الذي تكلّم عن الاصابات "الغريبة" التي تلحق بالمتظاهرين الفلسطينيين في غزّة خلال قمع الجيش الإسرائيلي لمسيرات العودة، لم يكن كاتباً مهووساً بنظريات "المؤامرة"، بل الناطق باسم وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزّة، الطبيب أشرف القدرة. قال إن وزارته لم تتمكن من تحديد نوعية الرصاص الحي المستخدم، وهي تجهله، ولكن ما تعرفه جيداً هو نوعية الاصابات: الرصاصة الواحدة تبدو وكأنها تتشظّى داخل الجسم فتسبب تمزقاً في العظام والعضلات والأوعية الدموية والشرايين والأعضاء. وقال أيضاً أنه يوم 6 نيسان/ ابريل، أصيب الصحافي الشهيد ياسر مرتجى برصاصة في بطنه تسببت في تمزيق الطحال والقولون والحالب والكبد وانتشرت شظايا منها في سائر جسده، وهو ما أدى الى وفاته على الرغم من إجراء الأطباء عدة عمليات عاجلة له.
هل من تحقيق سيجري حول هذا الرصاص؟ لم يشر أحد إلى هذا الاحتمال، ولم يتطوّع أحد من الهيئات الرسمية أو الأهلية للمطالبة بتحقيق من قبل "خبراء دوليين مستقلين" وفق ما يقال عادة في مثل هذه الأحوال. وقال الطبيب أيضاً إن الغاز المستخدم من قبل الجيش الاسرائيلي ليس غازا مسيلاً للدموع بل هو مادة أخرى "يجهلونها" هم، ولكنه يتسبب بنوبات تشنج عنيفة وإجهاد عام وقيء وسعال شديد وسرعة في دقات القلب..
سبق لإسرائيل أن قصفت غزة بالفوسفور الحارق في 2014. وهذا موثّق. ليس أن لا أحد يحاسب إسرائيل، بل أنه لا تترتب نتائج على الكشف عن ارتكاباتها والتثبت منها من قبل محققين دوليين، يرمى بتقاريرهم الى سلة المهملات. إسرائيل "فوق القانون"، الذي هو أصلاً قاصر ومليء بالعوار.
إلا أن هناك بعدٌ آخر في أمر استخدام هذه الاسلحة الجديدة: اختبار فعاليتها، والبرهان بالأدلة الحيّة الملموسة على هذه الفعالية. لطالما فعلت القوى المتغوِّلة ذلك. ومن لا يذكر كيف أن جانباً من النقاش منذ أيام بخصوص "أهمية" المواجهة الأميركية الروسية العسكرية في سوريا - التي لم تحدث فعلياً - تعلّق بإثبات فعالية المنظومات الصاروخية الهجومية كما الدفاعية، وراح القوم يحسبون أرباح مبيعاتهم فيما لو تفوّق سلاحهم على سلاح الخصم.
أهل الحرب سعداء!
23-02-2017
يقول تقرير أخير صدر عن "معهد استكهولم الدولي لأبحاث السلام" (Stockholm International Peace Research Institute (SIPRI)، وهو الهيئة المرجع دولياً في الشأن، أن مبيعات إسرائيل من السلاح في العالم قد عرفت نمواً هائلاً يجعلها تحتل المرتبة الاولى عالمياً: قفزات بنسبة 55 في المئة بين أعوام 2008 و2012 ثم 2013 و2017، أي عقب كل هجوم شنته على غزة واستعرضت فيه مهاراتها. وأما التحفّظ الاوروبي على شراء أسلحتها بسبب الحملات الناجحة ضده في تلك البلدان كما "خسارتها" لزبون آخر هو تركيا (اشترت منها بـ320 مليون دولار أسلحة في 2009 وحدها)، فقد استبدلتها بتوثيق علاقاتها العسكرية/ التجارية مع أنظمة في العالم ترتكب مجازر أو يحكمها اليمين المتطرف وتخوض معارك ضد مجتمعاتها (كحال هوندوراس، وهو آخر الأمثلة)، أو تتسلح تجاه من تؤجج العداء معهم وظيفياً ولأسباب تتعلق بالكسب السياسي، وهو حال الهند برئاسة مودي، التي صارت زبون إسرائيل الأول في مشتريات السلاح.. والهند هي حالياً أكبر مستورد للسلاح في العالم! كما تبيع اسرائيل أسلحتها لبورما (ميانمار) على سبيل المثال..
وقد كشف الصحافي الاسرائيلي يوتام فلدمان في "المختبر" (The Lab)، فيلمه الوثائقي الاستقصائي الرائع الذي اخرجه عام 2013 (60 دقيقة) كيف تستخدم إسرائيل العمليات العسكرية كوسيلة ترويجية لبيع اسلحتها. وهي حاولت أصلاً توظيف "الخوف من الإرهاب" لبيع منظومات خوارزمية ادّعت أنها جبارة في الكشف المسبق عن "النوايا"، وفي مراقبة الناس والجماعات الخ.. وأشاعت انها "النموذج" الناجح في احباط الارهاب.
فمن سيتولى رفع دعوى على إسرائيل بخصوص أسلحتها الاخيرة التي جربتها على شباب غزة؟