تقطيع الجسد الأنثوي في الفضاء العام

تبحث المخرجة عن بطل الحومة (الحي) الشجاع. لقد قام بما لم يخطر ببال أحد. يتضح أنه في السجن، لكن التصوير هناك ممنوع. وحارس السجن يعتبر الكاميرا مصيبة. تعود المخرجة لتسأل شبان الحومة عن المجرم. يوضحون لها أنه بطل. ولديهم الحجج ضد الضحايا، وبما أنهن نساء فلا حاجة للإثباتات.هذا ما تناولته المخرجة التونسية كوثر بنهنية في فيلمها الجريء
2014-10-01

محمد بنعزيز

كاتب وسينمائي من المغرب


شارك
مشهد من الفيلم - من الانترنت

تبحث المخرجة عن بطل الحومة (الحي) الشجاع. لقد قام بما لم يخطر ببال أحد. يتضح أنه في السجن، لكن التصوير هناك ممنوع. وحارس السجن يعتبر الكاميرا مصيبة. تعود المخرجة لتسأل شبان الحومة عن المجرم. يوضحون لها أنه بطل. ولديهم الحجج ضد الضحايا، وبما أنهن نساء فلا حاجة للإثباتات.
هذا ما تناولته المخرجة التونسية كوثر بنهنية في فيلمها الجريء «شلاّط تونس» الذي عرض ضمن الدورة الثامنة للمهرجان الدولي لفيلم المرأة بمدينة سلا من 22 حتى 27 أيلول/ سبتمبر 2014. والشلاّط هو مستخدِم السكين.يركب دراجة نارية ويحمل سكيناً ويمضي في الشوارع، يبحث عن أكبر مؤخرة في سروال جينز ليشلطها، ليجرحها و«يربيها».
 يبدو أن المؤخرة هي أهم عضو في المرأة، خاصة حين تكون قد خرجت من الحمام (الشعبي) نظيفة وساخنة. هذا ما يبحث عنه الشلاّط، وهو شخصية حقيقية في تونس.
بعد انتصار ألمانيا على البرازيل بسبعة أهداف راج شعار «كلنا منتخب ألمانيا الذي شلط البرازيل».
يريد الشلاط أن يسيل الدم من الخلف ولا تستطيع الضحية كشف مكان تعرّضها للأذى، وهكذا تصير عرضة للشماتة.
تتأكد هذه الشماتة الفردية والجماعية عند الكشف عن وعي شباب الحومة. كانت المخرجة الشابة شخصية رئيسية في الفيلم ذي الطابع الوثائقي. ويبدو أن سلامتها البدنية كانت في خطر في لحظات كثيرة. لقد كانت تقتبس من عنف الشارع الذي يغري المخرجين. فالشباب التونسي غاضب من النساء. لم يتحقق له الإشباع العاطفي ولن يتحقق له في هذه الأيام التي يتقدم فيها سبعون شخصاً لمنصب الرئيس في تونس... لأن كرسي الرئاسة الذي يشغله رئيس مؤقت - شاغر تقريباً. ولكوثر بنهنية حكاية رائعة مع الكرسي.
ففي فيلمها القصير «يد اللوح» الغارق في الخيال إلى حدود العبث، نرى عربة صغيرة تتجول في تونس بكرسي فارغ. فكر المتفرّجون أنه كرسي بن علي.
ثم نكتشف أن طفلة ترفض الذهاب الى المسجد لتدرس لأنها تخاف من الفقيه حتى أنها بالت في ملابسها.
الحل؟تتناول لصقة وتلصق يدها بذلك الكرسي الخشبي. وتنقلها أمّها إلى المسجد هي والكرسي. وهنا يكتشف الفقيه أنها صارت أعلى منه فجلب كرسياً أكثر علواً وجلــس عليه. ولم يكن هناك حل لفصل الكرسي عن اليد اللاصقة به إلا باســتيراد مادة كــيماوية من الغرب.
كان هذا خيالاً يستحيل تلخيصه، وقد رفع سقف التوقعات حول المستقبل الفني للمخرجة، فحقق فيلمها الطويل الأول «شلاّط تونس» كل الآمال المعقودة عليها. هي تصور الواقع، لكن لا تصور الخام. فاللقطات مكثفة ومركبة مما يضاعف معانيها: نرى كلباً ميتاً ونرى نهراً تطفو عليه عوازل طبية... وبفضل حوارات طويلة تقودها المخرجة، تتكشف «عقلية الشلاط»، والأبعاد الاجتماعية والنفسية للمؤخرة. يتدخل شخص متفقه في الدين ليؤكد أن النساء هنّ «حبائل الشيطان» لإسقاط الرجال، وأن المرأة إن سترت نفسها فلن يؤذيها أحد.
 تؤكد ضحية أنها شلطت رغم أنها كانت ترتدي تنورة «مفخفخة»، لكنها كانت سمينة. لذا لم يحْمها اللباس المحتشم.
لاختبار موقف المجتمع من مؤخرة المرأة ابتكرت المخرجة لعبة فيديو تُمكن كل واحد من الاستمتاع بجرح المؤخرات وجعل النساء يصرخن. وكان الشبان التونسيون يرددون «الشعب يريد مؤخرة من حديد». يشلطون مؤخرات النساء على الحاسوب. تصرخ النساء فيصفق المتفرجون حولي. هذا جمهور نصفه في العشرين من عمره. وبما أن السينما التي عُرض فيها الفيلم تقع في حي شعبي فقد تماهى الجمهور مع الشلاّط من أول لقطة، وهكذا عثرت فجأة على عرق الذهب. فموضوعي لا يجري على الشاشة بل حولي.
لأتلصّص على المتفرجين.
كان هناك تفاعل عالٍ في ربع الساعة الأول. بعدها ساد صمت هائل. كان هذا الجمهور ثرثاراً أثناء عرض فيلم سابق، لكنه صار منضبطاً. لقد سيطر الفيلم على الجمهور الهائج بسبب المؤخرة، حتى أن مقدم الأفلام في المهرجان اضطر لاحقاً لتنبيه الجمهور لكي لا يصرخ في اللقطات «الخاصة»، لأن في القاعة أجانب وسيأخذون فكرة سيئة عنا نحن المغاربة، وخيّر المتفرجين بين الصمت والانسحاب من القاعة. كان الجمهور لا يصرخ احتجاجاً بل لأنه مستمتع...
لقد كشفت المخرجة أبعاداً جديدة للموضوع. كانت البداية فخاً ثم صار يتكشّف على مراحل حجم العنف الرهيب ضد النساء في المجتمع التونسي، والمغربي طبعاً، والعربي عموماً. فبينما شلاّط تونس كان يركب دراجة نارية، فإن شلاّط المغرب كان يركب دراجة هوائية في مدينة «تيزنيت» الجنوبية. وقد حصل ذلك في سنة 2012. حينها ذكرت مواقع إلكترونية أن الشرطة تطارد شاباً يستخدم سكيناً وقد تخصص في جرح مؤخرات الفتيات والنساء صغيرات السن... يصيبهن في مؤخرتهن بسرعة ويهرب...
تعليقاً على ذلك كتب أحدهم «لو كان في كل مدينة مثل هذا الشخص لأصبحنا نرى شوارعنا خالية من المتبرّجات»، وأضاف آخر «الحل سهل للغاية: ما على الفتيات إلا ارتداء ملابس محتشمة».
للجريمة دلالتان، إنها تعبير عن انزعاج شديد من تزايد مكانة الجسد الانثوي المتبختر بثقة في الفضاء العام. وتعبير أيضاً عن الجوع الجنسي للمجرم المحروم والذي ينتقم بالشماتة من الضحية وقد خلد الأذى في لحمها. واللوم لا يقع عليه، بل يقع على النساء حسب العقلية السائدة. فهن قد خرجن من ضلع أعوج وخرجن للشارع الذي يفترض أنه مجال ذكوري حصري. هل، لولا علمانية الدولة الحديثة - بكل علاتها، وهي بنت الاستعمار ـ لما خرجت امرأة للشارع ولا دخلت مدرسة في المنطقة من المحيط الى الخليج؟

مقالات من المغرب

أنا وليالي الضّوء في الغابات

لم أتوقف عن الرسم، لأنني تعلّمتُ نقش الحناء بسرعة بعدها، لوجود جمهور متحمس، مع إمكانية الاختراع، وانجذاباً إلى رائحة الحناء، وتدرجات اللون البني على الأصابع والراحات والأكفّ. كنتُ أخترع بنفسي...

للكاتب نفسه