تطييف التعليم في العراق

المدرسة، بمناهجها الأكاديمية وكتب تاريخها والمواد المتعلقة بالدين، قد تكون المكان الأكثر خطورة لجهة تمكن الاعتبارات الطائفية والمذهبية من اختراقه في عراق ما بعد احتلال عام 2003. مدارس بلاد الرافدين تعيش مشاكل يومية ناتجة عن نظام المحاصصة الطائفية الذي يطبع "العملية السياسية" العراقية. وكانت وزارات التربية السابقة اجرت تغييرات على المناهج الادبية للمراحل الاساسية، مثل التاريخ واللغة العربية
2012-08-10

احمد علاء

صحافي من العراق


شارك
فاطمة كاطع

المدرسة، بمناهجها الأكاديمية وكتب تاريخها والمواد المتعلقة بالدين، قد تكون المكان الأكثر خطورة لجهة تمكن الاعتبارات الطائفية والمذهبية من اختراقه في عراق ما بعد احتلال عام 2003. مدارس بلاد الرافدين تعيش مشاكل يومية ناتجة عن نظام المحاصصة الطائفية الذي يطبع "العملية السياسية" العراقية. وكانت وزارات التربية السابقة اجرت تغييرات على المناهج الادبية للمراحل الاساسية، مثل التاريخ واللغة العربية والتربية الاسلامية، وذلك على الرغم من اعتراضات عامة شملت العديد من النواب في البرلمان. ويشير المعلم محمد رضا في مدرسة العقيدة الابتدائية الى ان مناهج مواد التربية الاسلامية والوطنية والتاريخ تغيرت أربع مرات خلال ثماني سنوات!

يعيش تلامذة المدارس وذووهم أزمات لا تُحصى. قصة سامر، (6 سنوات)، التلميذ في الصف الأول إبتدائي، عيّنة منها. فقد وقعت أسرته في حرج لأنّ أمّ سامر تؤدّي الصلاة من دون استخدام ما يُعرف ب "التربة" (القرص الذي يوضَع تحت الرأس عند السجود) التي يستخدمها أبناء المذهب الشيعي، بينما تصرّ مدرِّسته على اعتمادها في الصلاة التي "تُعَدّ باطلة من دونها". وتعرب أم سامر عن أسفها: "لم نكن نتعرض إلى مثل هذه المواقف في زمن النظام السابق، لأنّ المناهج في حينها كانت تركّز على النصوص القرآنية فحسب، وكان التوجه العام في ذلك الوقت يتمثل بإخفاء الانتماء المذهبي، وعدم الحديث عنه، ناهيك بفرضه على التلاميذ". وتستدرك بأنه "بعد عام 2003 ، تغيرت المناهج، وأخذ اطفالنا يتعرفون على قضايا غير متداولة داخل أسرهم". وفي السياق، لا يخفي الطالب رامي عياش انزعاجه من إصرار وزارة التربية على إدخال بعض المفاهيم "مثل مفهوم الخُمس الذي تعدّه مادة التربية الاسلامية من العبادات التي يجدر بالمسلم أدائها"، بينما طائفته السنية لا تعتبر أنّ ذلك من العبادات.

تعززت هذه الظاهرة أثناء تولي النائب الحالي لرئيس الجمهورية، خضير الخزاعي، القيادي في حزب "الدعوة الاسلامية ــ تنظيم العراق"، منصب وزير التربية في الحكومة السابقة لنوري المالكي. في عهده، شهدت المدارس الابتدائية في بعض أحياء بغداد ومحافظات وسط وجنوب العراق، مظاهر فرض الحجاب على الفتيات، وإحياء طقوس مناسبات دينية من قبيل ايام عاشوراء، ويوم الغدير، ووفاة وميلاد فاطمة الزهراء، وكذلك بقية الائمة الاثني عشر. وتركت تلك المظاهر استياء لدى عدد كبير من ذوي التلاميذ "الشيعة" أنفسهم، في حين أنها لم تجد من يطبّقها في مدارس محافظات وأحياء ذات غالبية سنية بشكل عام.

وهناك تضييق يتجاوز هذا المستوى. فقد اضطُرّت التلميذة فاطمة كاطع، من الصف الخامس ابتدائي، إلى ترك الدراسة بعد تعرُّضها لإحراجات متكرّرة من قبل مدرِّستها التي طلبت منها أن "تتحلّى بصفات تنسجم مع قدسية وشرف اسمها"، من نوع حثّها على ارتداء الحجاب وأن تكون نظيفة على الدوام، وأن تؤدي الفرائض من صوم وصلاة. يقول والدها "نحن نعيش في منطقة اغلب سكانها يعملون باجر يومي في معامل انتاج الطابوق (حجر البناء)، ومعظم اطفالنا خارج المدارس، باستثناء اعداد من البنات، ومنطقتنا تشكو شح الماء وانعدام الكهرباء. وطلبات المعلمة لا يمكن توفيرها، فطلبت من ابنتي ترك الدراسة والاهتمام باخواتها الصغار، لأنني مع امها منشغلون في المعمل". ويضيف: "العراق بلد غني، ولكن شعبه يعيش مرارة الفقر والعوز"

وعلاوة على ذلك، فإن عدم تدريس المسيحيين والايزيديين والصابئة مثلاً هذه المادة، يؤدي الى حرمان التلامذة من هذه الطوائف من رفع معدلاتهم النهائية، بينما الشعب العراقي متنوّع الانتماءات الدينية والمذهبية.

الأزمة لا تقتصر على التلاميذ، إذ تطال الأساتذة أيضاً، وهو ما حصل مع "أم لمى"، المدرِّسة منذ أكثر من عشرين عاماً في إحدى مدارس بغداد، والتي تعترف بأنها في حيرة من تعليم مفاهيم لم تألفها. كلام المدرِّسة يتخطّى مشكلة "أسلمة" المنهج التدريسي، ليطال المنهج التربوي عموماً، فهي تشير مثلاً إلى خلوّ مناهج التاريخ، سواء في المرحلة الابتدائية أو الاعدادية، من أي ذكر للحرب العراقي ـ الايرانية، وكأنها لم تقع. وكذلك طغيان مفردات جديدة، فبدل "النظام الصهيوني" مثلاً تستخدم اليوم تسمية "إسرائيل"، وإيران هي "الجمهورية الاسلامية" في كل الاوقات.

تحرف تلك الأزمات الأنظار عن المشكلة الرئيسية المتمثلة بضعف النظام التعليمي العراقي منذ العهد السابق، وفشله في انتاج طبقة متعلمة من الطلبة. والنتيجة وجود فئة كبيرة جداً من الطلاب العاجزين عن تعلُّم مواد جديدة، بما يجعلهم غير قادرين على كتابة أسمائهم وأبسط الكلمات بشكل صحيح وبحروف هجائية سليمة.

"الديموقراطية" الناشئة على أسس المحاصصة المذهبية والاثنية جعلت من وزارة التربية جزءاً من حصة الشيعة في السنوات السابقة. فهل تسلُّم الوزارة من قبل وزير من العرب السنّة، هو محمد تميم، سيمنحه هو الآخر الحق بإجراء تغييرات جديدة على المنهج الدراسي بما يتفق وتوجُّهاته؟ سؤال يرى الخبير التربوي محمد موسى أنّ الاجابة الشافية له تكمن في إعادة دراسة أولويات المجال التربوي من أجل نيل قبول وثقة العراقيين، "فضلاً عن تنمية عقلية التلميذ ليكون قادراً على تسلُّم المعلومات الجديدة في المراحل الدراسية المتقدمة". من هذه التوصيات وفق موسى، ضرورة إبعاد السياسة عن القطاع التربوي بمراحله كافة، وذلك يحصل من خلال تسليم حقيبة الوزارات التعليمية لمتخصصين يمتازون بالموضوعية، كأن يكونوا علمانيين وليبراليين، والاطلاع على تجارب دول أخرى "كون التعليم الاساسي حجر الزاوية في تنمية العقول البشرية". وتصل بعض الاقتراحات إلى طلب إلغاء مادة التربية الاسلامية من الامتحانات كافة، وجعلها مجرد مادة ثقافية للطلبة المسلمين حصراً، فضلاً عن اعتماد المهنية في كتابة التاريخ، وإعداد منهاج اللغة العربية بعيداً عن الميول الطائفية.

مقالات من العراق

فتاة كقصبة ال"بامبو"

فؤاد الحسن 2024-09-29

"فاطمة" لم تستطع نيل موتها، على الرغم من دنو الموت، وتنفسه الثقيل الملتصق بتراب الأرض. فقد اختُطِفت مِن قِبل عناصر تنظيم "داعش"، على الرغم من سنواتها التسع، التي لم تنضج...

للكاتب نفسه

النكتة العراقية تخرج من مداراتها السرية

احمد علاء 2013-02-25

للنكتة قوة نقدية كبيرة، تطال الاوضاع الاجتماعية والفكرية والسياسية. واذا كانت النكتة الاجتماعية اختزلت في إيضاح حمق الآخر وبلاهته، فإن النكتة الفكرية تعتمد على التناقض الحضاري بين الشعوب، وتتمحور حول...