هذه الفوضى العظيمة!

يزم بعضهم شفاهه، ويرى أن الانتفاضات العربية تمر بتعقيدات كبرى، متعبة، أو أنها لا تطرح ثمارها بالسرعة التي يشتهي. وينفلت على ذلك سيل من التشكيك: ليست ثورات بل فوضى خطرة، سنترحم على الماضي، سرقها الإسلاميون، يستفيد منها الامريكان، يتلاعب بها الخليجيون، هي على سطح الاشياء... وهكذا!ينسى هؤلاء أننا نواجه اليوم مهمة التغيير بينما كل أطرافنا مهشمة، فقد عشنا في النخران عقوداً متتالية، في ظل أنظمة مزجت
2012-07-19

نهلة الشهال

أستاذة وباحثة في علم الاجتماع السياسي، رئيسة تحرير "السفير العربي"


شارك

يزم بعضهم شفاهه، ويرى أن الانتفاضات العربية تمر بتعقيدات كبرى، متعبة، أو أنها لا تطرح ثمارها بالسرعة التي يشتهي. وينفلت على ذلك سيل من التشكيك: ليست ثورات بل فوضى خطرة، سنترحم على الماضي، سرقها الإسلاميون، يستفيد منها الامريكان، يتلاعب بها الخليجيون، هي على سطح الاشياء... وهكذا!ينسى هؤلاء أننا نواجه اليوم مهمة التغيير بينما كل أطرافنا مهشمة، فقد عشنا في النخران عقوداً متتالية، في ظل أنظمة مزجت القمع والإفساد والإفقار كي تستتب، ونهب القائمون عليها كما يحلو لهم، وأمعنوا واستهتروا، ظناً منهم أنهم تمكنوا مما أرادوا. ينسون ما حل من اغتصاب مريع لمصر، أم الدنيا، التي ذُل أهلها، وهم عادة من الصابرين، حتى ثاروا ليس فحسب طلباً للخبز، بل أيضاً استعادة للكرامة. ينسون أن العراق العظيم بكل المقاييس، جُوِّع وقُصف ودُمر واحتًل ونُهب مباشرة من القوة العالمية العظمى التي عاثت فيه فساداً، وسلَّمته لمن تطمئن أنه سيسعى لتأبيد الفساد. ينسون أن جزائر المليون شهيد، والنفط والغاز الوفيرين، أنهكت بحرب داخلية أقل ما يقال فيها إنها "غامضة"، وإنها اليوم ما زالت تلملم جراحها بينما يتربع على رأسها من تُظَن بهم كل الظنون في ما آلت اليه حالها. ينسون أننا سحقنا بهزيمة 1967، وقيل لنا وقتها "هذه نهاية التاريخ"، وانتُهكت كل مرتكزات وعينا، وجرى هدم منظم، ممنهج وواع، لكل ما كان يمكن أن يكون نقاطاً صلبة يُركن اليها لاستعادة المشروع التحرري، الاجتماعي والسياسي. نُسي كامب دافيد وأوسلو، كما نسيت حيتان المال السهل الذي يغرف ثم يهرب، وتفكيك التعليم العام، وترك الناس بلا عمل حتى جاعوا، وبلا منازل حتى عاشوا في المقابر أو في الخراب. هل يعقل أن يخرج من رحم كل ذلك حركات مهندمة، بلا أمراض، تسير في طريقها بكل تماسك ووعي، تعرف كل ما تريد وتعرف كيف تصل إليه؟ هذا انتظار لعصا موسى تشق البحر، أو للسيد المسيح يحيي الموتى، أو للنبي محمد الذي قال لا إله إلا الله، ثم نسينا وعبدنا ألف صنم.بل هي معركة، صراع شامل ومتنوع ومتعدد المستويات. صعب ومعقد ومليء بالحفر، والمطبات، والانتكاسات... والفرح العظيم. ولكن لا توجد صيغة سحرية لتحقيق ذلك الطموح، في منطقة تمتلك موضوعياً كل أسباب وشروط القدرة على تحقيق مشروعها، ولكنها أيضاً تقع في قلب الاستهداف الاستعماري. ثمة معجزة أولى حصلت، هي انتفاض الناس طلباً للحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة، مهما كان الثمن. وهي تنبئ بأن الشرط الذاتي لم يدمر كما ظُنَّ وعُمل له، بل إن روحنا ما زالت حية، أو فيها نبض. ولكن تلك انطلاقة، ولا ينبغي الوقوع في خطأ اعتبارها نهاية المطاف.

للكاتب نفسه

ماذا الآن؟

وقعتْ إسرائيل في خانة المستعمِر، واهتزت بقوة "شرعيتها" المصنوعة بتوأدة. حدث ذلك بفعل مقدار منفلت تماماً من همجيتها في الميدان وصل إلى التسبب في الصدمة للناس، وكذلك بفعل التصريحات والخطب...