقلون من حالة الهواية إلى الاحتراف، وبما يمكّنهم من تطوير فنهم لجعله يكسب مزيداً من الشعبية ومزيداً من الاحترام.. أغاني المهرجانات هي في النهاية "حالة"، قد تعكس سمات من التمرد الجيلي على القديم، أو ربما التحرُّر من الدوائر الضيقة الخانقة التي ينحصر فيها الشباب المصري ويُهمَّش فيها إبداعه وتطلعاته لخلق أشكال حياتية تشبهه.. حتى وإن قوبلت بالانتقادات والسخرية والتهكم.