"عسل أم قيح زنابير"؟

تتعرض آذاننا لوابل من الكلمات: ثورة، ربيع، مصالحة، ديموقراطية، انتخابات، استقلال، قضاء، حرية، ارحل اسقط انهض... في كل واقعة سياسية واجتماعية تطلق تسميات متضاربة على الشيء نفسه.انقلاب أم ثورة؟ سقط النظام. رائع. سقط رأس النظام. ما الفرق بين الأمرين؟ بقي النظام. رجع النظام الأسبق. ربيع أم خريف؟ حرية أم انحلال؟ هوية أم انغلاق؟ ما الأفضل لنا ولكم: دولة مركزية قامعة أم "لادولة" على حافة
2013-07-24

محمد بنعزيز

كاتب وسينمائي من المغرب


شارك
يوسف عبدلكي (من مرحلة 2000-2013)

تتعرض آذاننا لوابل من الكلمات: ثورة، ربيع، مصالحة، ديموقراطية، انتخابات، استقلال، قضاء، حرية، ارحل اسقط انهض... في كل واقعة سياسية واجتماعية تطلق تسميات متضاربة على الشيء نفسه.
انقلاب أم ثورة؟ سقط النظام. رائع. سقط رأس النظام. ما الفرق بين الأمرين؟ بقي النظام. رجع النظام الأسبق. ربيع أم خريف؟ حرية أم انحلال؟ هوية أم انغلاق؟ ما الأفضل لنا ولكم: دولة مركزية قامعة أم "لادولة" على حافة الفوضى؟ هل يقوم تيار ديني محافظ بثورة؟ وفي أي اتجاه...
تبعثرت اللغة.
في حوارات بين أطراف تجمعهما طاولة، يستخدمون الكلمات نفسها، لكن تفصلهم سنوات ضوئية على صعيد المعنى. كيف وصلوا لهذا رغم أنهم يستخدمون اللغة نفسها؟ يستخدم المتحاورون المفردات ذاتها، فهل يطابق الوصف ما يصف؟
أيجهلون المعاني وقد حوكم بطل رواية الغريب لألبير كامو لأنه "يعرف معنى الكلمات"؟
في المدرسة، ومن باب تدقيق اللغة، كان المدرسون يحرصون على تعريف معاني الكلمات لغويا واصطلاحا. ويكون هذا التحديد المعجمي أساسيا لحصر موضوع الحديث. يميزون بين لغة وظيفية أحادية المعنى وهي مستحبة، ولغة إيحائية تهدد بانزلاقات دلالية. يستحسن تجنبها.
ولترسيخ قيم معينة، كان نظار المدارس يكتبونها على جدران الفصول الدراسية ببنط عريض: "العلم نور والجهل عار"، "حافظ على نظافة مؤسستك"، "إنما الأمم الأخلاق ما بقيت، فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا"، "خير جليس في الزمان كتاب"... المشكل أن الأقوال مأثورة فقدت معناها. طبعا التكرار مضر بالعقل ومفيد للعضلات. من حسن الحظ أن العقل ليس عضلة. فقدت الكلمات معناها من فرط التكرار، تهلهلت المفردات، ما عادت تشير إلى شيء، صارت اللغة معطوبة.
ضمر المعنى في قبر اللغة الخشبية. حتى تعبير "التغطية التلفزية" صار يفهم بمعناه الدارج "التغطية" أي الستر وهو نقيض الغرض الأساسي للإعلام. علمنا الفلاسفة أن درس الفكر يبدأ من درس اللغة. من فاته درس اللغة فاته درس الفكر. إذا كان المتحدثان يستخدمان العقل فكيف لا تطابق الأسماء المسميات؟
كيف يتسبب اختلاف المرجعيات والمصالح في اختيار التسمية؟ من له الحق أن يسمي ما جرى؟ عرف ابن جني اللغة بأنها "أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم". لكن ألا يتسبب سوء الفهم المزمن في إفقاد دورها كنسق من العلامات. ألا تقترب اللغة في هذه الحالة من اللغو؟
كيف انعكست ضبابية الأفق على اللغة؟ ثورة أم انقلاب؟ عسل أم قيح زنابير؟ قديما قال الشاعر المتشائم ابن الرومي عن العسل: هذا مجاج النحل تمدحه – وإن تعب تقل قيح الزنابير.
تبعثرت العلاقة بين الكلمات والأشياء اعتباطيا مع اشتداد التناقض بين الأطراف المتحاورة. من هو المتناقض؟ هو الذي يخالف نفسه. ينفي ما سبق له أن أثبته بالقول أو الفعل.
كيف؟
يهاجم المتحدث الإقصاء، يهاجم الطائفية. يطالب الآخر بالموضوعية. لكن لا يخطر بباله مبدأ التعامل بالمثل. السبب؟
هيمنة وعي مؤدلج من سماته كثرة أحكام القيمة (مع/ ضد، جميل/ قبيح، حلال/حرام) والاقتصار على النظر من زاوية واحدة، وبالتالي تبسيط الظواهر، وأخيرا التحصن "بالماينبغيات"... هذا وعي كاذب يحقق كل شيء في الذهن، بينما الواقع في واد آخر. أليس المطلوب هو أن تثمر الثورات وعيا مطابقا، وعي مرتبط بما يوجد، بما يجري، خاضع لشروط اللحظة التاريخية؟

مقالات من المغرب

أنا وليالي الضّوء في الغابات

لم أتوقف عن الرسم، لأنني تعلّمتُ نقش الحناء بسرعة بعدها، لوجود جمهور متحمس، مع إمكانية الاختراع، وانجذاباً إلى رائحة الحناء، وتدرجات اللون البني على الأصابع والراحات والأكفّ. كنتُ أخترع بنفسي...

للكاتب نفسه