لا تحدّ الدعاية للمنتج السياسي في العراق حدود، لا على مستوى الزمن ولا حتى الأدوات، فعلى الرغم أن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات حددت يوم 14 نيسان/ إبريل كموعد لانطلاق الحملات الدعائية للاحزاب تمهيداً للاقتراع العام لاختيار اعضاء مجلس النواب المقبل يوم 12 من أيار/ مايو المقبل، إلاّ أن غالبية الكتل الكبيرة بدأت الترويج للمشاريع والمرشحين منذ ما يقارب الشهر. وخرق القانون هذا جاء من أطراف تتزعم السلطتين التنفيذية والتشريعية، وتتحمل مسؤولية تطبيق القانون الذي لا يبدو أنه يطالها. كما ان أدوات الترويج متعددة وغالبها غير شرعي: الساسة باتوا يستثمرون الانتصار على الارهاب الذي تحقق بفضل الجميع على انه انتصار لجهات سياسية، متحدين بذلك موقف مرجعية النجف التي رفضت التعكز على تضحيات من قاتلوا داعش.
برامج إنتخابية للمناكفة
الحديث عن البرامج السياسية في الانتخابات العراقية رائج لكن طابع المناكفة وتجسيد الخصومة هو ما يدفع بهذه البرامج الى سطح الحوارات. الحديث عن تشكيل أغلبية سياسية توفر للحكومة المقبلة حرية إختيار كابينة وزارية متجانسة هي أكثر المشاريع تكراراً في الاجندات، لكنه ليس الأوفر حظاً. فقد شاع في أدبيات تيار رئيس الوزراء السابق نوري المالكي منذ ثمانية أعوام دون ان يجد طريقه للتطبيق. التيار الذي يقوده رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي يطرح "مشروع الاكثرية" الغامض، والذي لم يجر توضيح الفرق بينه وبين التوافق المعمول به منذ خمسة عشر عاما، اللهم إلاّ إن كان المقصود تشكيل حكومة يتمثل بها الجميع ما عدا الداعين لمشروع الاغلبية السياسية، والذين يبدو انهم سيتحولون الى أقلية على هذا الأساس.
العشائر هذه المرة.. ورقة رابحة
لم تخل أي انتخابات سابقة في العراق من إعتماد الساسة على نفوذ رؤساء العشائر النافذين، وقد تطور الامر في مرحلة سابقة الى ترشح هؤلاء وفوزهم، مما جعل عشائر بأكملها تبدأ بالتحول الى جزء من كيانات سياسية واضحة. في 2018 رصد العراقيون انتشار رؤساء العشائر في التحالفات الانتخابية الكبرى بشكل بعيد عن العشوائية. القيادات السياسية بادرت وعلى مدى سنوات لتمتين العلاقة مع العشائر وزيارتها، ولم تكن هذه العلاقات خالية من امتيازات مكثفة لكسب ولاء شيوخ القبائل، وقد بات وجود الشخصيات ذات النفوذ العشائري في هذا التحالف او ذاك دليلاً الى حد كبير على ولاء العشيرة لزعيم سياسي.
وسائل التواصل الاجتماعي والفرصة المتساوية
لسنوات، كان رواد موقع التواصل فيسبوك من العراقيين يتابعون الصفحات العامة المهتمة بأي شيء عدا السياسة. في الشهر الماضي باتت المفاجآت حاضرة في الموقع إثر تغير أسماء صفحات عامة لها متابعون بمئات الالاف الى اسماء شخصيات سياسية أو تحالفات انتخابية، المختصون بالنشر الالكتروني أكدوا ما اشيع حينها عن شراء هذه الصفحات بارقام كبيرة لضمان وصول أكبر الى المتابعين. ساسة آخرون قرروا سلوك الطريق الكلاسيكي فعمدوا الى الترويج لصفحاتهم العامة بمئات الدولارات يوميا لكي تكون في خانة الصفحات المقترحة أمام الناخب العراقي. اما على مستوى المحتوى فقد بات التنافس واضحاً باعتبار اعتماد التحالفات الكبيرة على فرق اعلامية متخصصة.
استغلال المال العام
لا يعرف غير العراقيين معنى كلمة "السُبّيس"، لكنها تعني بالدقة نوعاً من أنواع الاتربة التي يتم نشرها في الطرق والشوارع لأسباب كثيرة أهمها في العراق عدم توفر مادة الاسفلت. ونتيجة لتظاهرات كثيرة انطلقت في أطراف العاصمة بغداد على مدى الشهرين الماضيين تطالب بإكساء الشوارع وتوفير الخدمات الضرورية، فقد وجدت جهات سياسية هذه المطالب فرصة لتوزيع الهبات الانتخابية عبر توفير "السُبّيس" للمناطق ذات الشوارع الطينية. هذا الأمر بات فرصة للتندر من قبل المواطنين، وهو مثال بسيط على استغلال المال العام علناً من اجل الترويج الانتخابي أمام امثلة عديدة اشدها توزيع الاراضي السكنية على الموظفين.
"المدنية" فرصة جديدة للتلوّن
الاحتجاجات التي بدأت عام 2011 في بغداد واستمرت بوتيرة متقطعة حتى قبل أشهر كانت على طول الخط تتبنى مصطلح "المدنية". وبحسب ما يبدو، فإن "المدنية" محاولة للالتفاف على مصطلح "العلمانية" المرفوض من قبل الاحزاب التي تنتهج الاسلام السياسي. التظاهرات التي تصاعدت وتيرتها قبل عامين كانت الأكثر اتساعاً وخصوصا بعد دخول التيار الصدري فيها. وبشكل أو بآخر باتت مصطلحات "مدنية" أو "مدني" مقبولة وليست استفزازية. قاد هذا الامر أحزاباً وكتلاً سياسية الى تبني المصطلح كبديل يقنع الناخب اليائس من أداء الاسلام السياسي. لكن غالبية من لبسوا ثوب "المدنية" ليسوا علمانيين (في أسلوب تفكيرهم على الأقل) ولا يعدو استعمالهم للمفردة غير محاولة للاستفادة من استساغة الناس لها.
الوجوه في الشوارع تبحث عن ناظرين
بعد 15 عاماً: العراقيون في خيبة أمل كبرى
05-04-2018
تسبب الإنفاق الانتخابي المكثف على الدعاية بشكل شرعي وغير شرعي في انخفاض سعر الدولار في السوق العراقية نتيجة زيادة المعروض منه، هذا ما يقوله الخبراء الاقتصاديون. الاموال التي تنفق يرصد بعضها لشراء البطاقات الانتخابية، هذه العملية تجري على أساس ضمان تصويت حامل البطاقة الالكترونية، ويكون ذلك بالاتفاق مع الناخب الذي يتعهد بتصوير ورقة الاقتراع بهاتفه المحمول (كدليل)، بعد إنتخابه كياناً وشخصية سياسية محددة لكي يتقاضى على أساس ذلك مبلغاً من المال. من جانب آخر هناك انفاق شرعي لكنه مبالغ به، هذا الانفاق يأتي لتصميم لافتات المرشحين ونشرها في المدن بكثافة كبيرة. أحد التحالفات ضمن لكل مرشح فيه 600 لافتة في بغداد وحدها، بعض الاحزاب لجأت لاختيار مرشحات جميلات بتركيز عال جعل المتتبعين للاحداث يعدونه أمراً مقصوداً لجذب أربعة ملايين شاب يحق لهم الانتخاب هذا العام أغلبهم لا يجدون عملاً ولم يكونوا أسراً بعد.
(*) شاعر عراقي كبير، عرفت عنه شدة شعره ومبدئية مواقفه