يشتموننا... ونحن بخير في المغرب

مسلسل مصري يعرض راقصة «عارية» تتدثر بالعلم المغربي. هذا هو الخبر الرئيسي في المغرب هذه الأيام. وقد ظهرت مغربيات في مسلسلات عربية كثيرة وهن يخطفن الرجال ويمارسن الشعوذة... ومع هذا الهجوم على المغرب، فهو يعيش الذكرى الخامسة عشرة لوصول الملك محمد السادس إلى الحكم. وقد انعكس ذلك التهجم «علينا» على الأجواء والمعنويات. لذا سأكثر من «نا» الدالة على الجماعة لأنقل
2014-08-06

محمد بنعزيز

كاتب وسينمائي من المغرب


شارك
(من الانترنت)

مسلسل مصري يعرض راقصة «عارية» تتدثر بالعلم المغربي. هذا هو الخبر الرئيسي في المغرب هذه الأيام. وقد ظهرت مغربيات في مسلسلات عربية كثيرة وهن يخطفن الرجال ويمارسن الشعوذة... ومع هذا الهجوم على المغرب، فهو يعيش الذكرى الخامسة عشرة لوصول الملك محمد السادس إلى الحكم. وقد انعكس ذلك التهجم «علينا» على الأجواء والمعنويات. لذا سأكثر من «نا» الدالة على الجماعة لأنقل لكم الأحاسيس. ثم إن الفخر بالوطن الموحد ضروري في عهد التفكك المستفحل. هنا يتطابق اليميني واليساري والإسلامي المعتدل.
صحيح، لا يملك المغرب إعلاماً مؤثراً خارج الحدود، فصحفه محلية الطابع وتلفزيونه لا يرى أبعد من طنجة. لذا يسود غضب وعجز فادح في القدرة على الرد، وعلى ردع كل من تسول له نفسه مهاجمة المغرب. صحيح، لقد وفرت مواقع التواصل الاجتماعي للمغاربة منصة للرد. لكن تبقى، حتى إشعار آخر، شرعية التلفزيون أقوى من شرعية فايسبوك.
وقد تولد من هذا العجز والغضب إحساس بأنهم يهاجموننا لأنهم يحسدوننا، لذا تضخمت ذواتنا. ولدينا ما نبرر به ذلك، بل لدينا ما نفرح به أيضا. لقد مرت خمس عشرة سنة على موت الحسن الثاني وتولي ابنه العرش. لنحزن للموت ونفرح للتنصيب، خلقنا فاصلا زمنيا لإبعاد الفرح عن الحزن: يؤرخ لرحيل الملوك المغاربة بالهجري ويؤرخ لجلوسهم على كرسي الحكم بالميلادي. وهكذا، فإن ذكرى رحيل الحسن الثاني لا تطابق ذكرى جلوس ابنه على العرش.
بالمناسبة، ألقى الملك خطاب «الوقوف على أحوال الأمة» ليلة 29-07-2014، أكد فيه أن النموذج التنموي المغربي بلغ درجة من النضج تمكنه من مراجعة نفسه، تمكنه من الكشف عن نواقصه علنا ومناقشتها. والملاحظ هذه السنة أن الاحتجاجات ضد حفل الولاء غابت تماما. ومع هذه الأجواء، ذكّر الملك بإنشاءات البنى التحتية الكبرى التي عرفها المغرب في عهده: ففي المغرب أكبر ميناء بحوض المتوسط، وفيه أكبر محطة للطاقة الشمسية في العالم، لذا لا تنقطع الكهرباء عن البيوت في المدن والقرى. في المغرب طريق سيَّار يمتد 1416 كلم. ومؤخرا تجاوزت صادرات المغرب - وهو بلد لا نفط ولا غاز فيه - 12 مليار دولار. فِلاحيا، يطبق المغرب مخططا أخضرَ يوفر الزيتون والتين والقمح والبندورة (الطماطم) بكميات كبيرة. هنا لا طوابير خبز...
وقد اشتريتُ في الدار البيضاء كيلو سمك بدولار وحزمة بصل تزن ثمانية كيلوغرامات بدولار. وهكذا أستنتج شخصياً أن اقتصاد المغرب لا يقوم على الدعارة. وإن كانت لدينا دعارة، فهي تساهم في الإشباع العاطفي للزبائن، تزيد في تدفق الحنان وتشفي المواطنين من الفقر الوجداني. لذا فالمغربي ودود حنون.
هذا على الصعيد الخبزي. أما على الصعيد الأمني، فلم يُقتل جندي ولا شرطي في المغرب، ولا واحد يا عالم. والإرهاب تحت السيطرة، وهذا درس عملي لا شفوي لضباط المخابرات. على الصعيد السياسي، تمكنَّا في المغرب من دمج إسلاميينا. تأتي هذه الثقة وقد هبت رياح الربيع العربي/الامازيغي خيرا على المغرب. فقد كانت المعارضة الرئيسية للنظام هي الإسلاميين. لكن بعد انتخابات 2011 وتشكيل حكومة يقودها «حزب العدالة والتنمية»، صار الاسلاميون جزءا من النظام دون تعارضهما. مثلا ليس هناك قانون مغربي يخالف الشريعة. ففي كل مرة بند في الشريعة يوجد شرط يعطله. فتعدد الزوجات مباح في المغرب مثنى وثلاث. لكن لا يمكنك الزواج بالثانية إلا بموافقة الزوجة الأولى كتابيا وفي شهادة مصادق عليها، هذه الموافقة لن تحصل عليها حتى في الأحلام. ويبقى التعدد مباحاً نظرياً.
كما أن دمج الإسلاميين لم تترتب عليه «المخاطر السبعة» التي توقعها وزير الأوقاف السابق عبد الكبير العلوي المدغري في كتابه «الحكومة الملتحية». وهو متعاطف مع الإخوان ويشغل الآن منصب رئيس «بيت مال القدس». المخاطر التي توقعها المدغري مع تنصيب الحكومة الملتحية هي أولا الإكراه في عقيدة النظام الإسلامي عبر ملاحقة رجال الفكر والفن بسكين يقطر دماً. ثانيا، الجهاد تبعاً لوصية ابن تيمية «فمن عدل عن الكتاب قُوّم بالحديد». ثالثا، أن يكون المغرب دار حرب لا دار عهد. رابعا، انتشار ثقافة التكفير والاتهام بالردة. خامسا، الاستعلاء الإيماني للمتدينين الذين يعتبرون أنهم وحدهم على حق. سادسا، زعزعة النظام الاقتصادي القائم لفرض اقتصاد إسلامي. وأخيرا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باللسان والسيف...
نجا المغرب من هذه المخاطر وهذا مصدر فخر. ورغم منابع الافتخار الخبزية والأمنية والسياسية، يتعرض المغرب للهجوم من الغارقين في الشفوي والإنشاء. والمزعج في هذا التهجم على المغرب هو إخراس كل خطاب نقدي في الداخل. بحيث يغدو النقد مرادفا للاوطنية. ومن هنا تخرج تهم التخوين. لتجنبها، يسود الصمت أو شعار «الله يبارك في عمر سيدي».
نعود لخطاب الملك. فمع الافتخار بالمنجزات، طرح الملك أسئلة أساسية ليشخص أعطاب نظامه، وقد شعر بخفوت النقد حوله. قال «إذا كان الإنسان يعتقد أنه دائما على صواب، أو أنه لا يخطئ، فإن هذا الطريق سيؤدي به إلى الانزلاق والسقوط في الغرور... أتساءل يوميا، بل وفي كل لحظة، وعند كل خطوة، أفكر وأتشاور قبل اتخاذ أي قرار: هل اختياراتنا صائبة؟ ما هي الأمور التي يجب الإسراع بها، وتلك التي يجب تصحيحها؟».
كانت تلك مكاشفة عن آليات العمل في البلاط. والهدف هو الوقوف على حقيقة الوضع في المغرب، لذا يقطع الملك أكثر من عشرة آلاف كلم سنويا لتفقد مختلف المناطق، وهذا ما أوصله للسؤال الاستنكاري:
«هل ما نراه من منجزات ومن مظاهر التقدم، قد أثر بالشكل المطلوب والمباشر على ظروف عيش المغاربة؟ أتساءل باستغراب مع المغاربة: أين هي هذه الثروة؟ وهل استفاد منها جميع المغاربة، أم أنها همت بعض الفئات فقط؟».
أجاب الملك:
«إن الواقع يؤكد أن هذه الثروة لا يستفيد منها جميع المواطنين. ذلك أنني ألاحظ، خلال جولاتي التفقدية، بعض مظاهر الفقر والهشاشة، وحدّة الفوارق الاجتماعية بين المغاربة». الفوارق الطبقية في المغرب هائلة، بين من ينفق دولارين يوميا ومن ينفق مئة على الأقل.
يتزايد حضور الملك وتضعف الأحزاب ويسود فراغ في التأطير... فالملك يملأ فراغات هائلة سياسيا ودينيا واجتماعيا. وقد صار كل معارض لرئيس الوزراء الإخواني يختم نقده للحكومة بشعار «عاش الملك».
هذه هي الصورة بإيجاز. المغرب بخير رغم الشتائم. ويمكن لمن شك في هذا أن يأتي للتأكد. ويمكنه أيضا مشاهدة الرقص الجيد في كاباريهات عين الذياب في الدار البيضاء. فالرقص حق من حقوق الإنسان في الدول المتحضرة. لذا ليس لدينا ما نخجل منه.
 

مقالات من المغرب

أنا وليالي الضّوء في الغابات

لم أتوقف عن الرسم، لأنني تعلّمتُ نقش الحناء بسرعة بعدها، لوجود جمهور متحمس، مع إمكانية الاختراع، وانجذاباً إلى رائحة الحناء، وتدرجات اللون البني على الأصابع والراحات والأكفّ. كنتُ أخترع بنفسي...

للكاتب نفسه