«هذا عيب.. هذا عار.. الكسالى في خطر»

بعد ثلاثة أشهر من التأمل في اختلالات المدرسة المغربية، قرر وزير التعليم العمومي - والذي جيء به من التعليم الخصوصي إلى حكومة بنكيران الثانية في تشرين الأول/أكتوبر 2013 - أن جوهر المشكل يقع في التقويم. والدليل هو أن نصف التلاميذ المغاربة يجدون صعوبة في القراءة حسب تقرير لليونسكو. ومع ذلك تبلغ نسبة النجاح تسعين في المئة في المستوى الابتدائي. لذلك كشف الوزير عن موقع إلكتروني إسمه
2014-02-26

محمد بنعزيز

كاتب وسينمائي من المغرب


شارك
(من الإنترنت)

بعد ثلاثة أشهر من التأمل في اختلالات المدرسة المغربية، قرر وزير التعليم العمومي - والذي جيء به من التعليم الخصوصي إلى حكومة بنكيران الثانية في تشرين الأول/أكتوبر 2013 - أن جوهر المشكل يقع في التقويم. والدليل هو أن نصف التلاميذ المغاربة يجدون صعوبة في القراءة حسب تقرير لليونسكو. ومع ذلك تبلغ نسبة النجاح تسعين في المئة في المستوى الابتدائي. لذلك كشف الوزير عن موقع إلكتروني إسمه «مسار» لمسك نقط الامتحانات بدل تسجيلها على الأوراق. 
فجأة خرجت مظاهرات تلاميذية بشعارات مختلفة منها «هذا عيب هذا عار، مستقبلنا في خطر» وأيضا «زنكة زنكة دار دار...لا ارتجال لا مسار» (تذكرتم القذافي؟ هذا للإيقاع فحسب). وقد رأيتُ لافتة كتب عليها شعار دال: «التلميذ يوريد إسقاط مسار».لماذا يريد ذلك؟
لأن «مسار» اعتبر من الكبائر (كان كتاب «الكبائر» هو أضخم وأرخص كتاب في المعرض الدولي). وقيل لأن وزير التعليم يملك شركة معلوماتية ويريد ترويج حواسيبه في الثانويات. اعتراض آخر: توجد مؤسسات تعليمية بلا كهرباء وخارج تغطية الشبكة العنكبوتية لأن شركات الاتصالات «لعنة الله عليها» تستثمر في مناطق الاكتظاظ فقط. 
لذا هدد مدراء الثانويات بالإضراب، واعتبر الأساتذة قرار «مسار» بمثابة «وضع أحمر شفاه على المخاط». تساءل الرافضون: هل يعقل أن يُطبق برنامج مسار على المؤسسات العمومية حيث أولاد الشعب الفقير كما يطبق على المدارس الخصوصية؟
تتابعت مسيرات غير مسبوقة سميت ثورة تلاميذية، ركبتها جهات حزبية اعتبرت ما يجري احتقانا اجتماعيا وتربويا غير مسبوق. وتم التنديد ببرامج إصلاح تعليم مستوردة وتمت المطالبة بالكف عن معاملة التلاميذ المغاربة كفئران تجارب.
اعتبر تطبيق «مسار» بقرار حكومي انفرادي يخلق الفتنة بين فئات الشعب المغربي. لذا يحتج المعارضون على برنامج «مسار» بل وعلى مسار البلاد والتعليم ككل... 
وفي مداخلات المسؤولين والنقابيين، جرى التأكيد بإجماع تام شامل على أن «مصلحة التلميذ فوق كل اعتبار». لكن ما أن تسأل هؤلاء المتحدثين كيف تتحقق هذه المصلحة حتى يتفرق ذاك الإجماع طرائق قددا.
أعلن المعارضون تحميل مسؤولية الاحتقان للحكومة ووزارة التعليم، ومسك الختام: نددوا بكسل الوزارة في تنزيل التوجيهات الملكية في مجال التعليم. 
أها! 
وارتفعت أصوات تطالب بمبادرة وطنية تشاركية تروم تأسيس فعل تعليمي معنوي ومعرفي بغية مساعدة الاجيال... 
فجأة غمرني الشك في فائض الكلام. ردت الوزارة قائلة «ويندرج استعمال هذه المنظومة في إطار إدماج تكنولوجيات المعلومات والاتصالات في المنظومة التربوية، وتطوير آليات وأساليب عمل الإدارة التربوية وتعزيز دور الحكامة في النظام التربوي، وضمان مبدأ الشفافية وتكافؤ الفرص...»
هذه لغة ثورية خشبية غليظة تشعرني بالرعب فيزداد شكي. أنا أشك إذن أنا موجود. لذلك سأنتقل من وصف ما رأيت إلى حكي ما فهمت. 
ما هو «مسار»؟
سألت أستاذا في مؤسسة خصوصية فقال «لدينا موقع إلكتروني منذ ثلاث سنوات. «مسار مُصغّر». لكلّ أستاذ رقم سري خاص. ولكل أب / أم رقم سري خاص. تقوم الإدارة بداية كل سنة بتوزيع الأرقام السرية الخاصة بكل شخص. يُدخل الأستاذ نقط الفروض والمراقبات المستمرة، بل يُدخل أيضا أي ملاحظة يريدها أن تصل إلى والد تلميذ معين. مثلا أن يكتب في الخانة الخاصة بالتلميذ «أخبركم أن ابنكم لا ينتبه داخل الفصل، ولا يكف عن الثرثرة». ويتلقى بعد يوم على أبعد تقدير ردا أو زيارة من والد التلميذ. وهذا أمر شائع في غالبية المدارس الخصوصية. لكن لحسن الحظ أن أغلب الآباء والأولياء متعلمون ويتابعون مسار أبنائهم.
مسار برنامج معلوماتي إذاً. هذا ليس جديدا. فجل الوثائق الإدارية التي تصدرها الدولة صارت إلكترونية. لم يعترض أحد. يوميا يقضي التلاميذ ساعات طويلة على الإنترنيت. يفرحون حين تعدُهم شركات الاتصالات بأن يكون أداء المكالمات بالثانية. واضح أن الحساب المدقق يخلق أصدقاء وزبائن جيدين. لكن هؤلاء الزبائن ضد كشف نقط الامتحانات على الإنترنيت. 
مسار إجراء تقني جعل التقويم مكشوفا. وضعه تحت ضوء قوي ليراه الجميع. لتظهر الصلو بين الممرات التعليمية والسنوات الدراسية جلية. هذا ما يزعج الإداريين لأنه يضيف لهم عملا جديدا. يزعج الأساتذة لأنه يفرض عليهم إنجاز العدد المحدد من الفروض وتصحيحها وفق سلم تنقيط ثابت بدل منح نقاط جزافية. 
واضح أن الاحتجاج ضد مسار هو احتجاج ضد الشفافية. ما فهمته هو أن الشعب يريد الغموض، بينما الانترنيت تفضح مسار التنقيط. حتى أن شعار «هذا عيب هذا عار مستقبلنا في خطر» تغير على الفايسبوك وصار «هذا عيب هذا عار الكسالى في خطر».
لتجنب ذلك العار المستحق يجري التنظير للكسل: 
يريد تلاميذ البكالوريا الذين يحصلون على نقاط سيئة في الامتحان الوطني الموحد أن يحصلوا على نقاط عالية في الفصل. يقترحون حلا سرياليا، أي إجراء الامتحانات في المنازل للحصول على نقاط عالية. دون هذا سيرسبون ويرسبون ويُطردون. قبٍل بعض الأساتذة اللعبة، قدموا أسئلة منزلية واحتسبوها كفروض محروسة في الفصل. أما الذين لم يفعلوا فقد اعتبروا أشرارا وصارت سلامتهم البدنية مهددة. في أحسن الأحوال حقد عليهم الكسالى ودعوا لهم بمرض السرطان وبحادثة سير مروعة.
إن الشفافية خطر على الكسالى حيثما كانوا. لذا قلبوا حجج التنافس عاليها سافلها. صار الكسالى يلومون الوزير الجديد على مشاكلهم. صُرف النقاش الحقيقي إلى غاية ثانوية هدفها تبرئة النفس وتلطيخ الآخرين بالوحل.
تلميذ واحد قام بنقد ذاتي حقيقي. حمل المسؤولية للذين «نجّحوه» من الإعدادي للثانوي دون أن يستحق. وتأسف لأن من طردوا قبله عثروا على عمل وتزوجوا، لذا ردد بحسرة أوجعتني «ليتهم طردوني منذ أربع سنوات».
إذاً ما فهمته نقيض ما رأيته. ما أقلقني هو مساعد وزير التعليم (واسمه الوزير المنتدب)، اشترى لأمه بـ4000 دولار شوكولاتة من ميزانية الوزارة. حين انكشف الأمر قال الوزير المنتدب إن أمه أرسلت سائقه لجلب الشوكولاتة وظن سائق الوزير أن الطلبية للوزارة وليس للبيت. يمثل التبرير استهانة رهيبة بذكاء المغاربة. لم يُعلق وزير التعليم على ما يجري في وزارته. وهذا يستدعي تعلم بدء الشفافية بالكنس أمام أبوابنا أولا.

مقالات من المغرب

المغرب... مَن أثقلَ جيوب العيد؟

يبدو المشهد مثاليّاً، ولا شيء ينغصّه. فالملابس جديدة، والوجوه هانئة، كأن الحياة بهية والجو بديع. بل تتلوّن الجلابيب أكثر كل سنة، وتبدو أغلى تكلفة وأرفع جودة. فهل صار المغاربة أغنى،...

للكاتب نفسه