نشرنا في العدد الماضي من "السفير العربي" الجزء الأول من نص عن خطر جفاف نهري العراق العظيمين، وكيف أن ذلك يحدث بفعل فاعل وليس كقدر. وتناولنا ما قامت به تركيا وما زالت، من بناء سدود وبحيرات اصطناعية، بلا أي حساب لتقاسم المياه بين الدول المستفيدة من الانهار العابرة لها، وهو أمر ينظِّمه القانون الدولي وليس متروكاً لاستنساب من تمرّ تلك الانهار في أراضيه، أو تنبع فيها. وهناك هيئات دولية وتقاليد في المفاوضات والتحكيم وتجارب في الصدد... وكنا قد سبق لنا أن نشرنا ملفاً عن المياه يمكن مراجعته كحد أدنى من التعرف على الموضوع بما لا يخص أبداً العراق، وذلك لمن لا يجد في نفسه الصبر على البحث والتوسع بشكل عام.
وبخصوص العراق، فسننشر تالياً الجزئين الثاني والثالث: واحد يتناول ما فعلته وتفعله إيران، والآخر ما قصّرت فيه الدولة العراقية، وما يمكنها القيام به ــ أي مقترحات وحلول..
مسألة المياه هي من أخطر المسائل التي تواجه الأرض راهناً وفي مستقبل ليس ببعيد، وهي تندرج في لائحة قصيرة لما يهدد البشرية، يتصدّرها بالطبع خطر الحرب النووية، ولكنها ليست في ترتيب بعيد عن هذا المركز الاول المشؤوم. وهذا أمر تقر به كل الدراسات في الشأن التي تشير الى أن أسباب ذلك هي 1- التزايد السكاني على الارض، و2- الهدر متعدد الاسباب لهذه الثروة الحيوية، و3- ارتفاع حرارة الجو بفعل التلوث المريع المهيمن، هذا علاوة على 4- إصابة الموجود من المياه العذبة والصالحة للاستخدام بالضرر نتيجة تلوث مصادرها ومجاريها بفعل طرائق في الانتاج لا تأبه كثيراً لهذا الجانب. وكل ذلك يحتاج لمراجعة وتعديل، وهي أمور ممكنة لو تخلّص الانسان من قصر اهتمامه على اللحظة ونظر الى المصلحة العامة أولاً، والى ابعد من أنفه ثانياً، وهذا يشمل شروط حياة ابنائه المباشرين وفي ابعد تقدير أحفاده. فالارض عموما وصلت لما يقال له "حد السكين" في مسالة المياه كما في سواها، ولكنهم في غيِّهم يعمهون.
فوجئنا بالتعليقات. فعوض نقاش النص وربما تصويبه أو الاضافة عليه، تلقينا سيلاً من الشتائم، وكأننا من ينوي حرمان بلاد الرافدين من مياهها، أو ــ وهو ما قيل في هذه التعليقات ــ كأننا نتمنى ذلك للعراق ونسعد به. ولكن، لم يكن هذا هو الجانب الذي هالنا، بل التعليقات التي ترفض أن ترى المشكلة بحجة الاتكال على الله. ولم يردْ تعليق واحد من بين العشرات (28 تعليق حتى اليوم)، يحاول التفكير في كيفية تدبر الامر، مع أن الإيمان يأمرنا بالتعقل والتوكل! هناك تعليق واحد عقلاني يعتبر ما نقوله "مبالغ به". ونجيب: ربما، ونرجو ذلك!
... نظن هذه العقلية الشتّامة بيسر مدهش، المستريبة بالرأي حين يكون ربما غير مألوف أو يستبق التحقق، الميالة الى رؤية خبائث ومؤامرات كل ما يهز الاطمئنان البليد، التي ترفض رؤية الواقع، ثم ــ وبالضرورة وكتتمة ــ المستقيلة من المسؤولية والفعل.. هي أخطر ما يواجه مجتمعاتنا. نجدها في العلاقة بالسلطات المتجبرة، التي لولاها لما تمكنتْ من البقاء. اقرأوا النص عن الوضع في مصر المنشور هنا، وإقرأوا سواه من المواضيع التي ننشرها، فنحن لا نفعل غير تشجيع الكتّاب والباحثين على تفحص أسباب العطب في مجتمعاتهم (أم أنها ليست معطوبة ؟؟). ونستهدي بشعارنا: "البحث وسط الخراب عما ليس خراباً" ونسعى لإبرازه والتمسك به، فنحن نعتقد بـ"الإمكان"، على الرغم من بؤس الحال الراهن، ونتمسك بأن التفاؤل عاطفة ثورية.
إليكم ها هنا ربطاً التعليقات كما استقبلناها حتى تاريخ اليوم على صفحة السفير العربي على فيسبوك. ونحن ننتظر المزيد مع نشر الحلقة الثانية خلال أيام. ولكننا نتمنى نقاشاً مثمراً عوض ذلك.. ونتقبل كل نقد!