"سكيزوفرينيا" السلطة والفرد في المغرب

منذ تشكيلها، تواجه الحكومة التي يقودها الإسلاميون في المغرب مآزق أخلاقية وسياسية. بعضها يعالج بسكيزفرينيا واضحة على مستوى الدولة وعلى مستوى الفرد. يمكن مقاربة هذه الممارسة السياسية والاجتماعية من مداخل متعدد ألذها عصير الشعير والعنب.في شوارع المغرب يُعتقل أشخاص ويحاكمون بتهمة شرب أو بيع الخمر لغير المسلمين. اتهم زعيم حزب الاستقلال نصف أعضاء الحكومة الملتحية بشرب الخمر. لم يقم المدعي
2013-06-26

محمد بنعزيز

كاتب وسينمائي من المغرب


شارك
فاطمة حسن فروج ــ المغرب

منذ تشكيلها، تواجه الحكومة التي يقودها الإسلاميون في المغرب مآزق أخلاقية وسياسية. بعضها يعالج بسكيزفرينيا واضحة على مستوى الدولة وعلى مستوى الفرد. يمكن مقاربة هذه الممارسة السياسية والاجتماعية من مداخل متعدد ألذها عصير الشعير والعنب.
في شوارع المغرب يُعتقل أشخاص ويحاكمون بتهمة شرب أو بيع الخمر لغير المسلمين. اتهم زعيم حزب الاستقلال نصف أعضاء الحكومة الملتحية بشرب الخمر. لم يقم المدعي العام بمتابعة أي وزير ولم يلاحق الزعيم المذكور بتهمة القدح والذم، ولا رفع اي من الوزراء دعوى تشهير او افتراء عليه. مؤخرا أجلّت بمدينة تازة (شمال شرق المغرب) محاكمة 11 شخصا تم اعتقالهم أثناء فض وقفة احتجاجية على فتح متجر لبيع الخمور. مرة صرخ معتقل في وجه القاضي «أرى أن الذين يشربون الويسكي يحاكمون من يشربون «الروج» (أو الأحمر). والروج هو النبيذ.
عمليا الشرطة لا تحارب بيع الخمر، بل تحارب محلات بيع الخمور المغشوشة أو غير المرخصة، أما المحلات المرخصة فهي مفتوحة نهارا جهارا وعليها إقبال. في المغرب يعتقل من يبيع الخمر بدون رخصة، ويعتقل من يحتج على بيع الخمر. كشفت الصحف أن 1000 هكتار من أراضي وزارة الأوقاف مكتراة لمزارعي الحشيش، (أعرف أن هذا غير ذاك، وأنه لا نص شرعي على تحريمه، وهو يبقى خياراً أو ملجأ لمن تتقطع به سبل الخمر). يحصل أئمة المساجد على أجورهم من مداخيل هذا الكراء.
هذا نموذج مصغر لوضع الإسلاميين في مواجهة مزاج العصر الذي يقدس «الحرية الفردية الفاجرة». وبما أن الإسلاميين يتقلدون المسؤولية، فقد انتقل هذا الإشكال إلى قلب الدولة التي يجب أن يحسموا أمرها، فهل هي دينية أم مدنية. وبالنظر لميزان القوى الحالي في المغرب فهم لا يحسمون. من هنا السيزوفرينيا السائدة.
بالأرقام، خلال سنة 2011 شُرب 118.1 مليون لتر جعة وخمر في المغرب. تريد الحكومة منع الخمر لكنها زادت ضرائبه. في 2013 ستبلغ عائدات ضرائب الخمر حوالي مليار دولار حلال. هنا مملكة الضريبة. 70 في المئة من الثمن الذِي تبَاعُ به علب السجائر يذهب كضريبة إلى خزينَة الدولَة. تساهم عائدات الضرائب بأكثر من 80 في المئة من ميزانية الدولة المغرب. ضرائب تفقر الناس.
يتمثل إثم الحكومة أنها تأكل ثمن الخمر وتدفع به الأجور. كيف يكون الخمر حرام وتكون ضرائبه حلال؟
لتبرير ذلك، يقول أنصار الحكومة إن الخمر ضروري لازدهار السياحة لأنه يباع للأجانب. وهذه حجة اقتصادية لا يعلى عليها. لديهم تبرير أخلاقي أيضا: قلصت زيادة الثمن عدد الكؤوس التي يشربها عشاق العصير. وهذه حسنة. ثم إن «الضرورات تبيح المحظورات».
الخمر حرام. هذا حكم ديني، وإن كانت فيه اجتهادات ليس مجالها هنا. لكن الحكومة الاسلامية لا تملك منعه، فهناك توازنات للمراعاة، وهذا حكم سياسي يقبل تعدد ألوان الطيف. أمام هذه التناقضات، فكثيرون ممن ساندوا الإخوان المسلمين لأسباب أخلاقية، يتراجعون عن مساندتهم للأسباب نفسها. هذا انفصام على مستوى الدولة، وهو يعكس انفصاما على مستوى الفرد. ويغفر للحكومة لأنها تشبه الشعب كثيرا.
حين بدأ شهر رجب الخير، عاش عشاق عصير الشعير والعنب حالة طوارئ. إنهم يلقون نظرة فاحصة على الرزنامات ويعدون الأيام عن لمعرفة متى يبدأ شعبان... لا بد من وقف الشرب أربعين يوما قبل دخول رمضان. وهي المدة المقدرة لزوال الكحول من الدم لاستقبال الشهر الفضيل بشكل لائق وليس مع الحرام. وما أن يعلن العيد بظهور الهلال حتى يستعيدوا علاقتهم بالكأس. وفي هذا نوادر تلخص ذهنية الانفصام السائدة في التعامل مع القوانين الدينية. فهي مقبولة جملة وتفصيلا. لكن يمنح الفرد نفسه استثناءات. ويحكى أن رجلا جلس يشرب في حانة وطلب لحما «للقطعة» فجاءوه به فسأل عن نوعه فقرر أن «لحم الخنزير حرام، لا آكله» وتابع الشرب... وجاء في الأثر : غانية وكأس أخطر على المسلمين من ألف مدفع. هذا ما يفسر التسامح مع الحروب الأشد دموية والغضب بشدة من نقص لباس النساء (الغواني). وكان أقوى ما قاله الإمام مالك في ذم الخمر. لكن الكأس مدخل للتعايش مع الانفصام.
هكذا يعيش الأفراد في سكيزوفرينيا ذات بعد ديني بين أقصيين، حلال وحرام. آخر جواب مغربي عن هذه المعضلة يخص البنوك الإسلامية التي ارتفعت مطالب بفتح فروع لها بالمغرب. لم يحصل هذا. وهناك توجه لأن تقدم البنوك القائمة منتوجات «حلال».
تتغذى السكيزوفرينيا من تعقيدات الواقع وإكراهاته. وهي عنصر أساسي في صوغ التمثلات التي تقود سلوك الفرد في كل المجالات. فيوازَن بين «الأنا الأعلى» المثالي والـ«هو» الغرائزي، بواسطة «الأنا» الإنساني الذي يضم كل ألوان الطيف.
           
 

مقالات من المغرب

المغرب... مَن أثقلَ جيوب العيد؟

يبدو المشهد مثاليّاً، ولا شيء ينغصّه. فالملابس جديدة، والوجوه هانئة، كأن الحياة بهية والجو بديع. بل تتلوّن الجلابيب أكثر كل سنة، وتبدو أغلى تكلفة وأرفع جودة. فهل صار المغاربة أغنى،...

للكاتب نفسه