مصداقية «البكالوريا» تتآكل في المغرب

هذا كلام عن المغرب ولكنه يتشارك في الكثير الكثير من صفاته مع سائر بلدان المنطقة.أعلنت وزارة التعليم المغربية على موقعها الإلكتروني نتائج البكالوريا. رغم ذلك، تزاحم الناجحون والراسبون أمام اللوائح في باب الثانويات. ذلك أن الإطلاع على النتائج فرديا في حاسوب أمر غير مفرح، بخلاف مشاهدة النتائج جماعيا. وهذا دليل على الأهمية الاجتماعية لشهادة البكالوريا.في حزيران/يونيو 2013، اجتاز 484
2013-07-31

محمد بنعزيز

كاتب وسينمائي من المغرب


شارك
فرحة نتائج الامتحانات في الرباط

هذا كلام عن المغرب ولكنه يتشارك في الكثير الكثير من صفاته مع سائر بلدان المنطقة.
أعلنت وزارة التعليم المغربية على موقعها الإلكتروني نتائج البكالوريا. رغم ذلك، تزاحم الناجحون والراسبون أمام اللوائح في باب الثانويات. ذلك أن الإطلاع على النتائج فرديا في حاسوب أمر غير مفرح، بخلاف مشاهدة النتائج جماعيا. وهذا دليل على الأهمية الاجتماعية لشهادة البكالوريا.
في حزيران/يونيو 2013، اجتاز 484 ألفا و780 مرشحاً الاختبارات. بلغت نسبة النجاح 37.91 في المئة في الدورة العادية و31.63 في المئة في الدورة الاستدراكية. وقد شكلت نسبة الناجحات 51 في المئة بينما كانت نسبتهن 44 في المئة من عدد المترشحين.
وللرفع من النسبة، قالت الوزارة أن النسبة الإجمالية للنجاح وصلت الى 51 في المئة «من عدد الحاضرين». وذلك لأن ضمن المرشحين 170 ألف مرشح غير متمدرس (يسمى هنا «مرشح حر»)، لم يحضر منهم للامتحان إلا 75 ألفاً، فبقيت القاعات وطواقم المراقبة تنتظر. كثيرون، وخاصة الموظفين والمعلمين، يطلبون إعادة اجتياز الامتحان لخلق عذر للتغيب عن العمل. جلّ المرشحين الأحرار انقطعوا عن التعلّم زمنا ثم نشأت لديهم إرادة شفوية للدراسة من جديد، لكن سلوكهم يؤكد أن إعادة التعلم أصعب من التعلم.
واضح أن نسبة النجاح منخفضة في 2013. بينما بلغت 48 في المئة في 2012. ما سبب الفرق؟
هناك تفسيران: الأول هو تسهيل الأسئلة في اوج الربيع العربي/لأمازيغي لامتصاص الغضب الشعبي. الثاني هو التشدّد في مكافحة الغش هذا العام.
بغض النظر عن التفسيرات، فالأرقام تتكلم بقسوة عن المدرسة المغربية.
تبلغ نسبة النجاح 85 في المئة في الابتدائي و56 في المئة في الإعدادي. فيتعود التلاميذ على نجاح سهل. وفي الثانوية يواجهون صعوبات، فتنزل النسبة كثيرا لتقترب من 40 في المئة. هكذا يجري التناقص. مع التنبيه أن نسبة الناجحين هي من الذين اجتازوا الامتحان، وليس من نسبة الفوج الذي التحق بالمدرسة قبل 12 سنة. فغالبا ما يغادر نصف هؤلاء المدرسة قبل سن السادسة عشرة.
كيف تم التعامل مع هذا الوضع؟
منذ 1987، تم تغيير نظام امتحانات البكالوريا أربع مرات. كان الحسن الثاني يقول إن التعليم مثل الفلاحة وتجب إعادة النظر فيه كل خمس سنوات. وقد وضع نظاما من تسع دورات للحصول على البكالوريا. كان مرهقا ومكلفا لكن فرض مستوى جيداً.
في 1999، وضع ميثاق للتربية والتكوين لإصلاح التعليم. وبناء عليه أطلقت حكومة التناوب برنامجا قويا لتعميم التمدرس. في خريف 2008 دعا الملك محمد السادس لإعطاء نفَس للإصلاح. وهكذا أطلق الوزير الجديد في 2009 «مخططا استعجاليا» عمره أربع سنوات كلف أربعة مليارات دولار. ثم جاء الوزير الجديد في نهاية 2011، فألغى المخطط لأنه «بطيء وفارغ»، فكان ذلك اعترافا بفشل الإصلاح والتصليح. وما زالت خزينة الدولة تسدد الدين والفائدة.
في 2010 وصل عشرات آلاف التلاميذ المستفيدين من التعميم إلى الثانويات. لم تكن بُنية الاستقبال ملائمة، مما خلق اكتظاظا شديدا في الفصول ترتبت عليه فوضى وعنف. ولأول مرة، أرى في ساحة الثانوية شجارا بين التلميذات، وذلك في ثانوية من طابق واحد تحيط بها مئات عمارات «السكن الاجتماعي». تظهر الثانوية صغيرة وضائعة، وكذلك نتائج تلامذتها لأن الكم أضعف الكيف.
بعد الأرقام، نستمع لمعايشي الوضع. يقول موظف كبير قضى أكثر من ثلاثين سنة في إدارة التعليم ويوشك على التقاعد: استنسخ التعليم المغربي النظام الفرنسي إلا نظام الامتحانات. هنا توجد لمسة مغربية.
كيف؟ بالتساهل في التقويم والتنجيح.
في المستويات التعليمية الدنيا، يتم تنجيح التلاميذ حسب الخريطة المدرسية وبناء على الكوتا، وليس بناء على الاستحقاق. هكذا انفصل النجاح عن امتلاك المعرفة والمؤهلات، فتدنى التحصيل. ترسّخ ذلك بعبث إداري وبيداغوجي: في الثانوي، تم تقليص المواد الفرنسية من ست ساعات أسبوعيا إلى أربع ساعات. والرياضيات من 8 إلى ستة. في الإعدادي، ظهرت «المواد المتآخية»، أي أن أستاذ العربية يمكن أن يدرِّس التاريخ والتربية الإسلامية. أستاذ الرياضيات يدرس الفيزياء. وفائدة هذه الحيلة هي عدم توظيف أساتذة جدد.
في الشُعَب الأدبية، للرياضيات والتربية الإسلامية المعدل نفسه. تجري مباريات توظيف في الشرطة والجيش وغيرها، ويتوجه لها المتفوقون، وهكذا تحتفظ المؤسسة التعليمية مع مرور الوقت بالتلاميذ الأضعف، ويعبرون الحواجز.
يضيف الخبير:
قُسِّم امتحانُ البكالوريا على سنتين وامتحانين، جهوي ووطني. يجري الامتحان الجهوي في مواد معينة منها الفرنسية. وبما أن تلاميذ التعليم العمومي المنحدرين من أسر أمية ضعيفون جدا في هذه المادة، ومعدلها أربعة، فإن ذلك ينعكس على النقاط ويظهر الفارق مهولا بين نقاط الامتحان الجهوي والنقاط المحصلة داخل الفصل. هذه علامة خلل في التقويم. توجد بيانات نقاط يحصل فيها تلميذ في مادة ما على 18/20 في فروض الفصل وعلى 4/20 في الامتحان الجهوي أو الوطني. يقع هذا في التعليم العمومي والخصوصي. لكن اللوم يقع على الخصوصي وحده، لأن النقط تجلب له زبائن. وقد صرح وزير التعليم أنه سيضطر إلى إغلاق مؤسسات تعليم خصوصية تتاجر في نقاط «المراقبة المستمرة» بالثانوي، وزعم الوزير أن الأساتذة الذين يثبت تورطهم في بيع النقاط سيحالون على العدالة. بدأ فصل الصيف ونُسي الموضوع.
للانتقام من سياسة الوزارة، ينتج التلاميذ سخرية مريرة من الامتحانات. يحكى أن تلميذا فوجئ بأسئلة لم يجد لها صلة بالدرس، ولم يتمكن من الغش، فكتب أجوبة لم يرها الأستاذ من قبل. وأضاف «العين بالعين والسن بالسن والبادي أظلم»، ثم غادر الفصل... لهذا يكلف الهدر المدرسي ميزانية الدولة 750 مليون دولار سنويا.
من وجهة نظر التكنوقراط، الذين يحسبون الكلفة والعائد، فالأمر كارثة. لكن بحساب سياسي، فالنتيجة مرضية حتى لو جرى التنديد بها علنا.
كيف ذلك؟
يهدف النظام التعليمي المغربي، ولأسباب سياسية، للاحتفاظ بالتلميذ أطول مدة ممكنة داخل أسوار المؤسسة التعليمية لتحميه من الوعي الشقي السائد في الشارع!        
 

مقالات من المغرب

أنا وليالي الضّوء في الغابات

لم أتوقف عن الرسم، لأنني تعلّمتُ نقش الحناء بسرعة بعدها، لوجود جمهور متحمس، مع إمكانية الاختراع، وانجذاباً إلى رائحة الحناء، وتدرجات اللون البني على الأصابع والراحات والأكفّ. كنتُ أخترع بنفسي...

للكاتب نفسه