بدعـة جـديـدة فـي المغرب: مئــة دولار شـهريـاً لكـل فقـيـر

تشتري جدتي قنينة غاز وزنها 8 كلغ بـ 5 دولارات. يشتريها صاحب فندق خمسة نجوم بالثمن نفسه. مع فارق أن جدتي تستهلك قنينة كل شهرين، بينما يستهلك صاحب الفندق العشرات كل يوم. هذا وضع غير عادل ومرفوض، خاصة أن الثمن الحقيقي لقنينة الغاز يزيد على 16 دولارا. والحكومة تدفع الفارق. لذا كلف دعم المواد الأساسية (بنزين، غاز، ودقيق) ميزانية المغرب عبر «صندوق المقاصة» أكثر من خمسة مليارات
2013-02-27

محمد بنعزيز

كاتب وسينمائي من المغرب


شارك
في أحد شوارع الرباط (من الانترنت)

تشتري جدتي قنينة غاز وزنها 8 كلغ بـ 5 دولارات. يشتريها صاحب فندق خمسة نجوم بالثمن نفسه. مع فارق أن جدتي تستهلك قنينة كل شهرين، بينما يستهلك صاحب الفندق العشرات كل يوم. هذا وضع غير عادل ومرفوض، خاصة أن الثمن الحقيقي لقنينة الغاز يزيد على 16 دولارا. والحكومة تدفع الفارق. لذا كلف دعم المواد الأساسية (بنزين، غاز، ودقيق) ميزانية المغرب عبر «صندوق المقاصة» أكثر من خمسة مليارات دولار في 2012. وجزء كبير من هذا الدعم ذهب لكروش الأغنياء الذين يستهلكون الكثير من الكهرباء والسكر. حتى شركة كوكا كولا تستفيد من السكر المدعّم.
ما العمل؟
تخطط الحكومة الحالية لإلغاء دعم المواد الأساسية. كل الحكومات السابقة تحدثت عن هذا «الإصلاح». لم يجرؤ أحد. تقول حكومة الإسلاميين أنها قول وفعل. كيف ستفعل ذلك؟ ستوقف ضخ الفارق بين الثمن الحقيقي للسلع وثمن بيعها للمواطنين.
إذن؟
سيتضاعف ثمن الكثير من السلع، ومنها الكهرباء. وهذه استجابة لوصايا صندوق النقد الدولي الذي يقرضنا بشروط، ولمدد قصيرة. وبما أن المغرب ليس بلدا نفطيا، ولا يتوفر على عناصر الاكتفاء الذاتي، فهو تلميذ مهذب في هذا المجال.
المعارضة تندد بارتفاع الأسعار، بتطبيق «تقويم هيكلي» جديد، بخطر الاحتجاجات والكساد. وحجتها أن الغلاء سيتسبب في تراجع القوة الشرائية، وبالتالي تراجع الطلب على السلع، وبالتالي تراجع الإنتاج، ومن ثم انتشار البطالة. وهذا درس حذر منه الاقتصادي الشهير «كينز».
مع اشتداد هذا السجال، فإن الشعار الذي جاء بالإسلاميين للحكومة، أي «إسقاط الفساد»، خرج من جدول الأعمال. ما عاد أحد يسأل: لماذا خُمس المغاربة فقراء؟ صار السؤال: كيف نساعدهم؟
اللاعبون الرئيسيون في المشهد السياسي مرتاحون لهذا التوصيف. وخبا صوت «حركة 20 فبراير» بعد عامين من نشأتها. صار النقاش خبْزياً، يحسب عدد الأرغفة التي ستصل إلى كل فم.
جاء رئيس الوزراء عبد الإله بنكيران إلى قبة البرلمان لينفي ارتفاع الأسعار. وقدم أمثلة وأرقاما صادرة عن «المندوبية السامية للتخطيط» وهي مؤسسة حكومية متخصصة في الإحصاء لا تخضع لسلطة الإسلاميين ليدعم كلامه. رفض نائب برلماني معارض هذا الكلام، فاتهمه بنكيران من المنصة بأن في «بطنه عجينة»، كناية عن فساده. ولتبرئة ذمته، فتح البرلماني قميصه وكشف بطنه المزغب للمغاربة على التلفزيون مباشرة. طالب المعلقون بأن تكتب التلفزة على شاشتها حين تنقل جلسات البرلمان: ممنوع على من هم أقل من 18 سنة.
وبينما تروج هذه الكوميديا في البرلمان، استغل التجار الفرصة ورفعوا الأسعار، فظهرت بوادر احتجاجات.
ما العمل؟
ظهر صندوق النقد الدولي يوصي بتجريب المجرب: نصح بتوزيع فلوس على الفقراء ليأكلوا ويسكتوا. واضح أن المثل الشعبي «يكوي ويبخ» ينطبق على سياسة صندوق النقد. فهو يكوي الفقراء بالتقويم الهيكلي، و«يَبخّ» بمنحهم مساعدات. وبخّ في معاجم العربية تعني سكّن الغضب. ثم ان هذا نقاش مغلوط. فكون ثمن الغاز في السوق ثابتا لا يعني أن كل السلع كذلك. فاليوم اكتشفتُ أن ثمن الفلفل الأسود («الإبزار» باللهجة) زاد 50 في المئة. صحيح أن طعمه مرّ لكن المغاربة لا يطبخون بدونه... وهذه الزيادة الفظيعة تشمل مواد كثيرة، يتحملها الناس ولا تثير الاحتجاج، لأن عين وسائل الإعلام مسلطة على المواد الأساسية. وكأن ثمن لحم الدجاج الذي تضاعف، والأدوات المدرسية للتلاميذ، ليست أساسية.
تنوي الحكومة التي خرجت من صناديق الاقتراع تنفيذ وصايا الصندوق اللعين حرفيا. واضح أن الإخوان المسلمون لا يملكون برنامجا اقتصاديا. لتغطية الزيادات في الاسعار، يقترح رئيس الوزراء توزيع مساعدة على مليوني أسرة فقيرة بمعدل 100 دولار شهريا لكل أسرة. وقد بدأ جدل الفقراء فيما بينهم حول من يستحق ومن لا يستحق. بل منهم من تسابق، بسبب إشاعات، لتعبئة استمارة للاستفادة من الدعم المالي. يبيعون جلد الدب قبل صيده.
ها قد حددنا المشكل ووجدنا الحل. فما العمل؟
لا عمل. والمغرب يعود لغرفة الانتظار التي يقيم فيها منذ نصف قرن. والتي ظن الناس أنه سيخرج منها بفضل الربيع العربي / الأمازيغي. فالمعارضة، وأحزاب في الائتلاف الحكومي الهجين، تعارض. وليس السؤال من يقف في الجانب الصحيح، بل كيف صار خبز الفقراء ذريعة للوصول للكراسي.
من هي هذه المعارضة؟
أحزاب نشأت في حضن السلطة، وجلها تجمّعُ لأعيان مكروهين اغتنوا من الريع ورضاعة ثدي الدولة، يجدون صعوبة في الظهور كقوة ليبرالية علمانية. ويكتفي جلهم بإظهار كرشه أو بابتكار إشاعات.
السبب المُعلن لمعارضة تحرير الأسعار ودعم الفقراء ماليا: الإضرار بالطبقة الوسطى. السبب السري: المعارضات تعتبر الطبقةَ الكادحة والمعوزين خزان انتخابي يُشترى بالتقسيط. بينما يريد الإسلاميون شراء هذه الطبقة بالجملة ومن مال الدولة. وهذه طريقة لإبقاء الشرائح الأفقر فقيرة، وخاضعة للاحسان وفي حالة من الزبائنية. لو أنجز حزب العدالة والتنمية هذا «الإصلاح» فسيحصل على مليون صوت جديد في الانتخابات القادمة، ولن يخرج من مقر الحكومة ابداً. يبدو أن الإسلاميين يلائمهم الاشتغال في بيئة النظام القائم. ولا تناسبهم الثورة، كما في مصر.
ولتقوية حرصه على الاستمرارية، يكرر بنكيران أنه في تشاور مستمر مع القصر. ولتبريد المعارضة الداخلية، يجري رئيس الوزراء مشاورات مكثفة مع قادة أحزاب الائتلاف المشكِّل للحكومة. يصغي بل يقدم هدايا. ففي انتخابات جزئية تجري اليوم، لم يقدم حزب العدالة والتنمية مرشحا، بل دعم مرشح «حزب التقدم والاشتراكية». فالرفاق حاليا يستظلون بالإسلاميين.
هناك فعلا إشكالية في دعم أثمان المواد الأساسية التي يستفيد منها الغني والفقير. والدعم مفيد على المدى القصير، لكن لا ينتج تنمية على المدى الطويل. لكن رفع الدعم ليس إصلاحا، وهو يثبت أن العطب بنيوي، وأن ما يمارس هو ترقيع لا يجدي.

 

مقالات من المغرب

أنا وليالي الضّوء في الغابات

لم أتوقف عن الرسم، لأنني تعلّمتُ نقش الحناء بسرعة بعدها، لوجود جمهور متحمس، مع إمكانية الاختراع، وانجذاباً إلى رائحة الحناء، وتدرجات اللون البني على الأصابع والراحات والأكفّ. كنتُ أخترع بنفسي...

للكاتب نفسه