الموندياليتو بين المحلية والعالمية

بتأهله لنهاية الموندياليتو على حساب فريق برازيلي، وهب فريق الرجاء البيضاوي المغاربة فرصة فرح نادرة. التهبت شوارع الأحياء الشعبية في الدار البيضاء. تبادل الشباب والشيوخ تهاني حارة كشفت جوعا شديدا للفرح. وخلافا للتقاليد المحلية، سُمح للنساء بالخروج بعد العاشرة ليلا لمشاهدة الشباب يحتفلون، تجولت آلاف السيارات تردد نغمة واحدة. مظاهر فرح كبير تعكس حجم الاشتياق لمثل هذه اللحظة. عبر الناس عن الفرح
2014-01-07

محمد بنعزيز

كاتب وسينمائي من المغرب


شارك
فرحة تأهل فريق الرجاء البيضاوي (من الانترنت)

بتأهله لنهاية الموندياليتو على حساب فريق برازيلي، وهب فريق الرجاء البيضاوي المغاربة فرصة فرح نادرة. التهبت شوارع الأحياء الشعبية في الدار البيضاء. تبادل الشباب والشيوخ تهاني حارة كشفت جوعا شديدا للفرح. وخلافا للتقاليد المحلية، سُمح للنساء بالخروج بعد العاشرة ليلا لمشاهدة الشباب يحتفلون، تجولت آلاف السيارات تردد نغمة واحدة. مظاهر فرح كبير تعكس حجم الاشتياق لمثل هذه اللحظة. عبر الناس عن الفرح بالدموع. انتقلت الحالة المزاجية للألتراس إلى الشعب، ألتراس غير مُسيس، يصفر ويصرخ أكثر مما يردد شعارات مطلبية محددة.
لكن النصر ارتدى أبعادا سياسية. فقد جرى في أغادير، أي خارج القطب الرئيسي، الرباط/ الدار البيضاء بشمال المغرب. كان ذلك فخرا للجنوب الذي يشكو استئثار العاصمة بكل شيء، وهكذا من قاع اليأس والشك نبع إجماع وطني غير مسبوق في مواجهة رونالدينيو (أي الذئب الصغير)، تطابقت جماهير الكرة مع الشعب، صار الكثيرون جدا يعرّفون نفسهم بالفريق الأخضر، يرتدون ألوانه ويحملون رمزه. صارت الصفحات الأولى للجرائد خضراء بالكامل. واضح أن كرة القدم ممارسة احتفالية، هي مزيج لكل أشكال الاحتفال التي أنتجتها المجتمعات الإنسانية منذ فجر التاريخ.
هنأ الملك محمد السادس فريق الرجاء بالنصر. أنكر قيادي في جماعة العدل والإحسان أن يكون النصر من صنع سياسات الدولة الغارقة في الفساد. هنأ رئيس الحكومة الإسلامي الفريق وأضاف "بإمكان المغاربة تحقيق المعجزات إذا كانت اللعبة نظيفة". نوهت وسائل الإعلام العالمية بالفريق المغربي وبالتنظيم. كان هذا فخرا.
لكن حين تتحدث هذه المنابر نفسها عن مشاكل المغرب تصير "متحاملة ومغرضة تنشر الأكاذيب ".
تزامن النصر مع هطول أمطار الخير على البلد، فارتفعت معنويات الشعب. واضح أن كل شيء يتوقف "جذريا على السياسة" (كما قال روسو). كرة القدم مجال سياسي قوي، وهو الأكثر قدرة على تحريك الجماهير.
في الجزائر تأهل المنتخب للمونديال فصارت مهمة معدي سيناريو وإخراج انتخاب عبد العزيز بوتفليقة لولاية رابعة أسهل.
في المغرب كشف الموندياليتو جوانب كثيرة في حياتنا الاجتماعية، فقد تأهل فريق الرجاء البيضاوي لنصف نهاية كأس العالم للأندية البطلة بفضل هدف لاعب من ساحل العاج. هذا اسود يصنع مجدنا. حمل علم المغرب برفقة أفريقي آخر وطافا حول الملعب. انتشرت الصورة على صفحات الفيسبوك ومعها تعليقات مهنئة لأنهما شرفا البلد. لكن صحفيا مغربيا أسود البشرة كتب تعليقا يخاطب اللاعبين الإفريقيين "انتظرا نهاية الموندياليتو وسينظمون مسيرة تطالب بطردكما من المغرب". كان هذا تذكيرا قاسيا في عز البهجة، لكنه سيغير بعض السلوكات ويضع العنصرية ضد الأفارقة تحت المجهر.
بعد النصر مدد الألتراس إقامتهم في الجنوب وراسلوا أمهاتهم "الوالدة، الرجاء باق، أرسلي النقود". وخرجت أغنية بنفس الفكرة وركبتها شركات الإعلان. المعنى أن مسؤولية الأمهات في الإنفاق تتزايد.
جانب آخر: فقبيل افتتاح الموندياليتو، ذكر موقع إلكتروني مغربي "اعتقلت قوات الأمن خمسة مغاربة ومصريا واحدا قبل أن تُخلي سبيل الموقوفين المغاربة وتُبقي على المصري بطلب من القنصلية المصرية بالمدينة". واضح أن المخابرات المصرية تتبع جمهورها.
وقد صادر البوليس المغربي قمصان "رابعة" في المدرجات. الغريب أنه سبق لرئيس الوزراء عبد الإله بنكيران أن رفع شعار رابعة ولم يُعتقل. فكيف تعتقل الشرطة رافعي الشعار ذاته في المدرجات؟ واضح أن وزير داخلية المغرب لا يتبع رئيس الوزراء. يتبع من؟ تقول العرافة إنه يتبع السيسي المغربي.
بعد هزيمة الأهلي المصري تخلص بوليسنا من رابعة، لكن المعلقين المتحسرين كتبوا على صفحاتهم في فايسبوك "رابعة في القلب يا مؤيدي العسكر".
في حفل افتتاح الموندياليتو شعر المغاربة بالإهانة. كان ذلك حسب المعلقين "أكبر مهزلة في تاريخ الافتتاحيات". كان الحفل بشعا وخجلا. ماذا فيه؟ الفولكلور المحلي الذي نحتفل به في الأعياد وحفلات الزواج ونستقبل به السياح في أفخم الفنادق، كل ما يفخر به المغاربة في ساحة جامع الفنا قُدِّم في حفل الافتتاح. الشخص الذي هندس حفل الافتتاح يفهم المغاربة أكثر من المتباكين على المهزلة.

ما مصدر الإهانة؟
كان الحفل مغرقا في المحلية. أكيد لم يتغير فلكلورنا، نحن غيرنا زاوية النظر إليه. فمشهد راقصة شعبية مسنة تائهة على العشب الأخضر مؤلم ومذل. وهو بعيد عن مشهد الافتتاح الأسطوري للألعاب الأولمبية بكين 2008 من توقيع المخرج الصيني زهانغ ييمو.
الرسالة: يريد الشباب حفل افتتاح بلمسة عالمية، يريدون المزيد من التحديث. بينما تهيمن القيم المحلية على المسئولين.
بعد الافتتاح الذي يفتقر للعالمية لعب فريق الرجاء بتنافسية تفتقدها الكثير من المجالات حتى مجال إدارة كرة القدم. وهو مجال يمثل بنية ميكروسكوبية للنظام السياسي المغربي، تعيد إنتاج سماته بوضوح.
فبعد مرور وقت طويل على انتهاء الزمن القانوني للمكتب المسيّر "للجامعة الملكية لكرة القدم"، انعقدت الجمعية العمومية وتقدم مرشحان للتنافس. إلى هنا اللعبة عالمية. مرشح مغمور ضد السيد أكرم رئيس فريق الوداد البيضاوي. كان أنصار أكرم واثقون من فوزه لذا رفعوا سقف الهجوم على خصومه. في ليلة الحسم لم تكن اللعبة نظيفة: قبل السيد أكرم أن يكون نائبا فقط. بينما يتولى المرشح المغمور الرئاسة. بسبب الخوف من التنافس يجري التوافق مهما كلف الثمن. كانت خيبة انصار أكرم مريرة، لقد أحرقوا زوارقهم في القتال من أجل المرشح الذي توقعوا له الفوز. وقد خذلهم فكشفوا أن الأمر لم يكن تنافسا بل توافق شعاره لا غالب لا مغلوب. من جديد تصادمت القيم المحلية والقيم العالمية، خسرت قيم التنافس في مواجهة النزعة "التسوياتية". ومع ذلك، وبعد النصر على الفريق البرازيلي خرجت الصحف بعناوين عريضة تحيي "الرجاء العالمي". صفة استخدمت كعلم.

العالمية فخر والمحلية مهانة.
وحين خسر فريق الرجاء كأس الموندياليتو أمام بايرن ميونيخ الألماني، طلب البروتوكول الملكي من اللاعبين الراجاويين التصرف كمواطنين لا كرعايا لحظة تسلم الميداليات الفضية وعدم تقبيل يد الملك، لأن هذا سلوك مشرف محليا مخجل عالميا. عادة يؤرخ المسئولون المغاربة لحياتهم المهنية بصور تقبيل يد الملك. بعضهم يقبلها "وش وظهر" ويترك عليها بعض اللعاب وهذا يزعج الملك الحالي. هذا فلكلور سياسي محلي لا يليق بالاختتام العالمي.
وبين هذا وذاك، حرص الألتراس على مراسلة الأمهات مع تغيير بسيط في الرسالة "الوالدة، حضّري العشا، الكاس مشى".
            
 

مقالات من المغرب

أنا وليالي الضّوء في الغابات

لم أتوقف عن الرسم، لأنني تعلّمتُ نقش الحناء بسرعة بعدها، لوجود جمهور متحمس، مع إمكانية الاختراع، وانجذاباً إلى رائحة الحناء، وتدرجات اللون البني على الأصابع والراحات والأكفّ. كنتُ أخترع بنفسي...

الحرّية للصحافيين والسّجن للصحافة

الصّحافيون الثلاثة الأشهر الذين أُفرج عنهم، أُدخلوا السّجن بتهم جنسية، لا بتهم متعلقة بحرّية الصّحافة أو الرأي، كما هو الواقع. وهي استراتيجية مباشِرة إلى درجة تثير السخرية، لكنها أيضاً لئيمة...

للكاتب نفسه