"تـــــــوك شـــــــو" مغــــربـــي فــــي مـقـــهـــى

خرج السيد خالد عليوة من السجن، وذلك بترخيص مدته أربعة أيام ليدفن والدته العزيزة عليه. ورافقه في الجنازة عبد الرحمن اليوسفي، الوزير الأول السابق، الاشتراكي. وقد كان عليوة وزيرا في حكومته. بالمناسبة تلقى تعزية من الملك. عبّر الزعيم الاشتراكي عن تأثره بالرسالة الصادرة عن ملك شريف علوي. بعد الرسالة الملكية كثر المسئولون المُعزون. بعد أربعة ايام رجع عليوة للسجن حيث يقبع منذ عام دون محاكمة بتهمة
2013-03-13

محمد بنعزيز

كاتب وسينمائي من المغرب


شارك
من الانترنت

خرج السيد خالد عليوة من السجن، وذلك بترخيص مدته أربعة أيام ليدفن والدته العزيزة عليه. ورافقه في الجنازة عبد الرحمن اليوسفي، الوزير الأول السابق، الاشتراكي. وقد كان عليوة وزيرا في حكومته. بالمناسبة تلقى تعزية من الملك. عبّر الزعيم الاشتراكي عن تأثره بالرسالة الصادرة عن ملك شريف علوي. بعد الرسالة الملكية كثر المسئولون المُعزون. بعد أربعة ايام رجع عليوة للسجن حيث يقبع منذ عام دون محاكمة بتهمة ارتكاب «اختلالات مالية وفساد إداري» أيام كان مديرا عاما لبنك القرض العقاري والسياحي.

ما اسم هذا، وما تفسيره؟ بعد تصفح الجرائد المغربية لأيام: لا جواب. أو توجد أجوبة لم أفهمها تماما. في المغرب، كل جريدة تتأسس تبتكر صحافيين خاصين بها. عشرات لم يكتبوا في حياتهم يصيرون صحافيين موسميين منذ يوم تعيينهم. وهذا عجب. يتم تجنب تعيين كتاب مواظبين لديهم أسلوب ورأي.
صمت المفسرون الكبار، هاجر الصحافي الكبير أبو بكر الجامعي. ليّن رشيد نيني رأس قلمه بعد سجنه عاما. بالمقابل كثر كتاب المقالات الإنشائية الذين لا يدركون معنى المفاهيم التي يستخدمونها. أما في التلفزيون المغربي فلا مكان لتلك الأسئلة.
في المغرب وكوريا الشمالية لا توجد قنوات تلفزية خاصة. طبعا تتبنى حكومة رئيس الوزراء بنكيران الليبرالية الاقتصادية في أعنف أشكالها. تريد رفع الدعم عن المواد الأساسية. لكن لا يخطر ببال الحكومة رفع اليد والرّجْل عن الإعلام العمومي. في انتظار ذلك، لا مكان لـ«توك شو» مفتوح في التلفزيون المغربي. في انتظار أن تخجل الحكومة وترخص بإطلاق سراح التلفزيون، سأعرض عينة من توك شو مغربي في مقهى.
هو توك شو ذكوري أساسا. فوقت الفراغ يتوفر للرجال أكثر. في المدن الصغرى يُسمح للنساء بالجلوس في مقاهي المحطات الطرقية حين يكن مسافرات. في المدن الكبرى يجلسن في الصالونات الخلفية. على الواجهة يجلس الرجال. تقع المقاهي المغربية في مواقع تسمح للزبائن بالتحديق في المارّات... مقاهي صممها تجار، لذا فهي مجرد كاراجات فيها كراسي. في كل مقهى صورة للملك يشرب شايا. في الأماكن الفخمة تخدمك غالباً نادلة، وقد انتقل ذلك للمقاهي الشعبية، وفيها يختار صاحب المقهى نادلة شابة جميلة لجلب الزبائن. هنا يحصل الزبون على الكافيين لمواجهة ضجر الأيام، كما يحصل على ما يشبع نهمه للنميمة والرأي والتحليل.
في كل مقهى يكون هناك مثقف فقير ينتج رأيا. يلجأ له الزبائن ليشرح ويعلق. يعتبرون أن لديه مصداقية أكثر من التلفزيون. يجلب جرائده ويحرص على أن يكون أول من يفتحها. يشعر بأنها فقدت شيئا إن فضّها غيره. يطالع الجرائد ثم يعلق على صحافيين يكتبون أضعاف ما يطالعون. مشكلته أنه شفوي، ينطق دررا ولا يحرر. يفقد المقهى نكهته حين يغيب ذلك المثقف. وهو مفيد بقدر عدم استعماله مواقع التواصل الاجتماعي. تساعده عزلته على تقديم تفسيرات عميقة ونادرة.
يقول عن البرامج الحوارية انها تستدعى ضيوفا لا ينتجون خطابا: ضيوفاً مخاتلين يتجنبون أن يحددوا في أي جهة يقفون. يرددون بادي الرأي. يمخضون الوحل ويرمون به المتفرجين. لماذا يُستدعى مثل أولئك الضيوف؟ يستدعون للتغطية عمّن يملكون آراء أصيلة وحججا متناسقة للدفاع عنها.
في المقهى تجري المقارنات الضرورية. في مصر، وفرت القنوات الخاصة متنفسا إعلاميا فأفقدت الجزيرة القطرية احتكارها. نرى يسري فودة يفيد ويمتع. وهو مثقف يدير الحوارات بمهارة. في المغرب، منذ طردت الصحافية مالكة ملاك من القناة الثانية، صار بعض الموظفين الذين لم يكتبوا مقالا واحدا - إعلاميين يسيّرون النقاش بطريقة ميكانيكية.
ما هي معايير انتقاء ضيوف التلفزيون؟ يجري التركيز على نخب الرباط والدار البيضاء، عبر استدعاء من يمثلون المصوتين داخل الأحزاب. تُحابي التلفزة سلطة الهيئات الحزبية والجمعوية. فحين يكون هناك لقاء حول الشباب يُطلب من الحزب الفلاني انتداب ممثل عنه للمشاركة في الحوار. النتيجة كل من لم يتخندق في تنظيم تموله الدولة يُقصى. يقصى حادو الرأي بينما تطفو الفقاعات إعلاميا. في حين تغرق الأسماء الثقيلة التي لا تحبها التلفزة. هكذا جرى تهريب التلفزيون عن مشاكل البلد وعن صناع الرأي المؤثرين.
بفضل مثقف المقهى تتكشف الخلاصات. فالمقهى فضاء لكسر الرتابة، للتثقيف، لتبادل المعلومة مع من ننتقيهم أو مع من يتسلط على طاولاتنا. مؤخرا تلوث هذا الفضاء بالثرثرة على الهاتف، لذا يرفع المتحدثون أصواتهم. يتمتع نقاش المقهى بسقف حرية عال، وفيه يطرح المتحاورون أسئلة عميقة منها: كيف سيفسر قاضي التحقيق التعزية الملكية؟ هل يليق أن يعود للسجن من تلقى برقية ملكية تمتدح كفاءته؟
كتبت الصحافة «التفاتة ملكية وراء حضور عليوة جنازة والدته»، قال منظر المقهى شارحا: بما أن وزير العدل لا صلة له بالاعتقال فلا صلة له بالترخيص. كيف نتأكد أن المتهم عاد للسجن؟
يصمت المتحدث ثم يعلن أنه لا يفهم. وينتصب السؤال: أين نحن وإلى أين نتجه؟ هناك مشكل في البوصلة.
الملك رئيس السلطة القضائية «يعزي» معتقلا على ذمة التحقيق.
ما جريمة السيد عليوة؟ سكن في فندق خمس نجوم لمدة عام مجانا؟ هذا فساد ميكروسكوبي. ربط المتحدث بين الترخيص وبين محاكمة موظف سرّب وثائق عن امتيازات خيالية لوزير المالية السابق. وبين قاض أرغم مواطنا على تقبيل حذائه. ثم تساءل: إلى أين يبحر البلد؟ في المقاهي يقترح كل متحدث جوابا. يسهل أن يقول كل واحد أنه مع أو ضد. لكن لماذا؟ صعب.
زعم معلق أن المتهم لم يكن في السجن بل يعيش في الخارج، وحين حضر جنازة أمه قال القاضي أنه رُخِّص له. حذّر معلق من أن يكون خروجه تمهيدا لهروبه من المغرب... جدل على حدود السريالية. لكن الواقع نفسه صار سرياليا. فتمركز السلطة وغموضها يسمح بكل التفسيرات العبثية.
بعد طول تأمل، قال موظف: هذه حكومة مثل البغلة، هي أنثى ولكن لا تلد. يتمدد النقاش ثم يبرد ويسود صمت ويشعر المتحاورون أنه توجد رائحة عفونة شديدة في الجو. هل سيقود ذلك للتغيير في المغرب؟ كل لاعب رئيسي له نصيبه من الكعكة. فمن سيطالب بالتغيير. الشعب؟ أين هو الشعب؟
نقاش المقهى ميزان لقياس حال البلد، نقاش هو مزيج من تفسيرات أكاديمية وشعبية وشعبوية. لا بد من تلفزة مغربية حرة ليرتفع النقاش فيها إلى مستوى نقاش المقهى.

مقالات من المغرب

أنا وليالي الضّوء في الغابات

لم أتوقف عن الرسم، لأنني تعلّمتُ نقش الحناء بسرعة بعدها، لوجود جمهور متحمس، مع إمكانية الاختراع، وانجذاباً إلى رائحة الحناء، وتدرجات اللون البني على الأصابع والراحات والأكفّ. كنتُ أخترع بنفسي...

الحرّية للصحافيين والسّجن للصحافة

الصّحافيون الثلاثة الأشهر الذين أُفرج عنهم، أُدخلوا السّجن بتهم جنسية، لا بتهم متعلقة بحرّية الصّحافة أو الرأي، كما هو الواقع. وهي استراتيجية مباشِرة إلى درجة تثير السخرية، لكنها أيضاً لئيمة...

للكاتب نفسه