الإضراب في المغرب: فشل ونجح!

انتهى شهر تشرين الاول/ أكتوبر ولم تهطل الأمطار في المغرب. هذا أسبوع صعب وصلت فيه حرارة الطقس الى درجة غير مسبوقة. تأخر المطر هو أخطر ما يقلق المغاربة. ينظر الناس للسماء أكثر مما ينظرون للعاصمة. في السماء هناك الله الذي ينظر للجميع بعين المساواة. أما في العاصمة فمن لا واسطة له فلن تصل يده إلى الصحن. لذا فعندما تمطر السماء لا يهتم المغاربة كثيرا للحكومة. والآن تأخر المطر فكثرت التوقعات من الحكومة..
2014-11-05

محمد بنعزيز

كاتب وسينمائي من المغرب


شارك
(من الانترنت)

انتهى شهر تشرين الاول/ أكتوبر ولم تهطل الأمطار في المغرب. هذا أسبوع صعب وصلت فيه حرارة الطقس الى درجة غير مسبوقة. تأخر المطر هو أخطر ما يقلق المغاربة. ينظر الناس للسماء أكثر مما ينظرون للعاصمة. في السماء هناك الله الذي ينظر للجميع بعين المساواة. أما في العاصمة فمن لا واسطة له فلن تصل يده إلى الصحن. لذا فعندما تمطر السماء لا يهتم المغاربة كثيرا للحكومة. والآن تأخر المطر فكثرت التوقعات من الحكومة.. والحكومة سعيدة، فسعر البترول الذي نحتاجه جدا ينخفض. الدولار الذي نبيع به الفوسفات يرتفع. وزير الداخلية يحب أحزاب المعارضة وهي تحبه. هذا على الصعيد الداخلي، أما على الصعيد الخارجي، فالعلاقات متوترة مع الجزائر بعد إطلاق الجيش الجزائري للنار على مواطنين مغاربة على الحدود. ومتوترة مع فرنسا التي حاولت توقيف رئيس المخابرات المغربية وتزعم أن المغرب فيه إرهاب وتحذّر مواطنيها (يسمون في الرباط رعاياها) من زيارة مراكش. من حسن الحظ أن أسبانيا وهي ضرّة فرنسا في المغرب قررت تكريم رئيس المخابرات.
وفي ظل توتر العلاقات مع الجزائر وفرنسا تحرص نخب الرباط على رص الصفوف. في هذه الأجواء جرى أول إضراب عام في المغرب في عهد الملك محمد السادس. والسبب هو مشروع رفع سن التقاعد إلى 65 سنة للموظفين المدنيين، مع زيادة الاقتطاعات من أجورهم لكي لا يفلس صندوق المعاشات.
أنا موظف مدني وقد قضيت يوم الإضراب في 29تشرين الأول/أكتوبر بالرباط رفقة شاعرين عراقيين يعتبران المغرب جنة. كانت الأجواء هادئة بالعاصمة. شاهدنا معرضا تشكيليا وتحدثنا عما يجري بين المحيط والخليج، وتغذينا في مطعم وشاهدتُ فيلمين، وفي المساء ظهرت الصحف تحمل مشكلة: هل نجح الإضراب أم فشل؟
الجواب: فشل ونجح.
فشل بالنسبة لأنصار الحكومة ونجح بالنسبة لخصومها. ما نسبة النجاح والفشل؟ التناقض المطلق نفسه: نجاح مطلق وفشل مطلق. أعلنت النقابات وصول نسبة المشاركة في الإضراب إلى 83,7 في المئة. كتبت جريدة الصباح «شلل في أهم القطاعات العمومية». بينما كتبت جريدة الأحداث المغربية «الإضراب العام: الاستجابة أقل من التعبئة لأنه تحول إلى شبه إضراب قطاعي في الوظيفة العمومية». من جهتها كتبت جريدة «ليكونوميست» أن الإضراب كان هدفه اجتماعي ثم صار هدفه سياسي، وهو مضر بالاقتصاد. وأنا أصدق هذه الجريدة لأنه في المجال الاقتصادي توجد الحقيقة في الجرائد الفرنكوفونية المغربية، فأصحابها وقراؤها هم الممسكون بتلابيب الاقتصاد الوطني. لذا توجد صلة قوية بين كلامهم وموقعهم على الأرض. أما وزير الاتصال الناطق باسم الحكومة فيقول إن «الأمور كانت عادية». أي أن يوم الإضراب يشبه ما قبله وما بعده.
عرف المغرب إضرابات عامة في سنوات 1965، 1981 و1990. كانت النتيجة دموية، وكان للإضراب تبعات سياسية. وبالنسبة للمغاربة فمعيار الإضراب هو ما جرى سنة 1990. فإذا تكرر ذلك سيكون الإضراب قد نجح. سيقرأ خصوم المغرب ذلك وكأن البلد غير مستقر. وهنا سيكون نجاح الإضراب فشلا للوطن. أما إذا فشل الإضراب فسيكون ذلك دليلا على ضعف المعارضة وقوة الحكومة التي يقودها الإسلاميون. وهنا سينجو الوطن وستتضرر صورة المعارضة.
يصعب استخلاص معارف ومواقف من السجال الذي تلا الإضراب. كل طرف يكتب عن أيديولوجيته المستنزفة وليس عما جرى. تتعايش هذه الأصوات ولست متأكدا أنها تتفاعل وتتلاقح. لأن منسوب المزايدة بين المتحاورين فادح. وأحيانا تخرج أسئلة بدائية مثل: هل هذا إضراب سياسي أم لا؟
وبناء عليه فكل غموض في المقال هو انعكاس للغموض في المشهد. السبب؟ إن المتحدثين يريدون أن ينجح الإضراب ويخشون أن ينجح. ستحتاجون جهدا لفهم هذا اللغز.
بعيدا عن صوت راوي المعارضة وراوي الحكومة، فإن هذا إضراب يعرف غيابا غريبا لصوت أحزاب المعارضة. والأغرب أن يطالب زعماء النقابات الذين بلغوا سن السبعين في القيادة ألا تمدد الحكومة سن التقاعد حتى سن 65 سنة. مع هذه التناقضات، كيف أصف الجو السياسي في المغرب؟
يبدو أن التحليل لم يشرح لكم جيدا اللعبة. لننتقل للحكي:
ترافق رجل وأسد، وطيلة الطريق كانا يتفاخران بشجاعتهما. وينسب كل واحد التفوق لنفسه. وعند وصولهما لمفترق طرق ظهر تمثال لرجل يخنق أسدا ويطرحه أرضا. فسارع الرجل يقول: أنظر إلى التمثـــال، أليس الإنسان هو الأقوى؟
فقال الأسد: لا تتعجل، هذا رأيك فحسب. ولو كنا نحن الأسود ننحت التماثيل لرأيت الرجل مطروحا أرضا.
نجح الإضراب، فشل الإضراب. فمن ينحت التمثال؟
أيهما أقوى الأسد أم الرجل؟ كل مجيب متعجل يتبع الظواهر سيقول الرجل. والحقيقة أن الأسود هي التي انقرضت. ومع ذلك، فكل حزب يزعم أنه من خنق الأسد، فكيف نعرف الحقيقة؟
الحزب الوحيد الذي كان صوته واضحا بعد الإضراب هو «جماعة العدل والإحسان» وهي تنظيم غير معترف به في المغرب. فقد دعا رشيد بوصيري الكاتب العام للقطاع النقابي للجماعة عقلاء الوطن أن يتأملوا في رسائل الإضراب العام لأنه وقد «مر الإضراب في سلمية ومسؤولية وتنفس الكل الصعداء، ينبغي على عقلاء الوطن أن يخففوا التوتر قليلا».
سيخف التوتر لأن الإضراب كان فرصة لتفريغ الغضب وليس لتحقيق أهداف محددة، حيث تمديد سن التقاعد أمر مصيري لميزانية الدولة. ومن علامات أخذ العبرة في الجماعة قول زعيم جناحها الحداثي واسمه فتح الله أرسلان «لا نسعى لإسقاط الحكومة لأنّ مشاكل المغرب أكبرُ منْها».
وطبعا لا تسعى الجماعة لإسقاط النظام لأن ذلك أكبر منها. وبهذا الإقرار فإن الجماعة عامل استقرار قوي المغرب.
ختاما، من نفذ هذا الإضراب الناجح والفاشل معا؟
الموظف العمومي، عماد البرجوازية الصغيرة، وهو الذي هجر النقابات والأحزاب، وقد كان وقودها للضغط على السلطة. استيقظ الموظف صباح يوم الإضراب وقام بتوصيل ابنه إلى المدرسة الخصوصية التي لا تُضربْ، ثم ذهب إلى المقهى ليندد بالفساد ويدعو الله أن تمطر السماء لتكون الخضار بأسعار معقولة لأن الحكومة غارقة في الديون ولن تزيد الأجور.
وهنا يُطرح السؤال على هذا الموظف: هل هذا إضراب أم يوم عطلة؟
إنه يوم إضراب مدفوع الأجر في الوظيفة العمومية. هذا هو المهم. لذا فحتى الذين لم يعلنوا الإضراب يجنون ثماره سواء نجح أو فشل. في انتظار أن يأتي الفرج من السماء أو من صندوق النقد.
            
 

مقالات من المغرب

أنا وليالي الضّوء في الغابات

لم أتوقف عن الرسم، لأنني تعلّمتُ نقش الحناء بسرعة بعدها، لوجود جمهور متحمس، مع إمكانية الاختراع، وانجذاباً إلى رائحة الحناء، وتدرجات اللون البني على الأصابع والراحات والأكفّ. كنتُ أخترع بنفسي...

للكاتب نفسه