ما إن خرجت البرازيل من الشاشة الكونية حتى دخلها ثعبان جدول الأعمال المحلي، وفيه لقطات بئيسة ومذلة على مقاسنا، وقد صار الدم مدرارا بسبب هيمنة التشدد والفساد بشكل غير مسبوق.
ففي فجر الجمعة 11-07-2017، انهارت ثلاث عمارات بالدار البيضاء وقتل فيها ثلاثة أشخاص. جاء الملك محمد السادس فورا من صلاة الجمعة إلى موقع الحادث، أعطى أوامره بإيواء المشردين وعلاج خمسين جريحا. كان منسوب الحزن منخفضا بالنظر لعدد الضحايا. لكن عدد القتلى وصل الى 25 بعد يومين، وتوقف البحث بسبب مخاوف من انهيارات جديدة، ليتعفن من تبقى تحت التراب... ساد صمت رهيب في البلد. شعر الجميع بالعار في قاع الحضيض. لن يكون هذا الانهيار هو الأخير. فعشرات آلاف المباني في الدار البيضاء مهددة بالانهيار لسببين، الأول هو التقادم بلا صيانة (يعود تاريخ بناء العمارات إلى 1960)، والثاني ـ ولعله الاهم ـ هو خرق قوانين البناء. فبدل طابقين المسموح بهما وصل عدد الطوابق إلى خمسة. سننزل إلى قاع قاع الحضيض قريبا.
تكشّف أن هناك مدناً عشوائية فوق السطوح، وهذا يسبب العار لمغاربة الفايسبوك. وقد عبروا عن ذلك ببلاغة خفيفة مثل ملابس الصيف. وبحثا عن هؤلاء البلغاء، أقضي نهار رمضان أتسكع في الفايسبوك لأجد ما يكثف وضعنا تراجيديا.
كتبت الشاعرة عائشة بلحاج على صفحتها «من لطف الله بنا، أنّه لم يضعنا في منطقة زلازل أو كوارث طبيعية، وإلاّ كنا رحنا... لو كنّا في بلد يحترم نفسه، لقُدّم كلّ من تسبب في الحادث المأساوي من مقاولين ومسؤولين إلى المحاكمة بتهمة القتل العمد، ولانفجرت فضيحة التّجهيزات البدائية للوقاية المدنية أمام أنف الدولة». وكتب الصحافي محمد الراجي «يومَ مات 200 شخص في منجم بتركيا، نَكست الدّولة أعلامها... أمّا نحن، فقد ماتَ لحدّ الآن 25 مواطنا مغربيا، أو بالأحرى قتلهم مُجرمو رُخص البناء، وما زالت القنوات التلفزيونية تبثّ حصص الضحك التافه فيما عائلات الموتى تتألّم وتتوجع، أمّا إعلان الحداد فلا يُقام إلا عندما يتوفّى شخصٌ يحسبونه «مهمّا»، وكأنّ بقية المواطنين مجرّد حشرات. فبأيّ حقٍّ سنحبّكَ أيّها الوطن؟». وعلق الكاتب ميمون أم العيد «الفرق بين غزة والدار البيضاء هو أن في غزة يعرفون من يقصفهم أما في الدار البيضاء فلا».
المسؤول في المغرب غير محدد. ويقال هو الفساد. من رآه منكم فليبلغه لعناتي.
هكذا صارت صفحات الفايسبوك منبرا لتنفيس الغضب ثم العجز. من هذا العجز تولد كتابة مغايرة. فدائما يزعم كتاب المقالات في الجرائد أنهم يفهمون. في الفايسبوك يكثر الذين يعلمون أنهم لا يفهمون فيسخرون. الكتابة الصحافية التحليلية أمر جدي مضاد للمزاح. لا يستطيع صحافي أن يعلن «أكتب لأني لم أفهم».
لننسف هذه البديهية برضاكم:
ماذا لو كان مزاحنا هو حقيقة نياتنا؟ ثم هل أنتم موافقون على أن كل من يكتب يفهم؟
لا.
جميل.
هنا سأكتب لسبب وحيد هو عدم الفهم. فالعبث واليأس في حدوده القصوى يوقف العقل. وهذا احتجاج على الذين نشروا مسلمة مغشوشة مفادها أن التعقل أصل في البشر.
عودة للذين عجزوا عن فهم خمسة طوابق وهم يستحقون الشماتة. لذا خرج لهم الشيخ عبد الله النهاري - الذي سبق أن هلل لتنقية المدن من العاهرات بطردهن، لا قتلهن - مفسرا الانهيار «إن الذين خرجوا لصلاة الفجر من المتدينين فقد نجوا. أما من بقي في العمارات فقد مات تحت الرمل».
ها!
التفسير ليس خرق الشروط القانونية والتقنية للبناء، وكون الجميع رأى زيادة ثلاثة طوابق ولم يحرك ساكنا. الحقائق صادمة، لذا فإن الاستغباء الجماعي للنفس والآخرين ضروري. زعم الشيخ أن ترك صلاة الفجر هو سبب وفاة 25 شخصا. هنا انطلق هجوم ضد الشيخ. نُسي الموتى وصار الشيخ يحتل الصفحات الأولى، وتلك أمنيته. ولكلامه تبعات، فهذا البلد الذي لا تقام فيه صلاة الفجر، يُهجر.
«الحمد والشكر لله الذي منّ علي بالهجرة في سبيله». هذا ما كتبته المجاهدة أم آدم - زوجة كريم المجاطي الذي قتل في السعودية - وهي تصل العراق للزواج من قيادي في الخلافة الناشئة هناك.
وقد أخبرتُ الكاتب العراقي عمر الجفال بأننا في المغرب أرسلنا لكم جهادية للزواج من الرجل الثاني بعد البغدادي، فشكرني على كرمنا قائلا:
«ما بتقصروا يا محمد».
سعدت لسعادته بالهدية. ولم أقل له إن لأم آدم ابنا مجاهدا في صفوف «داعش» لكي لا يقلق. لكنه أحزنني حين كتب عن قتل عاهرات بغداد. خاصة أن المغرب هو المتهم الرقم واحد في هذا المجال. فبسبب غزة انتقدتْ أمل الخياط، وهي صحافية في قناة أون تي المغرب المستقر لأن اقتصاده قائم على الدعارة في ظل حكومة إخوان مسلمين. لم تفهم الصحافية كيف تشتغل هذه المعادلة. على أي حال، الحمد لله أن عاهرات المغرب بخير بينما قتلت عاهرات العراق بكاتم الصوت. فأتمنى أن يتسامح العراق مع عاهراته وراقصاته ليستقر. وكنتُ في بيروت قد سألتُ عمر الجفال عمن هي الراقصة التي يرشحها لحكم العراق في 2054، فنفى وجود راقصات في العراق وبقي المنصب شاغرا.
بسبب الشغور، لزم أن تعود الخلافة للعراق. وقد انهالت الطلبات على مولانا الخليفة «أينك يا أبا بكر البغدادي، يا بغدادياه أرنا في الصهاينة بطشك وقوتك».
في انتظار الخليفة، رد المغاربة بقوة على الصحافية التي شتمتهم لأنها لم تحرر مادة لتقدمها وكانت ترتجل لمدة ساعتين. أعلن المغاربة تعاطفهم مع غزة. قال سيون أسيدون إن سبب العدوان هو المصالحة بين فتح وحماس. أفتى الفقهاء المغاربة بعدم تناول التمور الإسرائيلية وكل من تناولها بَطُل صيامه. وقال شيخ الفتاوى الجنسية السيد عبد الباري الزمزمي، في تصريحات لموقع هسبريس، «إن أرض فلسطين مغتصبة من طرف المعتدين الصهاينة، وبالتالي كل ما ينتج فيها غير شرعي ولا يجوز التعاطي معه تجارة واقتصادا، إلا إذا كان الفلسطينيون هم أصحاب تلك الأراضي والمزارع التي تنتج التمور».
مغتصبة. لا مشكلة. ما نتج غير شرعي. إنه ابن حرام.
وهكذا دفن السؤال الرئيسي: ماذا تفعل التمور الإسرائيلية في المغرب أصلا؟ كيف للمغرب الذي تبلغ مساحته أضعاف مساحة إسرائيل وفلسطين، ألا ينتج اكتفاءه الذاتي من التمر؟ إننا كسالى، نأكل مما لم نزرع. هذه هي حقيقتنا السوسيولوجية الفايسبوكية.
مواضيع
سوسيولوجيا الفايسبوك في رمضان
مقالات من المغرب
صراعُ الجبابرة بين "التّاكسيات" و"التطبيقات" في المغرب
كانت "فاطمة" عائدة من سفر، مع حقائب ثقيلة. ركبت تاكسي من محطة الحافلات، لكن السّائق رفض إدخالها إلى الشّارع الجانبي الضيق حيث يقع بيتها. وأصرّ على إنزالها في الشّارع الرئيسي...
أنا وليالي الضّوء في الغابات
لم أتوقف عن الرسم، لأنني تعلّمتُ نقش الحناء بسرعة بعدها، لوجود جمهور متحمس، مع إمكانية الاختراع، وانجذاباً إلى رائحة الحناء، وتدرجات اللون البني على الأصابع والراحات والأكفّ. كنتُ أخترع بنفسي...
جفافٌ يَلِدُ فيضاناتٍ في المغربِ القَصِيِّ
الضرر كان فادحاً، ومسَّ في الأساس البنى التحتية لطرق ومدن وقرى جنوب شرق المغرب، التي تم بناؤها لتحمل مجموع سيول مطرية معتادة. وشملت الخسائر انهيار حوالي 56 مسكناً بشكل جزئي...
للكاتب نفسه
تهريب بالمؤنث بين المنبع والمصبات التجارية
تفحّص لمثال "البغلات"، وهن النساء المهرِّبات من معبر "سبتة" المدينة المغربية المحتلة من إسبانيا الى كل الاسواق الشعبية في المغرب..
الخطاطة السردية لتغيير قيادة "حزب العدالة والتنمية" في المغرب
القصر يستعيد صدارته ونفوذ محمد السادس بلغ أوجه. هناك موجة ارتداد سياسي واجتماعي، والأولوية للتمسك بالوضع القائم في المغرب، لأنه أفضل مما يجري في الجوار..
المنظومة المعرفية المهيمنة: الحافظ يهزم الفاهم
المدارس المغربية مصبوغة جيداً ومجهزة. لكن، ينقصها شيء ما.. النظام التعليمي مبني على الحفظ والاستظهار وهو لا يتيح الانتقال من التلمذة إلى البحث، من اجترار اليقين إلى الإنتاج..