وجع سوريا: جردة

انقضى عامان. ويبدأ الثالث منذراً بالأبشع. ليس ندباً ولا رثاءً ولا خصوصاً خطاب في الأخلاق. بل وجع وقلق. قد تعود أبنية تلك الشوارع المطبقة فوق بعضها البعض كأنها ورق. قد تستعاد المعالم المدمرة، وحتى الآثار المسروقة. والاقتصاد. لن يمكن إحياء الموتى ولا محو ندوب وإعاقات من لم يمت. ولكن كل ذلك قابل للإدارة، وربما للتجاوز. ما لا يستقيم، ويزداد استعصاء كلما مر الوقت مثقلاً بمآسيه، هو المجتمع. وهذا
2013-03-13

نهلة الشهال

أستاذة وباحثة في علم الاجتماع السياسي، رئيسة تحرير "السفير العربي"


شارك

انقضى عامان. ويبدأ الثالث منذراً بالأبشع. ليس ندباً ولا رثاءً ولا خصوصاً خطاب في الأخلاق. بل وجع وقلق. قد تعود أبنية تلك الشوارع المطبقة فوق بعضها البعض كأنها ورق. قد تستعاد المعالم المدمرة، وحتى الآثار المسروقة. والاقتصاد. لن يمكن إحياء الموتى ولا محو ندوب وإعاقات من لم يمت. ولكن كل ذلك قابل للإدارة، وربما للتجاوز. ما لا يستقيم، ويزداد استعصاء كلما مر الوقت مثقلاً بمآسيه، هو المجتمع. وهذا كائن حي. تخرب العلاقات بين أناس كانوا ذات يوم أهل، أصدقاء، جيران. يعيشون معاً. ويولد وحش الريبة والتوجس. وتنحط القيم. ولأن المجتمع لا يعيش من دون قيم، فإما تكون هذه راقية متسامية، منتظمة في عقد يفرض سويته، أو تكون سافلة متوحشة، لا إنسانية.
عند ظهور العلامات الأولى للانتفاضة، جنحت السلطة القائمة في سوريا نحو إفساد الأمر بالأدوات التي تملكها: قمع منفلت من كل قيد لمحاولة إرهاب الناس وضبطهم، وفتح الأبواب والشبابيك لاستقبال كل ما يمكن أن يحرف الأمور عن مجراها. هذه أنظمة تحاول أن تفصِّل المجتمع على مقاسها، تقلصه لتبقيه بين يديها، مسيطَراً عليه بإفقاره من كل شيء، من الحرية، ومن الخبز، ومن الكرامة. وبعدما تكون قد نظمت الوشاية بين أقرب الناس، وبعد أن تكون قد ألغت الحق بأي شيء، وأسمته منحاً أو مكرمات تُنال بالواسطة وبمقدار الطاعة، تغضب كثيرا حين يحدث تفلت، حين لا يسود «النظام». فتبدي استعداداً للسحق لا معادل له ولا حدود. والنظام في سوريا يقبض على ذاكرة المجتمع، ويظن أنها روحه، يضعها في أرشيف أجهزة مخابراته المتعددة. متعددة لأن لا أحد يثق بأحد. متعددة لإدارة التوازنات، لإبقاء الصراعات تحت رماد خفيف. وحين يتمرد المجتمع تفاجأ السلطة وتشعر بالفشل.
هذه أنظمة لا يبني استبدادها الحديدي دولة. أنظمة خراب، تمتلك القدر اللازم من الوقاحة لتقول: أنظروا ما أبشع سواي. فنُحبس بين خيارين أحلاهما مر: صدام حسين أو الأميركان، بشار الأسد أو جبهة النصرة، الاستبداد أو الحرب الأهلية/الطائفية... إلى آخره. نستحق أفضل من هذا القحط.
            
 

للكاتب نفسه

كنيساً يهودياً في باحة "الأقصى"

تتجسد معاني "خروج الحسين"، لمواجهة الطغيان، هو وأهله وكل من يخصه - مع معرفتهم المؤكدة بما يقال له اليوم في اللغة السياسية الحديثة "اختلال موازين القوى" لغير صالحه - في...