أمطار الخير تعارض الحكومة المغربية

عاشت الحكومة المغربية في محنة خلال النصف الثاني من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت. كان هناك جفاف. انتشرت توقعات حول موسم زراعي سيء، وهذه أزمة اقتصادية في بلد فلاحي. سبّب الجفاف؟ الحكومة لا تحارب المنكر ولا تَظهر عليها الهوية الإسلامية. ذهب ولي العهد في أول ظهور ديني له مرفوقا برئيس الوزراء الإسلامي لأداء صلاة الاستسقاء، فنزل المطر مدرارا، بلغ أكثر من 200 ملمتر في أقل من أسبوع ببعض المناطق..
2014-12-10

محمد بنعزيز

كاتب وسينمائي من المغرب


شارك
(من الانترنت)

عاشت الحكومة المغربية في محنة خلال النصف الثاني من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت. كان هناك جفاف. انتشرت توقعات حول موسم زراعي سيء، وهذه أزمة اقتصادية في بلد فلاحي. سبّب الجفاف؟ الحكومة لا تحارب المنكر ولا تَظهر عليها الهوية الإسلامية. ذهب ولي العهد في أول ظهور ديني له مرفوقا برئيس الوزراء الإسلامي لأداء صلاة الاستسقاء، فنزل المطر مدرارا، بلغ أكثر من 200 ملمتر في أقل من أسبوع ببعض المناطق.. من جديد دخل "بادئ الرأي" ليطرح تفسيره الخبزي للوقائع ليعتبر أن غضب السماء عقاب إلهي من نوع آخر. وهناك من اكتشف فيه عقابا سياسيا: فانقطاع الطرق والكهرباء والماء والهاتف عن مناطق كثيرة فضح مسؤولي المدن وكشف نزاعات بين الولاة المعينين من طرف الملك وعمداء المدن المنتخبين، خاصة أن الكثير من اختصاصات التدبير بيد الولاة. لامتصاص الغضب الشعبي، قامت السلطات بتوزيع سترات واقية وأطواق نجاة وجلابيب بلاستيكية وأحذية مياه على الناس. كما وفرت الحبال ومضخات الماء والشاحنات ومعدات جرف الأوحال. لكن كثافة الأمطار غير مسبوقة والحمد لله.
في هذا الوضع اعتمد الناس على أنفسهم. تدخل شخص لتصليح مجرى مائي تحت ـ أرضي فصار بطلا وطنيا طيلة ثلاثة أيام. حدث ذلك في الرباط ولم يمت أحد. مرحبا بالأمطار الكثيفة في العاصمة. لكن الأمطار اللعينة ذهبت للجنوب حيث مباني طينية متقادمة وطرق هشة.
هاجت مجارٍ ظلت جافة منذ أربعين سنة مما جعل الناس يثقون في النهر ويبنون حوله. مع أن المثل الصيني يقول "لا تجرب النهر بقدميك معا" هناك من جرّب النهر ببيته دفعة واحدة. في إحدى المدن بني مركز الوقاية المدنية في الوادي فصار محاصرا بحاجة لإنقاذ. الدولة أيضا تثق في النهر.
وقد وفرت الفيديوهات المصورة بعين المكان وقائع فاضحة عن بؤس الجنوب. صار كل مواطن صحافيا يبث مادة حية: برك، انجراف طرق، سقوط قناطر.. وتوضع الفيديوهات على المواقع الإلكترونية بعناوين شعرية مثل "تراجيديا السيول". صُوّرت المياه عن قرب فتضخمت. وتعلق الصحف على الفيديوهات وتدعم بها صدْقية أخبارها من دون بلاغة إنشائية زائدة كما جرت العادة. هدمت منازل. نفقت مواشٍ. اسكن المنكوبون في المدارس. تقول الصحف: "انهيار ثلاث قناطر بأغادير وسقوط منازل بالدار البيضاء وإتلاف مزروعات وتوقعات تنذر بالأسوأ"، "إعفاء كولونيل يعمل بالوقاية المدنية لأنه أغلق هاتفه النقال أثناء الفيضانات"، "أسرة غريق تعتزم مقاضاة الدولة المغربية بسبب إهمالها لإنقاذ الهالك حين جرف نهر سيارته بينما منحت الأسبقية لإنقاذ السياح الذين علقت سيارتهم بنفس الوادي".. لو مات السياح ستنتقل الفضائح إلى الصحف الأجنبية، والحكومة تخشى الخارج أكثر مما تخشى الداخل، أي نحن الشعب.
رتبت كوارث الفيضانات مطالب سياسية عاجلة على الحكومة.
المعارضة تطالب بالتحقيق في الأسباب التي كانت وراء فاجعة الأقاليم الجنوبية المنكوبة. النقابات تتهم الحكومة بتهميش ضحايا الفيضانات. المغرب يغرق إذاً، لذا ظهرت جماعة العدل والإحسان لتقول "تحركت الدولة بتردد قاتل وببطء شديد وبوسائل بدائية، وتركت الساكنة تواجه مصيرها، وظل الإعلام الرسمي خارج التغطية، ولولا مواقع التواصل الاجتماعي لما عرف الرأي العام الوطني والعالمي خبر نكبة فيضانات.. إن كارثة الفيضانات التي جرفت بنية تحتية هشة أصلا، دليلٌ على فساد مستشر في دواليب الإدارة، وقد عرّت زيف شعارات تحفل بها نشرات الأخبار تصور المغرب بلدا امّحى فيه البؤس والحرمان والجهل والمرض والفساد والتسلط".
الأحزاب تتناقش والأمطار تهطل. مات ستة وثلاثون شخصا جلهم في سيارات في الوديان. كل يوم خبر جديد أسوء من سابقه. كانت الصحف تضرب الحديد وهو ساخن. تكررت هذه الأخبار في كل الصحف طيلة أسبوعين كانت خلالها الإمطار هي اللاعب السياسي الأول في المغرب. فحين تهطل الأمطار بشكل منتظم تقل مشاكل المغرب. فهو يحقق اكتفاءه الذاتي من القمح والزيتون واللحم.. والأهم أنه يتوفر على خزان مائي ذاتي هائل لا مثيل له في أي بلد عربي. فكل أنهار المغرب تنبع من جباله التي تقع وسطه ولا تقع بيد الجيران.
تحدثت الصحافة عن النكبة المغربية. الفيضانات سبب النكبة. تعرفون ما معنى النكبة؟
تحظى الصحف باهتمام كبير في أيام المصائب، وربما تبيع أفضل لأن القراء يريدون معرفة أكثر ليشكلوا رأيهم الخاص في ما يجري. تنظر الحكومة للمصائب، تتحازن لأن الصحف "تتاجر في الفتن". لكن لا تستطيع الحكومة رفع دعاوي التشهير ضد الصحف لأن الأدلة ضدها والحجج دامغة.
رغم الحجج، يوجد مخرج في السجال. كل حكومة تحمِّل سابقتها المسؤولية، وهكذا حتى طوفان نوح.. من جهته تبرّأ وزير الداخلية من أرواح ضحايا الفيضانات واتهم السائقين بالتهور في محاولتهم تحدي سيول الأنهار. وهذا الرد تلميح لبرلماني معارض ـ أحمد الزايدي - جرفته الأمطار بعد أن حاول قطع النهر متعمدا بسيارته رباعية الدفع فمات. بعدها تلقى الوزير أمرا من الملك بتزويد 250 قرية معزولة بالمواد الغذائية. بل خرج الجيش للميدان، وعرضت المواقع الإلكترونية بسعادة صور رجال الجيش في الأنهار يسعفون النساء والأطفال.
مات الناس بسبب المطر الذي طلبوه في صلاة الاستقاء. لا يمكن اعتقال المطر لمحاكمته. المطر بريء. هكذا تمارس الطبيعة السياسة في المغرب. وهي تملي اتجاه الأحداث. لالتقاط هذه اللحظة الموجعة، كتب الشاعر المغربي عبد اللطيف الوراري جرْدة حساب عن المشهد "لا نلوم الوديان والسيول، فقد عادت إلى مجاريها وثّابةً شرسةً لا يقف أمامها شيء، وهذا حقُّها الطبيعي. وإنما هي ساعة الحقيقة مع النفس، وساعة التعبئة الوطنية، وساعة الشِّعر. ينبغي أن نتعلم من الوديان روح الثورة والتوثُّب، ونطرد عن كياننا الخمول والرضا بتفاهات الواقع، وذلك بعد أن نُشيّع شهداءنا ونتفقَّد شهوة الجذور". ما هي هذه الجذور؟ من جهتها أجابت جريدة "الوطن الآن" تقول بالواضح "الفيضان سبب شرعي للتصويت للجيش في الانتخابات القادمة".
ظهرت هذه الحقيقة ساطعة فتوقف المطر. بدأت أخبار الموندياليتو تظهر في الصحف. قريبا سيصل كريستيانو رونالدو للمغرب وهو يوفر مادة دسمة جديدة للصحافيين. تحسنت معنويات الناس. تشكلت حقائق أخرى على الأرض. فمع مرور الأيام وامتلاء السدود غلب خير الماء على شره. تناسى الناس الموت، شرع المزارعون يتوقعون موسما فلاحيا وافرا، انغرس المحراث في الأرض الرّيانة ونبتت أحلام بمحاصيل أكبر... وتستمر الحياة.

 

مقالات من المغرب

أنا وليالي الضّوء في الغابات

لم أتوقف عن الرسم، لأنني تعلّمتُ نقش الحناء بسرعة بعدها، لوجود جمهور متحمس، مع إمكانية الاختراع، وانجذاباً إلى رائحة الحناء، وتدرجات اللون البني على الأصابع والراحات والأكفّ. كنتُ أخترع بنفسي...

للكاتب نفسه