..وأما بعد!

حارتْ الأطراف المتصارعة في سوريا وبخصوصها في الإخراج المناسب لموقفها من الاتفاق الدبلوماسي حول الأسلحة الكيميائية. وبعد تردد وارتباك، شرح كل طرف كيف أنه انتصار له تخصيصاً. الأميركان من أن تهديدهم باستخدام القوة وتحرك قواتهم أنتجا هذا الحل، والروس من أنهم عرضوه من زمن بلا اكتراث أميركي، ومن أنه يجنب البلد والمنطقة تداعيات لا يمكن حسابها، ومن أنه لا مكان لاستخدام القوة، ولاسيما بشكل منفرد
2013-09-18

نهلة الشهال

أستاذة وباحثة في علم الاجتماع السياسي، رئيسة تحرير "السفير العربي"


شارك

حارتْ الأطراف المتصارعة في سوريا وبخصوصها في الإخراج المناسب لموقفها من الاتفاق الدبلوماسي حول الأسلحة الكيميائية. وبعد تردد وارتباك، شرح كل طرف كيف أنه انتصار له تخصيصاً. الأميركان من أن تهديدهم باستخدام القوة وتحرك قواتهم أنتجا هذا الحل، والروس من أنهم عرضوه من زمن بلا اكتراث أميركي، ومن أنه يجنب البلد والمنطقة تداعيات لا يمكن حسابها، ومن أنه لا مكان لاستخدام القوة، ولاسيما بشكل منفرد وخارج «الشرعية» الدولية. واللاعبون الإقليميون كذلك: هو «تقليم لأظافر» النظام السوري، بل واقتلاع لأنيابه من قبل من يبغضه وكان يأمل بضربة عسكرية «مزلزلة» (لا تتوفر شروطها)، فصار مضطراً للاكتفاء بالاتفاقية. ويتبنى المسؤولون السوريون المنطق السالف نفسه، كما في مرآة (حيث تنعكس أو تنقلب الصورة هي نفسها، فتظهر الجهة اليمنى وكأنها اليسرى): هو نصر لأنه مكّن من النجاح في «إبطال حجة» من كانوا يتربصون بسوريا...
وهكذا يمضي «كل حزب بما لديهم فرحون»، مبالغين مكابرين، يعرفون ولكنهم يُدارون. إنها الحرب بوسائل أخرى. فقد نشأت حرب، وهي عقيمة، لا يمكنها أن تُحسمَ ولا أن تنتِج حلولا ذاتية. والأسباب عديدة، تتعلق بطبيعة الحروب الأهلية عادة، وبالتحديد أكثر بطبيعة النظام والاجتماع السياسي السوريين. فإنْ نقلْ «استعصاء مزدوج» ويُردَّد ذلك بكثرة، فيُفترَض أن تترتب على القول نتائج. ليس الأمر مبدئياً (ما «يجب») ولا هو أخلاقي (ما هو «حق» و«عدل»)، بل تقريري موضوعي بارد: لا يوجد (اليوم) في الأفق العام للوضع السوري من يمكنه الانتصار بشكل حاسم وسريع. وحالة الكر والفر لكل الأطراف، ومعها خراب سوريا التام، هي المعطى القائم، بسبب الطبيعة الاستبدادية المطلقة للنظام وتحجره، وبسبب أعطاب بنيوية للمعارضات... وأيضاً بسبب توازنات إقليمية فعلية، ولخصائصَ لحظةٍ دولية جديدة تولد الآن أمام أعيننا. وكل ذلك صادف أن سوريا تتوسطه.
يحصل ألا يكون هناك حلٌ ممكن متوفر، فيطول الصراع الدموي المدمر. عندها لا تكفي الإرادات، ولكن بلورتها ضرورية لتشكِّل قاعدة للقناعات العامة. وعندها تصبح كل خطوة ممكنة ثمينة، لأنها تحل سياسياً واحدة من المعضلات، فذلك يولد سيرورة وهو في الآن جزء منها. وهذا هو معنى «اتفاقية الكيماوي»، لا أكثر. ولكن لا أقل.
            
 


وسوم: العدد 62

للكاتب نفسه

كنيساً يهودياً في باحة "الأقصى"

تتجسد معاني "خروج الحسين"، لمواجهة الطغيان، هو وأهله وكل من يخصه - مع معرفتهم المؤكدة بما يقال له اليوم في اللغة السياسية الحديثة "اختلال موازين القوى" لغير صالحه - في...