الداعشيون بالقوة والداعشيون بالفعل

العراق بعيد من المغرب. وللتعبير عن هذا البعد، تحكى نكتة عن طفيلي وجبات مجانية قيل له إن "الوليمة في بغداد" فقال "قريبة سيدي". ينطبق هذا على الدولة الإسلامية في العراق أيضا. فهي بعيدة جدا والحمد لله. لكن وقائع متواترة جعلت النظرة تتغير. بداية، بلغ اهتمام المغاربة بداعش أوجه حين تصدر مغربي - مقيم بأسبانيا، اسمه محمد حمدوش - عناوين الأخبار بعدما ذبح خمسة جنود
2014-07-30

محمد بنعزيز

كاتب وسينمائي من المغرب


شارك
من الانترنت

العراق بعيد من المغرب. وللتعبير عن هذا البعد، تحكى نكتة عن طفيلي وجبات مجانية قيل له إن "الوليمة في بغداد" فقال "قريبة سيدي". ينطبق هذا على الدولة الإسلامية في العراق أيضا. فهي بعيدة جدا والحمد لله. لكن وقائع متواترة جعلت النظرة تتغير.
بداية، بلغ اهتمام المغاربة بداعش أوجه حين تصدر مغربي - مقيم بأسبانيا، اسمه محمد حمدوش - عناوين الأخبار بعدما ذبح خمسة جنود سوريين والتقط صورة له مع الرؤوس المفصولة عن الأجساد على متن عربة مكشوفة. أي أنه يستمتع. من جهتها أعلنت وزارة الداخليَّة الإسبانيَّة، عن تفكيكِ خليَّة إرهابيَّة يتزعمها معتقلٌ مغربيٌّ سابق في غوانتنامو... حتى أن قياديا عسكريا إيرانيا قال إن أميركا تجند مغاربة غوانتنامو لدعم "داعش". بعدها قطعت الأخبار مضيق جبل طارق نحو المغرب. ذكرت بلاغات كثيرة لوزارة الداخلية المغربية أن الفرقة الوطنية للشرطة القضائية تمكنت، بتنسيق مع المخابرات، من توقيف ثلاثة أشخاص بالدار البيضاء متورطين في مشاريع "جهادية" بسوريا. من وقف جهاديين في طريقهم للعراق. من كشف شبكة... كل مرة خبر ومدينة، لكن المحتوى واحد. وبما أن المعتقلين في طريقهم للعراق فلا مشكلة.
كان الناس يقرؤون الأخبار لأن نتائجها الدموية تسيل على بعد آلاف الأميال. لكن الخطر يتعاظم. فقد كشف تقرير أميركي أن عدد المقاتلين الأجانب الذي دخلوا إلى سوريا وخرجوا في العراق تجاوز 12 ألف مقاتل. ومن ضمنهم 1500 مغربي. أي أن أكثر من 11 في المئة منهم مغاربة بينما يمثل سكان المغرب أقل من 2 في المئة من مسلمي العالم (لا يوجد مجاهدون هنود في العراق).
في استطلاع إلكتروني عن مخاطر داعش على المغرب، قالت الأغلبية إنه لا خوف على البلد، وهو محصن ضد داعش. لذا فحتى حين هاجرت فتيحة المجاطي إلى العراق للجهاد ساد إحساس بالبهجة لأن المغرب ارتاح منها.
لكن الوليمة الدموية بدأت تقترب حين نشرت جريدة الأحداث المغربية صورة لمشجعان يحملان علم داعش أثناء مقابلة لكرة اليد بمدينة وسط المغرب. فوجئ المتفرجون بوجود خلية نائمة بين الجمهور الرياضي.

من تلك اللحظة لم تعد بغداد بعيدة.

أعلنت وزارة الداخلية أن هناك تهديدا إرهابيا حقيقيا ضد المغرب. وقدم الوزير أمام البرلمان معطيات وتحدث عن تسجيلات وذكر مواقع القياديين المغاربة في دولة داعش. كيف عرف الوزير ذلك؟
جوابي: لا يعقل أن يرسل الجهاديون والسلفيون 1500 مجاهد من دون أن ترسل المخابرات المغربية رجالها أو نساءها ضمنهم لتقصّي أخبارهم.
بما أن وزير الداخلية هو الذي تحدث عن الخطر فلا شك في الأمر. لماذا؟ لأن صحف مغربية كثيرة تنتقد رئيس الحكومة الإخواني. لكنها تؤيد وزير الداخلية، وشعار خطها التحريري هو "وزير الداخلية على حق". ويبدو أن السياق الحالي أكثر تحريضا على الإرهاب مما كان عليه الأمر قبيل أيلول/سبتمبر 2001. ومن يتأمل كيف يقتل الجنود المصريون والتونسيون وكيف يفر جندي لبناني ليجاهد يدرك حجم الخطر.
إن الوقائع تؤكد قول الوزير، حتى لو تعودنا تكذيب وزراء الداخلية. فقد كرر السلفي أبو النعيم (من الدار البيضاء) تكفير زعيم حزب الاتحاد الاشتراكي، إدريس لشكر، بحجة إجماع الأئمة الأحياء والأموات. وطالب بتطبيق الحد عليه. أي قتله. كما تم تكفير الناشط العلماني الأمازيغي أحمد عصيد حتى أنه قلّل من تحركاته ومن ظهوره في المجال العام. الاحتياط واجب.
ما الذي يجعل داعش بهذه القوة؟
في تصوري الأخطر ليس كلام الشيخ بل الفكرة السائدة عن داعش. هنا العلة الأولى للـ"داعشيزم".
إن الـ1500 مغربي الذين ذهبوا للعراق داعشيون بالفعل. وهم أقلية شديدة، وحتى لو قتلوا جميعا هناك - وهذه أمنية المخابرات – فإن المسألة لم تنته، لأن الخطير هم الداعشيون بالقوة ويعدّون بالملايين.
كيف تعرفهم؟ من ردود أفعالهم الصادرة عن تصوراتهم.
ففي ردود فعل الداعشيين بالقوة على ما يجري نجد أن مستقبل "الداعشيزم" مشرق.
فقد رجمت داعش امرأة متهمة بالزنا. ونتيجة لذلك اتهمت وسائل الإعلام داعش بالتطرف. في التعليقات على الخبر نصح سلفي مغربي القرّاء "راجعوا دينكم قبل اتهام داعش بالتطرف". أي أن داعش في الطريق الصحيح. فما فعلته داعش هو تنقية المجتمع. وهو المصطلح الذي كان يحرك بطل الفيلم الجزائري "باب الواد" ضد النساء، فيلم توقع السنوات الدموية في الجزائر. استمرارا للتوجه نفسه، يرى الداعشيون المغاربة المضمَرون، والذين ينشطون بكثافة في مواقع التواصل الاجتماعي لأن الشرطة طردتهم من الشارع، يرون أن المغرب بحاجة "لينقّى".
من ماذا؟
من النساء العاريات، من السكارى، من الأطباء الذين يبيحون لمدّعي المرض الإفطار، من العلمانيين... وباقي الموبقات والمناكر. لا يستطيع من يوافق على هذا التصور أن يحارب داعش لأنه داعشي بالقوة. لكم أن تتساءلوا: متى سيصير داعشيا بالفعل؟
على مستوى التصور، لا خلاف بين الداعشي بالقوة والداعشي بالفعل. يتفقان على أن المسلم غريب والإسلام بدأ غريبا وانتهى غريبا. يتفقان على لائحة الموبقات ويعتبران أن النقاء ضروري. هذا التصور المتطابق هو العلة الأولى للـ"داعشيزم". ومنه تستمد داعش الطاقة اللازمة للتمدد شرقا وغربا.
طيب، وأين يختلفان؟
يختلفان في أن واحداً يريد الحصول على النقاء بالقلب أو اللسان وهو أضعف الإيمان، والآخر يريد التغيير بالقذيفة والمسدس ومقص ختان النساء، لكي يصرن نقيات بيولوجيا.
مطلب النقاء جيد. السؤال كيف يتم تحقيق هذا النقاء؟
بالقضاء على الدولة القومية وإحلال الخلافة محلها. وهنا جدل. حتى في ردود الأفعال على إعلان الخلافة في العراق تتم مهاجمة داعش، ليس لأنها تنكر الحدود الدولية، بل لأن ليس هناك ما يكفي من النقاء في خلافة البغدادي. هم لا يخالفونه بل يزايدون عليه في النقاء، إنهم أكثر داعشية منه. يريدون خلافة نقية. أكثر نقاء، أكثر صفاء.
يجري البحث عن النقاء لدى طالبان وداعش وبوكو حرام، وهكذا تشابكت سلاسل الاصطدام من كابول حتى طرابلس الغرب. ويتحقق النقاء بسحق الموبقات.
المصيبة هي أن سحق الموبقات يقتضي سحق البشر الذين يمارسونها. إعدام طفل أفطر وجلد زانية وقتل زعيم حزب... بهذا، فإن الباحثين عن النقاء يمارسون أوسخ شيء في الوجود وهو قتل الناس. هل من يقتل الناس نقي؟
الداعشي يجيب: نعم باسم الجهاد. فالنقاء أهم من حياة البشر. وهو مكلف بصنع النقاء، وهذه يوتوبيا دموية. لهذا فإن المهاجرين المغاربة يتركون باريس المدنسة ونيويورك الفاجرة للعيش في الموصل التي تمت تنقيتها من المسيحيين ولله الحمد.
لداعش مستقبل كبير، لأن التنظيم يتغذى من صلابة الدافع الديني. وينعكس هذا على صلابة التنظيم الذي يتدحرج في دول فاشلة فتزيد قوته وحجمه ووزنه مثل كرة ثلج.
ما هي الطاقة اللازمة لدفع الـ"داعيشيزم" ليتقلص من جديد؟
بدل اتهام داعش يجب اتهام السياق الذي سمح له بالحضور بهذه الصورة. أتبنى نظرة التاريخ البروجوازي المتفائلة، فمهما كان صبيب الدم، ستكون للفوضى الخلاقة نتائج رائعة. سيتعب الناس من التشدد الديني، سيتولد إصلاح ديني من الدم الغزير. سيتطلب هذا وقتا.
وفيزيائيا، فإن كرة الثلج حين تبلغ مداها من الضخامة تتفكك. ومن أولى البوادر أن تكفّر داعش شيوخ السلفية المغاربة. هذه مقدمات تفكك الأممية السلفية حتى لو بقي الشيوخ المغاربة صامتين لحد الآن...
القرآن قال من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. فمن يملك الحق ليحاسب البشر؟
 

مقالات من المغرب

أنا وليالي الضّوء في الغابات

لم أتوقف عن الرسم، لأنني تعلّمتُ نقش الحناء بسرعة بعدها، لوجود جمهور متحمس، مع إمكانية الاختراع، وانجذاباً إلى رائحة الحناء، وتدرجات اللون البني على الأصابع والراحات والأكفّ. كنتُ أخترع بنفسي...

للكاتب نفسه