ما تغير وما لم يتغير: بغداد تحت سيطرة العسكر

ليس بإمكان المرء في بغداد نقل أثاثه من حي إلى آخر من دون الحصول على موافقات الأجهزة الأمنية وعلى تواقيع أمراء الألوية والأفواج. اعتاد الأهالي هذه الإجراءات وغيرها، وأي محاولة للاحتجاج أو للاعتراض، تجعل صاحبها معرضا للاعتقال بموجب المادة 4 ("إرهاب") . شوارع بغداد مليئة بالعسكر، فكأنها تتوجس حالة الخطر والخوف في كل لحظة. وتنتشر بين نقطة تفتيش ثابتة وأخرى الحواجز المتحركة، بدعوى "الأزمات
2012-08-22

احمد علاء

صحافي من العراق


شارك
تشتدّ الاجراءات الامنية في بغداد خلال الأعياد

ليس بإمكان المرء في بغداد نقل أثاثه من حي إلى آخر من دون الحصول على موافقات الأجهزة الأمنية وعلى تواقيع أمراء الألوية والأفواج. اعتاد الأهالي هذه الإجراءات وغيرها، وأي محاولة للاحتجاج أو للاعتراض، تجعل صاحبها معرضا للاعتقال بموجب المادة 4 ("إرهاب") .
شوارع بغداد مليئة بالعسكر، فكأنها تتوجس حالة الخطر والخوف في كل لحظة. وتنتشر بين نقطة تفتيش ثابتة وأخرى الحواجز المتحركة، بدعوى "الأزمات الأمنية والسياسية"، أي دائماً، فتتأكد العسكرة التي طالما حلم العراقيون بالخلاص منها في عقود مضت.
وهكذا، لم ينتج التحول السياسي الذي جرى في العراق منذ عام 2003، تخلصاً من مشاهد الرعب والخوف وانتشار الجيش في المدن. أيام النظام السابق، كان الوضع السياسي يبدو مستقرا في ظاهره، رغم هشاشته الفعلية، أما المرحلة الراهنة فهي تعلن بصراحة، ومن خلال الانتشار الواسع للعسكر في شوارع المدن الرئيسة، اضطراب الأوضاع السياسية والأمنية، وهو ما ينعكس على الحالة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية على حد سواء. فصعوبة التنقل والوقت الطويل للتنقل الذي تتسبب به مئات الحواجز (وهي لم تتمكن من منع العمليات الإرهابية ولا التفجيرات وسط الناس)، يعطلان الأعمال، أو يجعلانها شاقة بالنسبة لمن لديه عمل، ومستحيلة أو تكاد، لمن يبحث عنه. وهو يهدر الوقت والإمكانات. ثم يعيش الناس في ظل مشاعر الاستثناء المستديم، ما يدفعهم الى تقليص كل نشاط ومبادرة، والاكتفاء بالضروري من الفعل الإنساني، أي البحث عن القوت. ويكشف ذلك حالة فقدان الثقة بين أطراف العملية السياسية التي تشكلت في عام 2003 بعد الاحتلال الأميركي للعراق، كما يؤكد مخاوف الأحزاب المتسلطة من انفجار ثورة غضب بين الناس، على غرار ما بدا ممكناً في تظاهرات اندلعت في العاصمة ومدن البلاد بدءاً من الخامس والعشرين من شباط/ فبراير من العام 2011، وكانت حينها بدعم من منظمات مدنية طالبت بتقديم الخدمات للمواطنين، ولم تهدأ مذاك محاولات التعبير عن المطالب العامة، ولكنها تقمع من قبل السلطة الحاكمة التي لم تستوعب الحالة الجديدة للتعبير عن الرأي فاستشاطت غضباً حين احتشد الناس في ساحة التحرير والساحات العامة في محافظات البلاد، مطالبين بالحصول على فرص عمل متكافئة، منددين بالفساد المستشري والذي يقضي على هذا الأمل. ذهبت تلك السلطة إلى ممارسة ما كانت تقوم به السلطة السالفة، فتوسعت في الاعتقالات بشكل أثار الإعلام ودفعه إلى اتخاذ موقف المدافع عن نفسه، ليحمي وجوده الجديد، والى رفض سياسة تكميم الأفواه. وأما الاغتيالات التي وقعت، فلا تزال الظنون في هوية مرتكبيها تتراوح بين الأطراف السياسية، ومنها من هو في السلطة، وبين التصفيات العشائرية، صراعاً على السلطة أو خدمة لمختلف أطرافها، حسب كل حادث وظرف، أو تقرباً منها، وتزلفاً إليها.
ومع ذلك تبقى الكثير من العمليات العسكرية غير مفهومة، وغير "ضرورية" لولا طغيان العقلية العسكرية لدى اصحاب السلطة. وربما باتت تهم الانتماء الى "القاعدة" أو الى حزب البعث المنحل شماعة أو طريقة تلجأ إليها السلطة لتنفيذ الاعتقالات، وتبريرها، كونها تتم في الغالب عشوائيا، ووفقا لرؤى قد تكون خاصة بقادة الفرق والضباط المتحكمين في مصائر أهالي المناطق التي يتمركزون بها، كما تتم أحياناً "وفقا للقانون"، من خلال مذكرات اعتقال تلفت أعدادها الكبيرة الأنظار. وهكذا، وبعد تسع سنوات من "التحول نحو الديمقراطية" في العراق، فما تزال العقلية البوليسية هي المسيطرة، وهي تجعل من يضطر لنقل أثاث بيته مشبوهاً حتى يثبت العكس!

مقالات من العراق

فتاة كقصبة ال"بامبو"

فؤاد الحسن 2024-09-29

"فاطمة" لم تستطع نيل موتها، على الرغم من دنو الموت، وتنفسه الثقيل الملتصق بتراب الأرض. فقد اختُطِفت مِن قِبل عناصر تنظيم "داعش"، على الرغم من سنواتها التسع، التي لم تنضج...

للكاتب نفسه

النكتة العراقية تخرج من مداراتها السرية

احمد علاء 2013-02-25

للنكتة قوة نقدية كبيرة، تطال الاوضاع الاجتماعية والفكرية والسياسية. واذا كانت النكتة الاجتماعية اختزلت في إيضاح حمق الآخر وبلاهته، فإن النكتة الفكرية تعتمد على التناقض الحضاري بين الشعوب، وتتمحور حول...