السروال سلالة من العمّة للخالة

هل ما كتبتَه في "قوانين القبيلة لتزويج سكان المدينة" مبالغ به؟ إذ هل يعقل أن تقبل فتاة أن يفحص طبيب عذريتها؟ وما الذي يجري حين يفحص الطبيب المحلف بنتا فيكتشف أنها ليست بكرا؟ بداية أؤكد أن طلب الشهود لإثبات العزوبية قرار إداري لوزارة الداخلية في مغرب 2013. وأما أصبع الطبيب فموثق بشهادات الفتيات اللواتي يضعن تقرير الكشف الطبي ضمن ملفهن الرسمي. وبالنسبة
2013-05-30

محمد بنعزيز

كاتب وسينمائي من المغرب


شارك
بشرى بلقائد

هل ما كتبتَه في "قوانين القبيلة لتزويج سكان المدينة" مبالغ به؟ إذ هل يعقل أن تقبل فتاة أن يفحص طبيب عذريتها؟ وما الذي يجري حين يفحص الطبيب المحلف بنتا فيكتشف أنها ليست بكرا؟

بداية أؤكد أن طلب الشهود لإثبات العزوبية قرار إداري لوزارة الداخلية في مغرب 2013. وأما أصبع الطبيب فموثق بشهادات الفتيات اللواتي يضعن تقرير الكشف الطبي ضمن ملفهن الرسمي.
وبالنسبة لأهمية "البكارة"، فأذكر أن حكومة الإخوان في مصر تقدمت بطلب رسمي لجمهورية الصين الشعبية لوقف تصدير غشاء البكارة وكادت تقع مشكلة دبلوماسية. وهناك من أفتى بقتل مستورد سلعة الشرف تلك.
في المغرب للبكارة أهمية مطلقة. وعندما تغيب تقع مشاكل. ولهذا حالات واقعية تقف على حدود العبث. فعندما تقع خطوبة ثم يتضح أن البنت ليست بكرا، تُفسخ الخطوبة ويفترض أن ترد الهدايا التي حصلت عليها للخطيب. أما إذا اكتشف أنها ليست بكرا بعد كتابة عقد الزواج فيقع نزاع يصل للمحكمة، وقد وقفتُ على حالات عند الكتاب العموميين الذين يكتبون الشكاوي دون نسيان الحالات التي جرت في العائلة.
وكل هذه حالات بسيطة. الخطير هو عندما تسير الأمور بخير ولا يتم اكتشاف غياب البكارة إلا ليلة الدخلة، أي في الرابعة صباحا من ليلة الزفاف. حينها تقع فضيحة ويتشتت أهل العريس والعروس. في البادية يتسلم الأشقاء العروس التي "مرغت سمعتهم في التراب" وتضرب بالعصي. في المدن يسود صمت، ومن صباح الغد تجري الاستعدادات للطلاق.
يترافق الإعلان عن البكارة بطقوس خاصة. ففي البوادي يتم إدخال العريس والعروس غرفة ويرقص الناس في الباب في انتظار السروال. وعندما يتأخر العريس في "الإفتراع" تسود الشكوك فيزعم أهل العريس أن البنت ليست بكرا، ويزعم أهل العروس أن العريس ليس "فحلا"، أو به سحر صنعه الحساد لتعطيل الانتصاب.
في النهايات السعيدة، عندما يقع "الافتراع"، تحمل أم العروس السروال لتعرضه. تفحص العيون الشكاكة لون الدم: إن كان أحمر قانيا فمنْ نحر دجاجة. وإن كان أحمر باهتا يميل للصفرة فهو دليل العفة والبراءة، وحينها يتحمس المغنون والراقصون. يوضع السروال في صينية تحملها امرأة على رأسها وتخرج في جولة في الأحياء المجاورة ليرى الأصدقاء والأعداء قطرة الدم، دليل الشرف.
في تلك الجولة، يردّد المغنون كلمات جنسية لا يجوز قولها في غير تلك المناسبة. ومنها "ها السروال سلالة من العمة للخالة"، أي أن الشرف ممتد في السلالة من عمة العروس حتى خالتها... هكذا يشعر رجال العائلة بالفخر.
عادة يندد الرجال بهذه السلوكيات. لكنهم يحرصون عليها في عائلاتهم. حتى الذين تلقوا تعليما عاليا يرفضون الزواج بفتاة فقدت بكارتها، وقد يصرحون بعكس ذلك. لكن العبرة بالأفعال لا بالأقوال. وحتى حين يقع الزواج بدون بكارة، فيسبّب ذلك للزوجين جرحا نفسيا أبديا. وقد تناول الروائي المصري صنع الله إبراهيم ذلك في رواية "ذات"، حين ظن الزوج أنه تسلم بضاعة سليمة ثم اكتشف أن آخرين عبثوا بها قبله.
وهذه وقائع بحث. ففي أسواق المغرب اليوم تباع بكارة صينية بعشرين دولارا. مشكلتها أنه يجب استعمالها من طرف البنت بوقت قليل قبل الدّخلة مما يجعل الأمر صعبا. لذا من الأفضل شراء بكارة بألف دولار. البكارات الأغلى ثمنا تدوم وقتا أطول وتجنب مُستخدمتها التوتر والحذر الشديد الذي يجعل وجهها بلا دم من الخوف. هكذا شرحت لي بعض البنات اللواتي يعتقدن بإمكان "شراء الشرف" لتجنيب أمهاتهن الإهانة.
في الطبقات الشعبية في المدن والبوادي، ما زال "سروال الشرف" أساسيا في الزواج. لهذا يقصد الكثير من أبناء المدن البوادي للزواج من بنات أبكار بخلاف بنات المدن الفاسدات.
طبعا يقال حاليا أنه في الطبقة الوسطى تراجعت هذه السلوكيات، وأن الشرف البيولوجي لا يعني الكثير. صحيح. تراجع الحديث عن البكارة. لكن في حالات معينة. مثلا عندما يتم الزواج من أرملة أو مطلقة لأنه معلوم أنها ليست بكرا. لكن غالبا ما لا يتزوجها إلا شخص سبق له الزواج، أي "دشن" بالبكر. كذلك لا يثار الموضوع نهائيا بين خطيبين عصريين، مارسا الجنس في علاقة سابقة على الزواج. حينها يتحقق تفاهم بالمعاشرة. وبذلك يعرف العريس أين يضع "قدمه"، وهكذا يتم استباق الفضيحة وتجنبها، وتزور البنت وحبيبها الطبيب ويُرشيانه فيحصلان على شهادة تثبت سلامة البكارة لعرضها على أفراد العائلة لتطمئن قلوبهم.

            
 

مقالات من المغرب

الحرّية للصحافيين والسّجن للصحافة

الصّحافيون الثلاثة الأشهر الذين أُفرج عنهم، أُدخلوا السّجن بتهم جنسية، لا بتهم متعلقة بحرّية الصّحافة أو الرأي، كما هو الواقع. وهي استراتيجية مباشِرة إلى درجة تثير السخرية، لكنها أيضاً لئيمة...

للكاتب نفسه