في عيد الحب، هل سنعيّد مع السعودية أو مع فرنسا؟
بينما يتجادل الفقهاء، أعلنت وزارة العشاق والشؤون الحبية أنها راقبت هلال شهر الفالانتين فثبت لها عدم رؤيته. وبهذا يكون عيد الحب يوم الجمعة 14 شباط/فبراير.
هكذا كنت أحضِّر لمقال عاطفي بعيداً عن السياسة، من خلال تتبع مواقف بعض الشابات في صفحاتهن على الفايسبوك. لكن السياسيين سرقوا معجم الحب لحسابهم. فقد هدد زعيم حزب الاتحاد الاشتراكي المغربي أنصاره بأن كل من يغازل حزب العدالة والتنمية سيُطرد من الحزب. بينما وصف السفير الفرنسي لدى الأمم المتحدة المغرب بـ«العشيقة التي نضاجعها كل ليلة، والتي لا نحبّها بالضرورة، لكننا مُضطرون للدفاع عنها».
حدث هذا في شباط/فبراير 2014. في شهر عيد الحب. احتجّ المغرب على وصفه بالعشيقة، أي أنه ليس زوجة، ليس له مرتبة الشريك، بينما يوصف في الخطابات الفرنسية العلنية بأنه شريك استراتيجي... ندّد المعلقون المغاربة بالموقف، وانزلق الكثير من المحللين فقالوا إن المغرب يكون بخير حين يكون هناك عاشق يميني في قصر الإليزيه. وهم بذلك يقرون من دون أن يدروا بأن المعشوقة تكره اليسار الفرنسي. وينبع احتقار المعشوقة من اعتبارها من سلالة الجارية. فهي تابعة ومفعولاً بها من طرف العاشق.
علق الكاتب محمد الناجي على ذلك في صفحته على الفيسبوك قائلاً إن كل النخبة المغربية العليا تتسابق لشراء شقق قي الدائرة السادسة عشرة بباريس. نخبة تُقسم بباريس وتتزاحم على باب السفارة الفرنسية بالرباط لتقديم التهاني يوم العيد الوطني الفرنسي في 14 تموز/يوليو. واستنتج الناجي بأن العلاقة بين السفير الفرنسي وعاهرته ليست كلها مجانبة للصواب.
وتساءلت الكاتبة المغربية لطيفة باقا على صفحتها: متى يتوقف سفراء الذكورة عن احتقار الأنوثة؟
كانت الأجوبة صنفين. ضمن الصنف الأول كتب أحدهم «عندما تتطابق الذكورة مع الأنوثة»، وقال آخر «لما تعلمهم أمهاتهم احترام المرأة».
الجواب الأول من باب الاستحالة والجواب الثاني فات أوانه.
في الصنف الثاني من الأجوبة نجد «حين تتوقف سفيرات الأنوثة عن الإذعان» و«حينما تكتمل الأنثى فتصير امرأة، بدل أن تنظر إلى نفسها مختزلة كجارية». أما جوابي فقد كان «يتوقف سفراء الذكورة عن احتقار الأنوثة حين تحقق النساء استقلالهن الاقتصادي». هنا السر في تصوّري. حتى لو كان المغرب مذكّراً وفرنسا مؤنثاً فليست العبرة بالذكورة أو بالأنوثة، بل بامتلاك حرية القرار. لكن هذه الاستقلالية لا تغني عن الحاجة لفارس الأحلام. وتسمي الشابات اللواتي أتابعهن فارس الأحلام في العامية المغربية «البوغوص»، والاسم من الفرنسية «beau gosse»، أي الشاب الجميل. وهو نوع نادر.
حين تقع الشابة في الحب تمتلئ صفحتها بالقلوب والورود الحمراء. تُعدد فوائد الحب: عندما يدخل المحراث الأرض فهو يُدخل فيها الهواء. كذلك الحب عندما يدخل القلب. النتيجة أن الشابة السعيدة تتحرك فيها أحاسيس الأمومة. تنشر صورها وهي تقبل وتحضن أبناء الأقارب أو أبناء الجيران. هكذا تفخر الشابة علناً بوقوعها في الحب. وهذا جديد تماماً. وغالباً ما تحصل على «لايك» وتكتب لها صديقاتها «مبروك».
شخصياً مررت بهذه التجربة وغيرتْ حياتي. فقد فضلتُ الخلوة الإبداعية على الخلوة الزوجية. لكن ذات مرة، وبعد أن تصفّحت كل الجرائد التي على طاولتي في مقهى. رفعت رأسي فرأيت قربي طفلة تلعب، شعرت بالوحدة واغرورقت عيني وقررت أن أتزوّج.
بعد شهر، تتغير النبرة على صفحة الشابة، تحرض نفسها: «الحب هو أن نبقى معا للنهاية وفي أصعب الظروف»، ترجو حبيبها: «كن رجلاً فالمرأة لا تريد من يشاركها أنوثتها». تشكو من تراجع الرجولة وتقصد بها الوفاء. وهي تشتكي من تكاثر رجال الفياغرا. وشعارهم «اضرب واهرب» أي ضاجع ثم اختفي. تكتب الشابة على صفحتها: «لا تحزن إذا تغيّر لون السماء أو أنك أحببت مَن لا يعرف الوفاء، بل احزن إذا بكيت يوماً على من لا يستحق البكاء...».
صارت شاعرة من فرط الحب، لكنها الآن تنتقل من الشك في الشخص الذي أحبته إلى الشك في وجود الحب، تكتب: البعض يقول «أنا أحبّ المطر»، ولكن عندما تمطر يحمل مظلة، لذا يجب أن تخاف حينما يقول لكِ أحدهم «أنا أحبك».
تبلغها أنباء أن حبيبها يحكي عن علاقته بها لأصدقائه، فتمر الشابة من الشك إلى الإحساس بالشماتة، تكتب: «إذا أراد أحد أن يطعنك في ظهرك فاعطه السكين كي يطعنك، وقل له لا تستغرب فأنا أستحق لأني وثقت في شخص مثلك». هكذا توجه الشابة رسائل لمن يهمه الأمر. تفترض أن حبيبها السابق يتجسس على صفحتها مثلي.
تعيش الشابة هذا المسلسل العاطفي في فترة عمرية بين السابعة عشرة والاثنتين والعشرين. حينها تقوم بنقد ذاتي عاطفي، ثم ينبعث اعتزازها بكرامتها، تكتب: «لم يعد الوداع مخيفاً. فقد ودعت من هم أغلى منك».
بمثل هذه النبرة تعبّر الشابات عن قلقهن من انقراض الحب. هل انقرض الحب؟
تقول الأغلبية نعم. يتقبل الرجال هذه الحقيقة بسهولة بينما تتألم النساء.
فما الذي حل محل الحب المنقرض؟
المصالح.
هكذا تستبدل الشابة نظرة رومانسية متفائلة بنظرة واقعية مصدومة. ومن الإحساس بالشماتة تنبعث السخرية. تكتب على صفحتها «من دونك لا أستطيع التنفس. أحبك يا أنفي».
السخرية تحرّر. هذا جيد. السخرية تنزع القداسة عن الحب. هذا سيئ. لقد انعكست الوفرة على العلاقات العاطفية. لذا يستبدل الأحبة بعضهم بعضاً بسهولة في مجتمع عزاب مفتوح. الجديد أن الشابة لم تعد تعتبر فراق الحبيب مهانة لها. صار الفراق فرصة للتجدّد. نظرة جديدة للحب. والأهم فيها أن الشابة لا تشعر أنها أقل من الشاب. صارت تعيش العلاقة العاطفية كمعادلة بين طرفين متساويين. لم تعد تنظر لنفسها كمعشوقة تابعة. تريد أن تنتقل من وضع المعشوقة إلى وضع العاشقة. من وضع اسم المفعول به إلى اسم الفاعل.
ينطبق هذا التحول على علاقة الشابات بالرجال، كما ينطبق على علاقة المغرب بفرنسا. وبعلاقة دول الجنوب بدول الشمال ككل. لا بد من المساواة في السياسة كما في الحب.
مواضيع
تحولات الحب والسياسة
مقالات من المغرب
صراعُ الجبابرة بين "التّاكسيات" و"التطبيقات" في المغرب
كانت "فاطمة" عائدة من سفر، مع حقائب ثقيلة. ركبت تاكسي من محطة الحافلات، لكن السّائق رفض إدخالها إلى الشّارع الجانبي الضيق حيث يقع بيتها. وأصرّ على إنزالها في الشّارع الرئيسي...
أنا وليالي الضّوء في الغابات
لم أتوقف عن الرسم، لأنني تعلّمتُ نقش الحناء بسرعة بعدها، لوجود جمهور متحمس، مع إمكانية الاختراع، وانجذاباً إلى رائحة الحناء، وتدرجات اللون البني على الأصابع والراحات والأكفّ. كنتُ أخترع بنفسي...
جفافٌ يَلِدُ فيضاناتٍ في المغربِ القَصِيِّ
الضرر كان فادحاً، ومسَّ في الأساس البنى التحتية لطرق ومدن وقرى جنوب شرق المغرب، التي تم بناؤها لتحمل مجموع سيول مطرية معتادة. وشملت الخسائر انهيار حوالي 56 مسكناً بشكل جزئي...
للكاتب نفسه
تهريب بالمؤنث بين المنبع والمصبات التجارية
تفحّص لمثال "البغلات"، وهن النساء المهرِّبات من معبر "سبتة" المدينة المغربية المحتلة من إسبانيا الى كل الاسواق الشعبية في المغرب..
الخطاطة السردية لتغيير قيادة "حزب العدالة والتنمية" في المغرب
القصر يستعيد صدارته ونفوذ محمد السادس بلغ أوجه. هناك موجة ارتداد سياسي واجتماعي، والأولوية للتمسك بالوضع القائم في المغرب، لأنه أفضل مما يجري في الجوار..
المنظومة المعرفية المهيمنة: الحافظ يهزم الفاهم
المدارس المغربية مصبوغة جيداً ومجهزة. لكن، ينقصها شيء ما.. النظام التعليمي مبني على الحفظ والاستظهار وهو لا يتيح الانتقال من التلمذة إلى البحث، من اجترار اليقين إلى الإنتاج..