دكاكين التجميل لغسل الأدمغة

كان المغاربة يتوقعون أن تفوز دنيا باطما بالمسابقة الغنائية «عرب أيدُل» (2012) لأن صوتها كان قويا. لكن الفوز آل للمصرية كارمن سليمان. خلّفت النتيجة غضبا وغيرة وطنية في المغرب. وبعد مدة، انتشرت تفسيرات مفادها أن وجه المصرية كارمن أنسب لشركات الإعلان. هكذا اتضح أن المسابقة الغنائية توّجت أحسن صورة وليس أحسن صوت.الحل؟قررت دنيا باطما أن تصلح وجهها لتنجح
2013-04-10

محمد بنعزيز

كاتب وسينمائي من المغرب


شارك

كان المغاربة يتوقعون أن تفوز دنيا باطما بالمسابقة الغنائية «عرب أيدُل» (2012) لأن صوتها كان قويا. لكن الفوز آل للمصرية كارمن سليمان. خلّفت النتيجة غضبا وغيرة وطنية في المغرب. وبعد مدة، انتشرت تفسيرات مفادها أن وجه المصرية كارمن أنسب لشركات الإعلان. هكذا اتضح أن المسابقة الغنائية توّجت أحسن صورة وليس أحسن صوت.

الحل؟

قررت دنيا باطما أن تصلح وجهها لتنجح أغانيها وفق قاعدة «أجمل ما تسمعه العين» التي رافقت ظهور هيفاء وهبة. ما ثمن اللوك الجديد؟ تقطيع اللحم والتدخل في الطبيعة.
للأمانة التاريخية، فالتجميل ليس تخصصا نسائيا. بل مطلب يموله الرجال. وقد تحدث بيير بورديو عن الحاجة لاستعراض مضبوط للجسد الأنثوي كدليل على «التحرُّر»...، استعراض يبرز جسدا جاهزا للفتنة والإغواء طبقا للتوقعات الذكورية. وقد اشتدت موجة التجميل حتى أن سلفياً في برلمان مصر المُنحل حرّم التجميل، وأعلن تعرضه لاعتداء يفسر الاربطة والضمادات على وجهه. ثم اتضح أن أنور البلكيمي كذب لأنه أجرى عملية لتجميل مناخيره... ومن باب ركوب الموجة، قررتُ تعديل أسناني. لأسبوع وجدت أن كل المواعيد محجوزة عند الطبيب. الأسنان هي واجهة الفرد. وفي هذا نظر لقول الشاعر الجاهلي الأعشى يتغزل بحبيبته «غرّاء فرعاء مصقول عوارضها»، أي أسنانها الأربعة العليا مصقولة. لذا فالكثيرون يقتلعون أسنانهم السليمة بذريعة أنها غير مصقولة. المشكل أن الأسنان المستعارة المصقولة لا تعض جيدا. لن أعدِّل أسناني.
في زيارة استطلاع لدكان الجمال المسمى «عيادة متخصصة في جراحة التجميل»، يجلس الزبائن على أرائك متقابلة. كان هناك إحساس يرفرف في الجو على أن كل واحد من الحاضرين يقر أنه غير راض على شكله. لا يقتصر هذا الوضع على المواطن العادي، بل صار الزعماء السياسيون يعدِّلون أشكالهم ويجملون صور أنظمتهم.

كيف؟

عن طريق استئجار خدمات شركات العلاقات العامة الغربية. مهمتها تقديم النصائح وتنظيم أنشطة تلميع وتجنيد «لوبيات» تمتدح البلد المعني في صالونات لندن وباريس وواشنطن. ويجري توظيف سياسيين كبار سابقين كمستشارين. هكذا يجد قادة أوروبيون متقاعدون وظائف جديدة أعلى ربحية. وقد اغتنى طوني بلير بعد تركه الوزارة. مؤخرا حاضر كل من بيل كلينتون ودومينيك ستروس كان في الدار البيضاء. وحاليا يقيم نيكولا ساركوزي في مراكش، في فيلا مساحتها 1500 متر ويبيع خبرته في إفريقيا والشرق الأوسط. وقد ذكرت الصحف أن أمير قطر عرض عليه تولي تسيير صندوق استثمارات فيه 500 مليون دولار... وكل هذا سيجعل المغرب «عالميا». وبفضل البترودولار صارت الشيخة موزة ديانا الجديدة.
في بداية 2010، أنفق حسني مبارك كثيرا لتجميل صورة نظامه. كذلك دفع القذافي الملايين «لتعزيز التفهم الدولي والتقدير لدولة ليبيا»، وإبرازه ـ القذافي ـ كمثقف. الغريب أن الدكتاتور يريد أن يصير مثقفا بينما يكره المثقفين ويطبق فيهم وصية جوزيف غوبلز «كلما سمعت كلمة ثقافة أخرجتُ مسدسي». وقد عمل وزراء الإعلام العرب بهذه النصيحة فحاربوا كل فكر نقدي وجعلوا وسائل الإعلام الحكومية مضجرة وسطحية... وصل الإعلام المصري للحضيض في يد الشرطي صفوت الشريف. وصار العراق مسخرة على لسان سعيد الصحاف عدو «العلوج».
في المغرب كان وزير الداخلية وزيرا للإعلام أيضا. كان يغسل الدماغ الشعبي يوميا. قبل أربع وعشرين ساعة من أية زيارة ملكية لمنطقة ما، تُصبغ جدرانها وتعبّد طرقها وتنبت فيها الأشجار والورود بكثافة، ويُنقل آلاف المواطنين بالشاحنات للوقوف على الرصيف والهتاف باسم جلالة الملك، وتعرض التلفزة هذا المشهد. يسخر المغاربة من تلفزتهم، يسمون خطها التحريري «العام زين»، وهذا تعبير يردده الفلاحون حين يكون المحصول جيدا. المشكل أن تلفزتنا تردد «العام زين» في كل الظروف، وحتى في 2013. وإذا أشار التلفزيون لمشكلة ما في البلد، فهي حادثة سير أو جريمة قتل أو قلة ماء في قرية بعيدة. والباقي على ما يرام. وحتى حين تصور تلفزتنا طريقا غير معبدة فلا بد من الخدع الإعلامية: تصور الكاميرا الواقعة. تعطي الميكروفون لمواطن ليشتكي لعشر ثوان. ثم تمنح الميكروفون لمدة دقيقة لمسؤول حكومي ليخبرنا أن المشكل سيُحل، وقد تمت دراسة الجدوى وصودق على الميزانية وستبدأ الأشغال... وهذه ديماغوجية مكشوفة، لأن الخبر هو التركيز على ما جرى وليس التغطية عليه بما سيقع في المستقبل. يصغي الصحافي المتواطئ ولا يطرح السؤال الحقيقي على المسؤول: «ولماذا تأخرتم؟». يقول المغاربة «الشفوي لا يداوي».
هكذا يجري غسيل الدماغ ليرى الشعب قائده رائعا ملهَما. ما هي الصورة الجيدة للقائد؟
أن يكون شعره أسود دائما كأنه أكل لحم فرخ الرخ المذكور في ألف ليلة وليلة. قديما قال المتنبي «وليس الحسن في وجه الفتى شرفا له»، مع ذلك نجد زعماء تجاوزوا السبعين بشعر أسود وخد مشدود... حتى الدعاة يزرعون الشعر لإخفاء صلعهم...
أن يكون الزعيم مؤمنا بمساواة الرجال والنساء. أن يحب الثقافة، ومن الأحسن أن يظهر يخطب كمثقف. أن يحب الرياضة، وأن يظهر في صور يهنئ الفائزين. أن يعلن إيمانه المطلق بقيم الديمقراطية وحرية الإعلام وحق الشعب. أن يظهر كقائد عطوف إنساني، يمشي في الأسواق ويأكل فيها.
عندما تخبرنا وسائل الإعلام المأجورة بهذه الصفات كل يوم، يصير النظام الذي يتزعمه فخامته وجلالته جميلا مثله. مع الزمن، يصدِّق القائد المرآة التي استعارها فيفقد الصلة مع واقعه. حين تأتي الرياح بغضب الشعب تقتلع كرسي القائد مع صورته وتمثاله. حينها، لا ينفعه تكرار قوله: فهمتكم فهمتكم...

مقالات من المغرب

أنا وليالي الضّوء في الغابات

لم أتوقف عن الرسم، لأنني تعلّمتُ نقش الحناء بسرعة بعدها، لوجود جمهور متحمس، مع إمكانية الاختراع، وانجذاباً إلى رائحة الحناء، وتدرجات اللون البني على الأصابع والراحات والأكفّ. كنتُ أخترع بنفسي...

للكاتب نفسه