تمديد سن التقاعد: الفعل كارثي ورد الفعل مسرحي

تحدث رئيس الوزراء المغربي عن إصلاح التقاعد، وأُصغي له بهدوء في البرلمان، وهذا نادرا ما يحدث. كان الصمت تعبيرا عن استسلام لأزمة، وعن ضرورة الحل.. خاصة أن تقاعد البرلمانيين والوزراء لن يتضرر، وهو يبدأ فور ترك المنصب حتى لو كان أحدهم في سن الخامسة والعشرين. لنسف كل اعتراض، كشف عبد الإله بنكيران أمام البرلمان أنه تشاور مع النقابات لعدة سنوات وأنها وافقت على الإصلاح وأضافت "ولكن".
2015-12-31

محمد بنعزيز

كاتب وسينمائي من المغرب


شارك
بهرام حاجو - سوريا

تحدث رئيس الوزراء المغربي عن إصلاح التقاعد، وأُصغي له بهدوء في البرلمان، وهذا نادرا ما يحدث. كان الصمت تعبيرا عن استسلام لأزمة، وعن ضرورة الحل.. خاصة أن تقاعد البرلمانيين والوزراء لن يتضرر، وهو يبدأ فور ترك المنصب حتى لو كان أحدهم في سن الخامسة والعشرين.
لنسف كل اعتراض، كشف عبد الإله بنكيران أمام البرلمان أنه تشاور مع النقابات لعدة سنوات وأنها وافقت على الإصلاح وأضافت "ولكن". في هذه الأيام صار السياسيون مصابين بلعنة "لكن". بعضهم يستخدمها أربع مرات في السطر، فيستحيل تحديد ماذا قال.
لدعم هذا التوجه، وقف البرلماني الفقيه المقرئ، أبو زيد الإدريسي، وأكد أن الإصلاح هو تجرع دواء مر لكن المريض مجبر على ذلك. استخدم الفقيه التشبيه لقيمته في توضيح الفكرة برسم صورة لها، بل وقدم إحصائيات. في المغرب، حتى الفقهاء يتحدثون بالأرقام ويتجنبون الإفتاء.
ما معنى الإصلاح؟
يعني تمديد سن العمل ومزيد من الاقتطاعات من الأجور لكي لا تفلس صناديق التقاعد. لأنه في 1980 كان اثنا عشر موظفا يعملون مقابل موظف واحد متقاعد. الآن ثلاثة يعملون مقابل كل واحد متقاعد. قلّت المداخيل وزادت المصاريف. وأين ذهب الفارق الذي تجمع في سنوات الرخاء؟
"أكله الذيب" قبل عهد محمد السادس. في عام 2000، كان لدى وزارة المالية 3190 ملفا خاصا بالاختلاسات لكن نتائج التفتيش ما زالت غير معروفة.

الفعل كارثي

كيف تحقق إصلاح التقاعد بصفر دولار؟
بسيطة: زيادة مدة العمل وتقليص الأجرة، أي اقتطاع جديد لملء صناديق التقاعد.
الإسلاميون يمررون الإصلاحات / التقشفات التي عجزت الحكومات السابقة عن فرضها. لعل تلك هي ميزتهم الكبرى. كان ذلك تحدياً لممثلي الأحزاب التي هرّبت المشكل لعشر سنوات، والآن وصل المغرب للجدار. رفض بنكيران تهريبه للحكومة القادمة التي قد يترأسها حسب استطلاع إلكتروني.
قُضي الأمر. كيف وصلنا إلى هنا؟
تم تنفيذ المغادرة الطوعية سنة 2005 أي تسريع تقاعد الموظفين. غادر 46500 موظف الوظيفة العمومية سنة 2005 بين تقاعد ومغادرة طوعية. كان الهدف تقليل الموظفين الصغار، لكن هؤلاء كانوا بلا موارد ليغامروا بترك الوظيفة. وحصل عكس ما توقعه المشروع: غادر الأطباء والقضاء والأساتذة الجامعيون والأطر العليا الوظيفة، فصارت الإدارات معاقة. حتى أن وزير التعليم العالي الحالي يريد تمديد سن تقاعد أساتذة الجامعات حتى السبعين.
يبدو لكم هذا عبثا؟ قريبا ستألفونه!
كان التعويض عن المغادرة الطوعية معفيا من الضريبة، استفادت منه نخبة سياسية ونقابية كبيرة. حصل برلمانيون ووزراء على تعويض عن مغادرة وظائفهم الأصلية واحتفظوا بعائدات مناصبهم السياسية..
كان هناك فارق بين البيروقراطي الكبير والبيروقراطي الصغير، أي الموظف المسحوق الذي لا يزيد دخله عن ثلاثمئة دولار. لم يغادر طوعا لأنه لم يدخر مالا لَبِداً. والآن سيمددون سنوات عمله.
في كل محطة، في كل قرار تتخذه الدولة، يظهر الفارق بين الناس الألبة وعامة الشعب. يظهر خلل موازين القوى مهما كان القانون عادلا على الورق. وعلى الرغم من الكارثة، اعتبر الوزير الأول الأسبق، إدريس جطو، مشروع "المغادرة الطوعية" ناجحا. وحين طولب بتكراره ظهر عليه الخوف. ولتأكيد أن المشروع كان كارثة، تقرر نقيضه في 2015. وقد كتب الشاعر سعد سرحان عن "المغادرة الطوعية والبقاء القسري" واستغرب أن المهندس الفعلي للمغادرة الطوعية هو نفسه الذي يدبر البقاء القسري.

رد فعل مسرحي

رد الفعل له مستويان، نقابي وفايسبوكي. نقابياً، هاجم زعيم النقابة التابعة لحزب العدالة والتنمية رئيس الحكومة لأنه لم يستشر النقابات، وانه تلقى من رئيس الحكومة الذي ينتمي للحزب نفسه عروضا لإصلاح أنظمة التقاعد في نيسان / أبريل الماضي.. من فهم شيئا من المسرحية ليرفع أصبعه.
من جهة أخرى، خرجت عريضة حقوقية تقول "لا للإجهاز على الموظفين، لا للقرارات الأحادية والمصيرية التي تخص الموظفين، لا للمعاشات الفُتات، نعم لتقاعد مريح لموظفين أفنوا أعمارهم خدمة لهذا الوطن، نعم لمحاسبة مختلسي صناديق التقاعد ومعاقبتهم على خيانتهم للأمانة".
مرت هذه المسرحية بَرداً وسلاماً، خاصة وأن وزيرة سطحية رفضت الربط بين تقاعد الموظفين وتقاعدها من المنصب السياسي. فهي ستحصل على تقاعد كبير في سن الخامسة والأربعين، ومدى الحياة. بل واعتبرت المبلغ صغيرا مثل "فرنكين"، وهو تعبير شائع لتحقير ثمن ما.
وقد أشعل هذا الربط مواقع التواصل الاجتماعي البلهاء حول تقاعد الوزراء والبرلمانيين. ظهرت صفحات فايسبوكية تقود الحملة التي تناست مصير مليون موظف "أكلهم الذيب". لدى كل صفحة ثمانون ألف مهتم وأربعة وأربعون ألف مناضل افتراضي جاهز للمشاركة في الاحتجاج. لو نزل هذا الرقم في الانتخابات لحقق كل مطالبه. لكن هذه الأرقام مضلِّلة.
يبدأ تقاعد البرلمانيين مما يعادل 500 دولار ويتزايد حسب الولايات حتى 1500 دولار، أما تقاعد الوزراء فهو 3900 دولار حتى لو عمل سنة واحدة، ويبدأ التقاعد فور ترك المنصب. لذا يحصل متقاعدو البرلمان والحكومة على تقاعد جد مبكر.
لقد غطى الجدل حول تقاعد ألف شخص على تقاعد مليون شخص سيعملون أكثر وسيقبضون أقل، وقد حُسم مصيرهم بصمت.
في باب إصلاح التقاعد، النقابات توافق، ومناضلو الفايسبوك يقصفون الوزيرة المحظوظة، ولا يحتجون على مصير الموظفين الفقراء.
لا يفكر مناضلو الفايسبوك في التسجيل في اللوائح الانتخابية المفتوحة حاليا للتأثير في انتخابات أيلول/ سبتمبر 2016 عبر القنوات الديمقراطية في مؤسسات الدولة. ويريدون من البرلمانيين أن يصوتوا على إلغاء معاشاتهم بأنفسهم؟ أن يضروا بمصالحهم الشخصية!
ومن يطالب؟ ليس الأحزاب بل الفايسبوكيون الذين يقاطعون الانتخابات. النشطاء الافتراضيون يُضْعِفون السياسة الواقعية. السياسة تمارَس في الأحزاب التي تطرح برامج وتتقدم للانتخابات. ولا يدرك المحتجون خطراً عاشته الولايات المتحدة، حين أدى إلغاء التعويض عن مهام البرلمانيين إلى استفراد الأغنياء المتفرغين بممارسة السياسة في البلد.
لقد تركز الجدل حول جملة وزيرة "الفرنكات" التي ستحصل على تقاعد لعملها أربع سنوات، ونسي مصير مليون موظف سيعملون أربعين سنة وسيهرمون خلف المكاتب وقد يموتون فيها، سيرتعش المعلمون وهم يمسكون الطباشير، ستقف المعلمات طويلا رغم الروماتيزم،... لن تفرغ الوظائف لتعيين الشبان العاطلين الذين حصلوا على شهادات عليا. سيقضون شبابهم في الظل وسيقضون شيخوختهم في الوظيفة.

مقالات من المغرب

أنا وليالي الضّوء في الغابات

لم أتوقف عن الرسم، لأنني تعلّمتُ نقش الحناء بسرعة بعدها، لوجود جمهور متحمس، مع إمكانية الاختراع، وانجذاباً إلى رائحة الحناء، وتدرجات اللون البني على الأصابع والراحات والأكفّ. كنتُ أخترع بنفسي...

الحرّية للصحافيين والسّجن للصحافة

الصّحافيون الثلاثة الأشهر الذين أُفرج عنهم، أُدخلوا السّجن بتهم جنسية، لا بتهم متعلقة بحرّية الصّحافة أو الرأي، كما هو الواقع. وهي استراتيجية مباشِرة إلى درجة تثير السخرية، لكنها أيضاً لئيمة...

للكاتب نفسه