رسامو الكاريكاتير في العراق: ممنوع الاقتراب من العمامة

لدى رسامي الكاريكاتير في العراق تخطيطات لشخصيات عامة بعضها غير منشور، أو «محدود التداول» بحسب تعبيرهم، تناولوا فيها شخصيات دينية، وفرَّغوا كل شحنات السخرية على الملامح. التخطيطات تحفز المتلقي لاختبار وعيه في تحديد موقفه من ظاهرة الاحتقان الطائفي التي شهدتها البلاد قبل سنوات، واسفرت عن قتل الاف الابرياء نتيجة الاستجابة لدعوات المتطرفين من كل صوب. الرسام الحميري يصف تلك السنوات بانها
2012-10-31

احمد علاء

صحافي من العراق


شارك
حسيب الجاسم www.hassibaljassem.com

لدى رسامي الكاريكاتير في العراق تخطيطات لشخصيات عامة بعضها غير منشور، أو «محدود التداول» بحسب تعبيرهم، تناولوا فيها شخصيات دينية، وفرَّغوا كل شحنات السخرية على الملامح. التخطيطات تحفز المتلقي لاختبار وعيه في تحديد موقفه من ظاهرة الاحتقان الطائفي التي شهدتها البلاد قبل سنوات، واسفرت عن قتل الاف الابرياء نتيجة الاستجابة لدعوات المتطرفين من كل صوب. الرسام الحميري يصف تلك السنوات بانها نكبة عراقية لم نشهد لها مثيلا «وقف وراءها من رفع شعار الدفاع عن المذهب والطائفة ليبطش بالاخرى». الأعمال المنشورة في ذلك الوقت لم تأخذ الصفة المباشرة، فإذا كان الشخص العادي يعيش هواجس الخوف في كل دقيقة، فكيف يكون حال الرسام حينما يتناول شخصيات دينية يعتقد بأنها قامت بدور فاعل في تغذية الحقد الطائفي بين مكونات الشعب العراقي، في ظل عجز الحكومة عن توفير الأمن، وسقوط مناطق باكملها بيد المسلحين. فمن دون الاستعانة بجهود الرقيب، رفع رسامو الكاريكاتير شعار أو كلمة سر تقول «ممنوع الاقتراب من العمامة»، لتفادي العواقب الوخيمة في زمن النكبة.
رسام الكاريكاتير كفاح حسن له تفسير لهذا الشعار. فهو يرى أن تناول القضايا الدينية بشكل عام في البلدان العربية من قبل رسامي الكاريكاتير يعد واحدا من الإشكاليات القائمة «لا حدود للمحرمات، وهي تتسع باستمرار بعد ان اكتسبت صفة المقدس، والتعرض لها يعني مجازفة خطيرة قد تحمِّل من يتقدم اليها دفع حياته ثمنا لمجازفته. وفي اقل تقدير صدور فتوى بتكفيره. انتشار الامية واتساع نفوذ رجال الدين، وغياب تشريعات حرية التعبير، اسهمت هي الاخرى في اضفاء صفة القدسية على مظاهر سلبية كثيرة».
المشكلة وإن كانت الاكثر حدة مع الكاريكاتير، إلا أنها تواجه ايضا المشتغلين بقضايا الادب والفن والفكر. ويرى الشاعر الاعلامي كاظم غيلان ان فرص التحرر الفكري في البلدان العربية تراجعت بسرعة قياسا بسنوات عقد السبعينات، ويضيف «الآن أصبح المقدس منطقة حمراء واسعة اخذت شكل حقل الغام امتد الى تفاصيل الحياة اليومية».

الكاريكاتير يكشف الحقيقة اكثر من المقال

رسام الكاريكاتير في جريدة الصباح احمد الربيعي ليس الوحيد من بين زملائه الذي يخشى الخطوط الحمر، لكنه ربما يكون الوحيد من بينهم الذي رافقته المحرمات منذ النظام السابق وحتى ما يفترض بأنه عهد الديمقراطية في العراق.
عمل الربيعي في جريدة «بابل» التي يترأس تحريرها عدي صدام حسين. وهو صاحب رؤية يصفها بالحديثة لفن الكاريكاتير، واخذ ينشر تخطيطاته في الصفحة الأخيرة، ولم تكن مألوفة وقتذاك، لان أشكاله غريبة، وهذا في أقل تقدير. رئيس التحرير التفت لهذا الامر وادرك بان تخطيطات الشاب الربيعي غير صالحة للنشر، فقرر منع نشرها في جميع الصحف العراقية، وكانت وقتها لا تتعدى أصابع اليد الواحدة.
أثناء إقامة معرض لفن الكاريكاتير في العاصمة بغداد مؤخرا، سألتُ الربيعي عما إذا كان قد تخلص من الخطوط الحمر؟ فقادني الى مكان منزو خال من الجمهور وهمس باذني «رجال الدين!». أضاف «نعيش مرحلة فيها فسحة من الحرية، ولكن توجد خطوط حمر لا يمكن الاقتراب منها، والدين في مقدمها».
زميله رسام الكاريكاتير عبد الرحيم ياسر أنقذ الربيعي بالقول «هناك الكثير من الخطوط الحمر، توجد تابوات معروفة هي الدين والجنس لا يمكن الكلام فيها، الكاريكاتير ألان يتمتع بالحرية، ولكنها ليست كافية ليكون فعالا، وهو بحاجة الى اكثر من ذلك». أما خضير الحميري فقال «لكل زمان خطوطه الحمر. وهي تعيق حركتي في هذا الزمان، وكذلك بقية الاعلاميين الذين يمتلكون الجرأة في مواجهة الاحداث اليومية». نائب رئيس تحرير جريدة «المدى»، عدنان حسين، حدد الخطوط الحمر المعتمدة في وسائل الاعلام بالقول «كل صحف العالم الرصينة لديها خطوط حمر، لان المجتمع لديه تلك الخطوط، فممنوع ليس فقط على رسام الكاريكاتير بل الكتاب ومنتجي الاذاعة والتلفزيون انتاج مواد تتضمن التمييز العنصري والطائفي والديني والتطاول على حريات الاخرين». اما الكاتب علي حسين فقال ان اغلب رؤساء تحرير الصحف العراقية يخشون الكاريكاتير بوصفه فنا كاشفا للحقيقة اكثر من المقال.

انطباع الصورة

بعد مشاركة قوى واحزاب وتيارات دينية في الحكومة العراقية، ومع تبني سياسة تربوية اعتمدت توجه تعميم ودعم الممارسة الدينية، ومع تشكيل منظمات مدنية تابعة لتلك الاحزاب، اصبح «المزاج العراقي» منسجما مع هذا التوجه. كما لعبت وسائل الاعلام من الفضائيات الدينية دورا في توسيع نطاق مفهوم «المقدس»، وشهد الشارع هو الاخر انتشار صور الشخصيات دينية. وفي احد الاحياء الشعبية اصبحت تلك الصور اشبه بمزارات، وفرضت عليها حراسة مشددة من قبل رجال الامن لتفادي احتمال تعرضها للتشويه من قبل الاخرين. ومع غياب المظاهر المدنية من دور السينما والمسارح والنوادي، انطبعت هيمنة الديني وشرعية تلك الهيمنة في الذهنية العراقية.
الرسام احمد الربيعي وغيره من رسامي الكاريكاتور يخشون الاقتراب من حقل الالغام، فتخرج رسوماتهم خالية تماما من الشخصيات الدينية مع انها الاكثر حضورا في المجال السياسي والاجتماعي والإعلامي. مفارقة حلها في زمن الديمقراطية والحرية الذي لم يأت بعد.

مقالات من العراق

فتاة كقصبة ال"بامبو"

فؤاد الحسن 2024-09-29

"فاطمة" لم تستطع نيل موتها، على الرغم من دنو الموت، وتنفسه الثقيل الملتصق بتراب الأرض. فقد اختُطِفت مِن قِبل عناصر تنظيم "داعش"، على الرغم من سنواتها التسع، التي لم تنضج...

للكاتب نفسه

النكتة العراقية تخرج من مداراتها السرية

احمد علاء 2013-02-25

للنكتة قوة نقدية كبيرة، تطال الاوضاع الاجتماعية والفكرية والسياسية. واذا كانت النكتة الاجتماعية اختزلت في إيضاح حمق الآخر وبلاهته، فإن النكتة الفكرية تعتمد على التناقض الحضاري بين الشعوب، وتتمحور حول...