في نيسان / أبريل من العام 2005، استضاف جورج بوش، الرئيس الامريكي وقتها، ولي العهد السعودي الامير عبد الله بن عبد العزيز في مزرعته الخاصة في تكساس. كان المطروح على طاولة النقاش في ذلك اللقاء موضوع واحد فقط: خطط شركة النفط السعودية أرامكو لرفع طاقتها الانتاجية الى 12 مليون برميل يومياً.
لكن مع الزيارة الحالية إلى واشنطن لولي العهد الحالي، الامير محمد بن سلمان، فمن غير المتوقع أن يتم تناول موضوع النفط. بل أنه حتى قضية طرح أسهم شركة أرامكو في بورصة نيويورك كما طلب الرئيس الامريكي ترامب مرة في إحدى تغريداته، فقد لا تجد حظها من النقاش. فقد جرت مياه كثيرة تحت الجسر خلال الاعوام القليلة المنصرمة، أدت الى تغييرات طالت السوق النفطية، فتحولت الولايات المتحدة من أكبر مستهلك ومستورد للنفط من دول أخرى الى منتج رئيسي تخطى السعودية في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، حيث تجاوز حجم انتاجها المحلي 10 ملايين برميل يومياً، وهي في طريقها الى تخطي روسيا، أكبر منتج للنفط في العالم حالياً. ووفق تقديرات للوكالة الدولية للطاقة فأنه بحلول العام 2023 ستتأكد سيطرة الولايات المتحدة على السوق النفطية بدون منازع، وقبل ذلك بعام ستتأكد وضعيتها كأكبر مصدّر للنفط وفق تقديرات لإدارة معلومات الطاقة الامريكية.
الطفرة الامريكية في انتاج النفط والغاز تعود أساساً الى أسباب تقنية تتمثل في الاختراق الذي حدث في إنتاج ما يعرف بالنفط الصخري بإستخدام عمليات الحفر الافقي والقدرة على إستخلاص النفط حتى ولو كان بكميات قليلة من الصخور. ومن المفارقات ان الفضل في ذلك يعود بصورة غير مباشرة الى الدول المنتجة الرئيسية في أوبك. فتلك التقنية المعروفة باسم " Fracking" كانت معروفة في دوائر هندسة الصناعة النفطية منذ أكثر من 40 عاماً، لكنها لم تصبح ذات جدوى إقتصادية الا بعد أن تخطى سعر البرميل حاجز المئة دولار في العام 2008 وذلك لأول مرة في التاريخ. وعلى الرغم من التراجع الكبير في الاسعار منذ العام 2014، الا ان عملية استخراج النفط الصخري تمكنت من خفض كلفة الانتاج كما قامت بترشيد نفقاتها، الأمر الذي مكنها من الصمود.
وعندما توصلت أوبك والمنتجين خارجها بقيادة روسيا، الى إتفاق في أواخر عام 2016 على خفض الانتاج بنحو 1.8 مليون برميل يومياً لدعم الاسعار التي أصبحت تتراوح بين 60 – 70 دولارا للبرميل، فإن تلك الخطوة شكلت طوق نجاة لصناعة النفط الصخري وساعدتها من ناحيتين: فكلما إرتفعت الاسعار تحسنت فرص الانتاج المحلي الأمريكي وأصبحت جدواه الإقتصادية أفضل. ومن الناحية الاخرى فإن عمليات خفض الانتاج التي تتم تُفسح مجالاً أمام الصادرات الامريكية من النفط والغاز التي بلغت حوالي المليون ونصف المليون برميل يوميا من النفط ونحو ترليوني قدم مكعب من الغاز كذلك.
هيمنة
مسؤولو الادارة الامريكية، وعلى رأسهم ريك بيري وزير الطاقة، يقولون ان ما يجري يعتبر واحدة من خطوات تنفيذ برنامج "جعل أميركا عظيمة مرة أخرى"، وأن تحقيق الولايات المتحدة للإكتفاء الذاتي في الطاقة والتصدير سيعزز من هيمنتها في السوق ويقوي من أمنها القومي، بل و"يسهم في دفع قضية الحريات حول العالم، اذ ستستخدم واشنطن قدراتها النفطية هذه للتبشير بذلك".
ارتباط الطاقة بموضوع الأمن القومي في السياسة الامريكية وعلاقته بالمنطقة العربية والخليجية ظل هاجساً مقيماً لدى مختلف الرؤساء الامريكيين. ففي العام 1943 أعلن روزفلت أن السعودية تعتبر منطقة حيوية للمصالح الامريكية، وذلك بعد أن إتضح انها تحتوي على كميات ضخمة من الاحتياطيات النفطية. وتمت ترجمة هذا الاعلان بصورة عملية في اللقاء بين روزفلت والملك عبدالعزيز مؤسس المملكة، والذي بموجبه تضمن واشنطن حماية السعودية بينما تقوم الأخيرة بتوفير الإمدادات النفطية للسوق.
للتخفيف من الاعتماد الكلي على إيرادات النفط تفكر الرياض بطرح 5 في المئة من أسهم أرامكو في البورصات العالمية، ولكنها تؤجل ذلك لتخوفها من أن يصبح وجود تلك الأسهم في الاسواق الخارجية وسيلة لإبتزازها السياسي والقانوني في مختلف القضايا.
على ان فترة الستينات من القرن الماضي شهدت تراجعاً في الانتاج المحلي الامريكي مع زيادة في الطلب، الامر الذي دفع بجيمس أكنز في الخارجية الامريكية الى التحذير من أزمة طاقة مقبلة ودعا الى الاستعداد لها، وهي الازمة التي أنفجرت متزامنة مع الحظر النفطي العربي ضد الولايات المتحدة وهولندا، إثر الحرب الاسرائيلية العربية في 1973. عندها عاد الحديث عن إرتباط قضية الطاقة بالأمن القومي الامريكي الى الصدارة. وظلت كذلك مع مختلف الرؤساء، من ريتشارد نيكسون الى جيمي كارتر الذي أسس وزارة خاصة للطاقة لأول مرةـ واستمر الاهتمام الرئاسي حيث تقوم كل ادارة جديدة بطرح خطة تتعلق بالطاقة، ولو أن أياً منها لم يحقق نجاحاً ملموسا.
فكلا من السعودية وكندا وفنزويلا ظلت أكبر ثلاث دول تصدِّر النفط الخام ومشتقاته الى الاسواق الامريكية، وكانت تتنافس فيما بينها على من يحتل المرتبة الاولى. في العام 2000 بلغت الصادرات السعودية الى الولايات المتحدة قمتها عندما تمكنت من شحن 1.89 مليون برميل يومياً، لكنها بدأت في التراجع والتأرجح منذ ذلك الوقت حتى بلغت 719 ألفاً العام الماضي. ويبدو أن الرياض تأمل دائماً الاّ يقل حجم صادراتها الى السوق الامريكية عن المليون برميل يوميا وذلك للأسباب إستراتيجية.
أمن وطاقة
التطورات التقنية المتعلقة بانتاج النفط الصخري، ووضعية السوق، أدتا الى أن تشهد الفترة الثانية لإدارة الرئيس أوباما تطوراً ملموساً بما يتعلق بالانتاج المحلي وزيادته، الأمر الذي يثير أسئلة عن مستقبل علاقة الولايات المتحدة بمنطقة الشرق الاوسط والخليج تحديداً. فهل واشنطن المكتفية نفطياً، بل والتي يمكن أن تؤثر في السوق، مستعدة للتدخل السياسي والعسكري في هذه المنطقة؟
لا يبدو وارداً أن تسحب واشنطن أسطولها السادس من مياه الخليج على الأقل في المستقبل المنظور لأن هناك قضايا أخرى غير النفط ذات أهمية بالنسبة لأي إدارة أمريكية مثل "مكافحة الارهاب"، وهي تبرر التواجد والانشغال الأمريكي بما يجري في المنطقة.
على ان إستمرار الاعتماد على النفط أصبح مثار تساؤل وشكوك، بما يتجاوز النقطة القديمة المتجددة من أنه مصدر ناضب، وانما بما يتعلق بالمتغيرات التي بدأت تؤثر بشكل مباشر وتعبر عنها البرامج الحثيثة في مجالات الطاقة المتجددة وتزايد الوعي بالقضايا البيئية وتأثير الوقود الاحفوري عليها وزيادة حصة السيارات الكهربائية في سوق النقل وقيام العديد من الدول وشركات تصنيع السيارات بالإعلان عن وقف استخدام الوقود الاحفوري في غضون عقدين من الزمن.
هل يتجه عصر النفط إلى الغروب؟
14-08-2017
أدت هذه التطورات، مع النمو السكاني وتزايد وتنوع الاحتياجات، الى أن تبدأ الدول الخليجية بالبحث في كيفية تخفيف إعتماد اقتصاداتها على النفط، كما تقول "رؤية 2030" التي يبشر بها ولي العهد السعودي. أحد عناصر تلك الرؤية، للمفارقة، هو طرح نسبة 5 في المئة من أسهم شركة أرامكو الى الاكتتاب العام، وذلك بأمل الحصول على تدفقات مالية تقدر الرياض أن تصل الى ترليوني دولار. لكن الطرح الذي كان يفترض أن يتم في حزيران/يونيو المقبل يبدو انه سيتأجل حتى العام المقبل على الاقل وذلك بسبب مراجعات تتعلق بالمكان الذي ستُطرح فيه الاسهم. فعلى الرغم من تنافس لندن ونيويورك وهونغ كونغ على الفوز بعملية الطرح في بورصاتها، الا ان هناك تخوفاً في الرياض من أن يصبح وجود أسهم أرامكو في الاسواق الخارجية عرضة للإبتزاز السياسي والقانوني بما يخص مختلف القضايا المتعلقة بالسعودية.
لكن وبغض النظر عما يمكن أن ينتهي اليه موضوع أرامكو، وقبل ذلك نمو الانتاج المحلي النفطي الامريكي، فإن عملية الترابط في السوق النفطية العالمية تجعل من كل دولة منتجة أو مستهلكة عرضة للتأثر بما يجري في السوق سلباً أو أيجاباً. وبالقدر نفسه، فإن أي دولة مهما عظم إنتاجها أو صادراتها لن تكون المؤثر الأوحد فيما يتعلق بتحركات السوق رغم إمكانية حدوث تأثيرات هنا أو هناك.