قوانين القبيلة لتزويج سكان المدينة

بعد خطوبتها توجهت شابة في مدينة مغربية كبيرة لتحرير عقد زواجها لدى مكتب العدول. طلب منها المكلف بتوثيق الزواج إحضار «شهادة الخطوبة». وهذه وثيقة يُشترط للحصول عليها وثائق عدة. منها نسخة أصلية من شهادة الميلاد. وهذه لا تُستصدر إلا من مكان ميلاد الفرد. ومنها شهادة العزوبة. وهي مبنية على شهادة بالشرف تصادق عليه الشابة. لكن هذا لا يكفي. إذ يجب على «المقدم» وهو أصغر موظف
2013-05-08

محمد بنعزيز

كاتب وسينمائي من المغرب


شارك
| en
فاطمة حسن - المغرب

بعد خطوبتها توجهت شابة في مدينة مغربية كبيرة لتحرير عقد زواجها لدى مكتب العدول. طلب منها المكلف بتوثيق الزواج إحضار «شهادة الخطوبة». وهذه وثيقة يُشترط للحصول عليها وثائق عدة. منها نسخة أصلية من شهادة الميلاد. وهذه لا تُستصدر إلا من مكان ميلاد الفرد. ومنها شهادة العزوبة. وهي مبنية على شهادة بالشرف تصادق عليه الشابة. لكن هذا لا يكفي. إذ يجب على «المقدم» وهو أصغر موظف في وزارة الداخلية، أن يقوم ببحث ميداني ليتأكد بأن الشابة المخطوبة لم يسبق لها الزواج. وآخر إجراء سنّته وزارة الداخلية لضبط الزواج هو إلزام الخطيبة بإحضار شاهدَين ذَكَرَين بالِغَين من غير أقاربها للشهادة بأنها عزباء، أي لم يسبق لها الزواج. سيثبت المقدم بشهادته أن الشابة عزباء اجتماعيا. وسيثبت الطبيب بأصبعه أنها عزباء بيولوجيا.
بعد بحث مرهق تمكنت الخطيبة من نقل رجلَين إلى مقر «المقدم» ليشهدا من خلال وثيقة مصادق عليها أن الشابة لم يسبق لها الزواج.
فحص المقدم بطاقتَي تعريف الرجلَين فوجد أن عنوان سكنهما ليس هو العمارة نفسها التي تقطنها الشابة. بل اتضح أن أحد الشاهدَين لديه بطاقة منتهية الصلاحية ولم يطالب بتجديدها. وصار ملزما بدفع غرامة. وقد شرح له المقدم السبب. فالقانون ينص على ضرورة تجديد بطاقة الهوية الشخصية في حالات تصحيح مكان الولادة أو رقم عقد الحالة المدنية أو النسب، وتغيير السكن. كل تغيير للبطاقة يستتبع دفع تسع دولارات. وكل تأخير يستتبع غرامة قدرها خمسة وعشرون دولارا.
حزنت الشابة لأنها ورطت الرجل الذي جاء «لجمع رأسَين في الحلال». وشرحت للمقدم أن الرجل يسكن في العمارة المجاورة، وأنه حتى في فرنسا، حيث الدولة البيروقراطية الأصلية شديدة الحضور في الحياة اليومية للناس، لا يُلزَم المواطن بتغيير بطاقته حين يغير السكن. بل يُغير القيد في البلدية من اجل الاقتراع فحسب. (لا توجد غرامة على عدم تغيير قيد الاقتراع في المغرب).
صعّدت الشابة احتجاجها في السلم الإداري. دخلت في جدال مع القائدة المسؤولة عن الحي، (في المدن الكبرى تعين وزارة الداخلية نساء في هذا المنصب منذ خمس سنوات تقريبا، أقدِّر أن يكون لدينا في المغرب 1000 قائد و50 قائدة). تساءلت الشابة: لماذا هذه التعقيدات؟ لماذا تكتب المدينة والدائرة والحي والشارع ويجب تغيير ذلك باستمرار؟ لدي بطاقة هوية إلكترونية وينص القانون على أن حاملها يعفى من الإدلاء برسم الولادة، وشهادة الإقامة، وشهادة الحياة، وشهادة الجنسية في جميع الاجراءات الادارية التي تتطلب الإدلاء بهذه الوثائق. فلماذا تستمر الإدارة بتعقيد حياتنا بطلب هذه الوثائق؟
أجابت القائدة: لضبط الهجرة الداخلية.
وهذا هدف سياسي لا يهم الأزواج، ولكنهم يتعرضون للمحنة بسببه. مرّتْ لحظة صمت أدركتْ خلالها القائدة المبتدئة أنها كشفت معلومة لم يصرح بها قائد عتيق في المنصب. تأملت الشابة لافتة موضوعة في المكتب وعليها شعار الحكومة: «إياكم والرشوة».
غادرت الشابة غاضبة، قادت سيارتها فارتكبت مخالفة، أوقفتها شرطية وأخذت منها وثائق السيارة. ألقت الشرطية نظرة على الشابة. كل ملابسها جديدة ونقش الحناء مبهر على يديها. اعتذرت الشابة لأنها تسرع لجمع وثائق الزواج، ثم سألت الشرطية: هل أنت متزوجة؟ أجابت: لا. فقالت لها الشابة: تعالي أقرصك.
مدت الشرطية ذراعها وقرصتها الشابة على أمل أن تتزوج أيضا. وهكذا أرجعت الشرطية الوثائق للشابة بفرح.
عادت الشابة لجلب شاهدَين جديدَين، طرقت أبواب الشقق في العمارة في الساعة الحادية عشرة صباحا. مرة لا أحد يرد، وغالبا تتلقى أجوبة: البيت فيه نساء لا تُقبل شهادتهن. مرة يرفض الجار الشهادة. مرة يوافق غيره فتسأله هل العنوان المسجل في بطاقته هو عنوان العمارة، فيقول لا. هكذا تحولت رحلة جلب الوثائق إلى رحلة جحيم؟
من أين جاءت هذه القوانين؟
من أعراف القبيلة، وفيها يكفي شاهدان للزواج. وفيها أيضا يمكن لامرأة حتى بعد وفاة الزوج - مع عدم وجود العقد أن تقدم اثني عشر شاهدا بأنها زوجته فترثه. في القبيلة الناس يتعارفون، وهم رجال ثقاة، لشهادتهم الشفوية قوة الوثيقة المصادق عليها، بينما في العمارة الناس لا يتعارفون. والسكان غير مستقرين. ثم إن المدينيين لا يملكون وقت الفراغ للذهاب للشهادة في محكمة أو إدارة.
بينما ساكنة البلد تتمدن، يتم استنساخ قوانين البادية للمدينة. طبعا توجد فروق بين المكانين. تستخدم الدولة تشريعات العرف القبلي، وذلك باعتماد الشهود لتحرير الوثائق. وقد زادت هذه الحاجة منذ عرقل قانون الأسرة المغربي تعدد الزوجات باشتراط حصول الزوج على موافقة الزوجة الأولى قبل الزواج من الثانية. كثر التزوير. كل رجل يريد الزواج ثانية يزعم أنه أعزب. وكثيرون زوروا الوثيقة.
لذلك طلب من الشابة جلب شهود من عمارة فيها 20 شقة لا يتعارف سكانها. شهود لديهم العنوان نفسه على البطاقة. فشلت الشابة فشرعت توبخ المقدم. فسألها: وهل على بطاقتك العنوان نفسه الذي تسكنينه؟
فجأة اكتشفت الشابة أن العنوان على بطاقتها يزيد عن خمس سنوات، ولا يطابق عنوان العمارة. لذا عليها أن تغير العنوان في البطاقة. كيف؟ أن يحرر والدها شهادة يقر فيها أن ابنته تسكن معه. قالت الشابة أن والدها متوفى. فطلب منها المقدم جلب شهادة وفاة.
تأملت الشابة اللافتة فرأت الشعار الحكومي وكأن «إياكم» قد حذفت منه.

مقالات من المغرب

الحرّية للصحافيين والسّجن للصحافة

الصّحافيون الثلاثة الأشهر الذين أُفرج عنهم، أُدخلوا السّجن بتهم جنسية، لا بتهم متعلقة بحرّية الصّحافة أو الرأي، كما هو الواقع. وهي استراتيجية مباشِرة إلى درجة تثير السخرية، لكنها أيضاً لئيمة...

للكاتب نفسه