الهروب غرباً، بعيداً عن ظلال النخيل

قال عدنان سامي (27 عاما)، "مضت خمس سنوات وأنا أبحث عن عمل، يبدو أن تخصص الكيمياء الذي قضيت أربع سنوات أدرسه في جامعة بغداد، بات غير مرغوبا به في العراق، لذا أفضل السفر والهجرة، عسى أن أجد فرصة عمل لأعيش حياة أخرى بعد أن تعبت من البحث عن عمل في القطاعين الخاص والعام". وأضاف: "الملامة التي أراها في عيون الآخرين، أهلي وأصدقائي، تجرحني، مع انهم يعيشون ظروفي نفسها (...) لدي اخت تحمل شهادة البكالوريوس
2012-12-26

احمد علاء

صحافي من العراق


شارك
متخرجون في العراق

قال عدنان سامي (27 عاما)، "مضت خمس سنوات وأنا أبحث عن عمل، يبدو أن تخصص الكيمياء الذي قضيت أربع سنوات أدرسه في جامعة بغداد، بات غير مرغوبا به في العراق، لذا أفضل السفر والهجرة، عسى أن أجد فرصة عمل لأعيش حياة أخرى بعد أن تعبت من البحث عن عمل في القطاعين الخاص والعام". وأضاف: "الملامة التي أراها في عيون الآخرين، أهلي وأصدقائي، تجرحني، مع انهم يعيشون ظروفي نفسها (...) لدي اخت تحمل شهادة البكالوريوس في الرياضيات، لكنها لا يمكن ان تحصل على فرصة عمل في القطاع التربوي مثلا، لأنها متخرجة كلية العلوم وليس التربية، فيما زميلاتها من التخصص ذاته، لكن من خريجات كلية التربية، حصلت أغلبهن على فرص عمل، منهن بعقود وأخريات متطوعات بدون أجور، عسى أن تحين ساعة تثبيتهن في الملاك".
هذه هي الحال في العراق اليوم. فبعد أن كان المتخرج الجامعي يجد ضالته في فرصة عمل في القطاع الخاص، إن لم يكن في المؤسسات الحكومية، بات يواجه في العقدين الاخيرين خاصة، تحديات كبيرة جعلت من الاحلام التي بناها عند دخوله الجامعة، هباء منثورا، لتولد احلام جديدة نحو الهجرة خارج البلاد، الى اوروبا أو اميركا بالتحديد، بحثاً عن فرصة عمل أو للحصول على شهادة عليا تضمن للشاب فرصة حياة جديدة، وربما حتى الزواج من أجنبية أو عراقية مهاجرة اذا صادف ذلك، بعد ان خبت رغبة الزواج من بنت البلد لدى أغلبهم في ظل الظروف المادية السيئة التي يرزحون تحت ثقلها.
لكن هل الهجرة هي السبيل لتحقيق بعض من تلك الاحلام؟
يرجع الباحث الاجتماعي علي طاهر الحمود رغبة الشباب بالهجرة الى خارج البلاد الى فقدان الهوية لدى أغلبهم، الامر الذي يدفعهم الى البحث عن وطن بديل يتصورون انه سيمنحهم الوجود والحق الانساني بمجرد وطأتهم اراضيه. "لكن الواقع يعكس صورة أخرى لأن البلدان الغربية أو بلدان المهجر كما يحلو للبعض تسميتها، تكون في الغالب قاسية على المهاجر الذي، من المؤكد، سيجد أمامه ضياع جديد للهوية، لم يتمكن من الاحساس بها وهو في بلده، بسبب القوانين الصارمة التي تحاسب المهاجرين وتمنع الكثير منهم من العمل بحرية.
حيدر طامي 38 عاما، كردي من الطائفة الفيلية (الشيعة)، عاد من فرنسا قبل أشهر، ومستمر في البحث عن فرصة عمل، وهو متخصص باللغة العربية وقد اكتسب الفرنسية. قال: "لم يكن سهلا الوصول الى فرنسا. لقد دفعت 11 ألف دولار لأتمكن من الحصول على تأشيرة الى ايطاليا ومنها انتقلت بالقطار الى فرنسا، وبقيت أربعة اشهر أبحث عن سبيل للمعيشة، حتى اني لم اتقدم الى قسم الشرطة لأعلن عن نفسي كلاجئ الا بعد هذه الاشهر البشعة (...). نعم لقد منحوني ما يسد الرمق، لكن في ظل البطالة المنتشرة في بلد مثل فرنسا، لا يمكن الحصول على عمل بعد ذلك، والا ستقطع عني المنحة الشهرية. أما عودتي الى بلدي، فلأني تعبت من الغربة والبحث عن عمل في بلد تزداد نسبة البطالة فيه يوما بعد اخر. كنت اعطي دروس باللغة العربية لكن باسعار زهيدة جدا".
ويأمل طامي ان يتمكن من الحصول على فرصة عمل في بلده الذي يبلغ عدد متخرجيه سنويا مئات الالاف، أغلبهم يفكر بالهرب منه عن طريق برامج اللجوء التي تعلن عنها حكومات هذه البلدان.
وفي مقابل ذلك تحدث عبد الجبار المشهداني (35 عاما) الذي قرر البقاء في العراق ومواجهة مصيره بعد محاولتين فاشلتين للوصول الى الدنمارك: "خالي يعيش هناك منذ أكثر من عشرين عاما، سعيت الى الوصول اليه بشتى الطرق، ودفعت مبالغ كبيرة للمهربين ولم احصد الا الفشل، ففي المرة الاولى ألقي القبض علي في ايطاليا وانا أحاول مغادرتها بجواز سفر مزور أعطاني اياه احد المهربين، وفي المرة الثانية قضيت سنتين أنام في جوامع المسلمين في أوكرانيا بعد ان أوصلني أحد المهربين بـمبلغ 20 الف دولار عن طريق غابات تركيا. الا إني في النهاية لم أتمكن من الاستمرار في البقاء هناك أو الوصول الى الدنمارك، مع نقص مواردي المالية".
الاكاديمي عبد الامير السعدي أفاد بان الشباب العراقي يسعى بعد تخرجه من الجامعة الى العمل في مجالات شتى قد لا تليق به وبتخصصه الذي قضى سنوات من عمره في تحصيله، بهدف ان يجمع مبلغا من المال يكفيه للسفر، وبرغبة تسيطر عليه في أن يتمكن من تحقيق طموحه في اوروبا على وجه الخصوص. لكنه يصطدم بحقيقة ان ما يملكه من مال يذهب الى المهربين وعصابات المافيا، التي تصطاد أمثاله وتعدهم بحياة اخرى وبضمانات في الوصول الى أرض الثروات، وفي النهاية يقع فريسة سهلة لهم". ولفت السعدي الى ان الشاب لا يفكر بالزواج بعد التخرج لأسباب اجتماعية تجعله لا يستطيع ان يتقدم الى إحداهن ويقول لها انه يحمل شهادة بالتخصص الفلاني لكنه يعمل عتالا في سوق الشورجة أو عاملا في مصنع للبلاستيك، أو أي مكان آخر، وليس في مجال تخصصه (...) ولهذا الوضع انعكاسات اخرى منها زيادة نسب العوانس في البلاد". ومع ان السعدي يؤكد ان السنوات الثلاث الاخيرة شهدت انخفاضا في أعداد الراغبين بالهجرة من الشباب، بعد الاستقرار النسبي في الأوضاع الأمنية، وبروز نيات ـ لم يتحقق منها الكثير ـ في التنمية الاقتصادية وتوفير فرص العمل للعاطلين وخاصة المتخرجين منهم، الا ان الشابة حنان العكيلي (30 عاما)، كشفت عن رغبتها بالسفر وتمنت لو كانت فتى في مقتبل العمر، لكانت الآن تعيش خارج العراق لتحظى بفرصة عمل راقية في اختصاصها السياحي. واضافت: "هذا القطاع منعدم في العراق، فأما ان نعمل في فنادق الدرجة الاولى وهي قليلة ومكتفية بكوادرها، ولم يتم إعمار أي فندق جديد خلال السنوات العشر الأخيرة، لتكون لدينا فرص عمل... أنا أعمل الآن في مطعم وبأجر لا يزيد عن 500 دولار في الشهر، وهي لا تكفي لسد حاجياتي ومتطلبات عائلتي".
ومن طرق الهجرة المتبعة الآن في العراق تقديم العديد من الشباب والعوائل أوراق الهجرة الى الولايات المتحدة الاميركية عن طريق برنامجين تم اعدادهما للعراقيين بشكل خاص من قبل الحكومة الامريكية، وهما يعرفان ببرنامجي IOM و SIV ، لكنهما مخصصان للذين عملوا مع القوات الاميركية او مع المؤسسات الاميركية التي عملت في العراق. لذا فان أعداد المتقدمين بلغت نحو 12 الف عائلة وفق هذين البرنامجين، من اجل الخلاص مما وصفوه بالاوضاع المتردية والتي ما زال تدور في فلك المحسوبية والطائفية، مما يجعل من الصعوبة بمكان الحصول على فرصة عمل اذا لم يكن انتمائك واضحا لاحد الاحزاب الحاكمة والتي أغلبها دينية وقد لا تتفق مع افكار.
وفي الجانب الآخر، فان احصائية المهاجرين على هذين البرنامجين تشير الى أن أغلبهم من المسيحيين والذين يتصورون ان وجودهم في الغرب وفي اميركا بالذات سيمنحهم هوية جديدة بعد ان تم استهدافهم، مما يدفعهم الى الهروب من العراق مع غيرهم، وبخاصة العلمية منها.
سامر العاشق، خبير اقتصادي، اوضح "أن نية الهروب موجودة اليوم لدى أغلب العوائل، خاصة المثقفة، كونها تشعر بأن العالم الجديد سيمنحها فرصة لحياة خالية من المحاصصة". وأشار: "كثير من اصدقائنا يؤكدون في اتصالاتهم، وفي الرسائل التي تصلنا منهم، أن أميركا وكندا ليستا بلدين سهلين في ظل الازمة الاقتصادية التي تعيشانها، بل ان منهم من طلب منا أن ننصح كل من يرغب بالهجرة الى أميركا ان يتوثق من الحصول على فرصة عمل قبل ان يغادر اي من مطارات العراق".
ولم يبتعد الصحفي علاء الربيعي (42 عاما) كثيرا عما ذكره العاشق، وقد عاد الربيعي من بلاد العم سام، بعد أربع سنوات من الغربة فيها، ليؤكد انه غير مستعد للعودة، لان الوحدة والبحث غير المجدي عن فرصة عمل أتعباه للغاية.
وتقترح بعض الجهات الرسمية في البلاد تفعيل القطاعات الصناعية وتقديم التسهيلات للقطاع الخاص ليعمل في هذا المجال من خلال تخفيض قيمة المحروقات وخاصة تلك المستخدمة في مجال توليد الطاقة الكهربائية فضلا عن تخفيض كلفة بيع التيار الكهربائي من قبل وزارة النفط و لا بد من تقديم الدعم للمشاريع الصغيرة التي يقودها الشباب، بما يحقق التنمية الاقتصادية ويفتح الافاق أمام الشباب العاطل عن العمل لينفذ افكاره على أرض الواقع كسبيل لمعالجة قضية استمرار الهجرة الى الخارج.

مقالات من العراق

سجون "الأسد" وسجون "صدام حسين"

ديمة ياسين 2024-12-12

لا أزال إلى اليوم لا أستطيع النظر طويلاً إلى الصور التي التُقِطتْ لوالدي في أول يوم له بعد خروجه من المعتقل، وهو يجلس تاركاً مسافة بيننا وبينه، وتلك النظرة في...

بغداد وأشباحٌ أخرى

نبيل صالح 2024-12-01

عُدتُ إلى بغداد ولم أعد. تركتُ قُبلةً على قبر أُمي ورحلتُ. ما حدث ويحدث لبغداد بعد الغزو الذي قادته جيوش الولايات المتحدة الأمريكية، هو انتقامٌ من الأسلاف والتاريخ معاً.

فتاة كقصبة ال"بامبو"

فؤاد الحسن 2024-09-29

"فاطمة" لم تستطع نيل موتها، على الرغم من دنو الموت، وتنفسه الثقيل الملتصق بتراب الأرض. فقد اختُطِفت مِن قِبل عناصر تنظيم "داعش"، على الرغم من سنواتها التسع، التي لم تنضج...

للكاتب نفسه

النكتة العراقية تخرج من مداراتها السرية

احمد علاء 2013-02-25

للنكتة قوة نقدية كبيرة، تطال الاوضاع الاجتماعية والفكرية والسياسية. واذا كانت النكتة الاجتماعية اختزلت في إيضاح حمق الآخر وبلاهته، فإن النكتة الفكرية تعتمد على التناقض الحضاري بين الشعوب، وتتمحور حول...

العنف في العراق يتسلّل إلى داخل الأسرة

احمد علاء 2012-12-05

تراجع الاوضاع الامنية في العراق ألقى بظلاله على الحياة الاجتماعية، فانعكست تأثيراته على الحالة النفسية للعديد من المواطنين، ودخل العنف الاطار الاسري فسجلت مراكز الشرطة في العاصمة جرائم قتل داخل...