المدارس الخصوصية تكتسح المشهد التعليمي المغربي

في كل أسبوع أخير من شهر حزيران/ يونيو، وبينما المدارس العمومية مهجورة، تنظم المدارس الخصوصية حفلات نهاية السنة. يجري فيها تقديم مسرحيات وسكتشات ورقصات للتلاميذ، وهي أيضاً توفر فرص تواصل اجتماعي أو استعراضي للآباء والأمهات.حالياً، نادرة هي الحفلات في المدارس العمومية. سابقاً، في عهد الحسن الثاني (توفي في تموز / يوليو 1999)، كانت تنظم حفلات رسمية كبيرة بمناسبة عيد العرش، عيد جلوس صاحب
2013-09-25

محمد بنعزيز

كاتب وسينمائي من المغرب


شارك
(من الانترنت)

في كل أسبوع أخير من شهر حزيران/ يونيو، وبينما المدارس العمومية مهجورة، تنظم المدارس الخصوصية حفلات نهاية السنة. يجري فيها تقديم مسرحيات وسكتشات ورقصات للتلاميذ، وهي أيضاً توفر فرص تواصل اجتماعي أو استعراضي للآباء والأمهات.
حالياً، نادرة هي الحفلات في المدارس العمومية. سابقاً، في عهد الحسن الثاني (توفي في تموز / يوليو 1999)، كانت تنظم حفلات رسمية كبيرة بمناسبة عيد العرش، عيد جلوس صاحب الجلالة على عرش أسلافه الميامين. كانت تتطلب تدريب التلاميذ لفترة تمتد أكثر من شهر. يُعفى من التدريس الأساتذة الذين يشرفون على تحضير تلك الحفلات، أو ينظمون القصائد التي ستلقى في مدح الملك. وهم يحظون برضى مدير المدرسة، بينما يعاقب الأساتذة غير المطيعين للمدير والباشا (نائب المحافظ)، ويحاسبون عن كل دقيقة تأخير، يليها تقرير واقتطاع من الراتب.

أحد ملامح سنوات الرصاص

يحكي أستاذ أنْ ذات عيد سياسي، قرر مدير الإعدادية أن يساهم العاملون بالمؤسسة بخمسة دولارات لتمويل الحفل. رد الأستاذ أن ذلك اختياري لا إجباري. غضب المدير واتصل بالباشا ووشى بالعنصر النشاز الذي لم يُظهر الفرح والحبور بعيد «سيدنا». ثم تدخل الوسطاء لتخفيض المساهمة. وفي محطة أخرى، خلال التبرع الإجباري لبناء مسجد الحسن الثاني، رفض الأستاذ العنيد. وهنا هدّده الباشا بالفصل من الوظيفة إن لم يتبرع. وقد دفع.
هكذا عاش التعليم حصته من سنوات الرصاص. وقد كان مديرو مؤسسات تعليمية كثيرة أشبه بالبوليس. يحرصون أن يكون التلاميذ مبتسمين كل يوم ثالثٍ من آذار/ مارس للتعبير عن الولاء للملك. بعد رحيل الحسن الثاني في الصيف، صار يوم عيد العرش في 30 تموز/ يوليو من كل سنة. حينها تكون المدارس في عطلة، وقد ألغى الملك محمد السادس تلك الحفلات المكلفة لخزينة الدولة.
لذا، بقيت الحفلات الخصوصية التي يدفع أولياء التلاميذ كلفتها. حفلات تجري في فضاءات ملونة مضاءة مبهٍجة ترمز للأمن والنجاح. فتلميذ المدرسة الخصوصية لديه وقت ثابت يومياً للدخول والخروج، لأن احتمال تغيب المعلم الخصوصي منعدم، بينما المعلم العمومي يتغيب ولا احتياطي لتعويضه. في الخصوصي، هناك صلة بين المرتب والمردودية. يزيد صاحب المدرسة من أجر الأساتذة الأكفاء، وخاصة الذين يقومون بأنشطة موازية مع التلاميذ. النتيجة هي أن الأغلبية المطلقة من تلاميذ الخصوصي تحصل على علامات جيدة. وقد حققت ثانويات خصوصية كثيرة نسبة نجاح في البكالوريا بلغت مئة في المئة، وهذا يفرح الذين يملكون النقود.

المدارس الخاصة تزدهر

في السنوات الأخيرة، تضاعف عدد هذه المدارس الخاصة، بينما أغلقت كثير من المدارس العمومية في مستوى الابتدائي أبوابها في المدن الكبرى. كما انخفض قليلاً عدد التلاميذ في المدارس العمومية الابتدائية من 3.9 ملايين تلميذ إلى 3.6 ملايين.
يرجع نمو المدارس الخاصة إلى الإعفاءات الضريبية التي قدّمتها الدولة (تخفيض 50 في المئة من الضريبة على الشركات في السنوات الخمس الأولى)، وإلى توسيع قاعدة مَن يحق لهم تأسيس مدارس خاصة. سابقاً رفض وزيرا التعليم، عبد الله ساعف والحبيب المالكي، منح رخص لمن لا خبرة لهم في المجال. لذا تعود ملكية هذه المدارس لمسؤولين جامعيين أو لموظفين كبار في التعليم العمومي. بعد 2007 سُمح لكل من يملك رأسمال بفتح مدرسة خاصة.
في 2004، كان عدد هذه المدارس 1532 مدرسة ووصل في 2012 إلى حوالي 9995 مدرسة، ما بين الابتدائي والإعدادي والثانوي. وفي الفترة نفسها ارتفعت نسبة التلاميذ المنتسبين للخصوصي 100 في المئة، فوصل عددهم الى 641 ألف تلميذ.

ما سبب التحوّل؟

البحث عن الجودة والبهجة في التعليم. في المدارس الخصوصية يشاهد الآباء والأمهات فلذات أكبادهم بفخر تتلاشى معه تكاليف الحفلات. فالمدرسة الخصوصية تطلب من أولياء التلاميذ شراء ملابس خاصة بالمناسبة. وتقديم مبلغ معين للحفل، ودفع مسبق لشراء صور وقرص مدمج فيه فيديو الحفل. وهكذا تساعد المدرسة الخصوصية على توثيق سيرة الطفل الذي يدفع. وحين يحصل الآباء على هذه الهدايا، تطالبهم المدرسة الخصوصية بمصاريف التسجيل للسنة الدراسية المقبلة. كم؟ 200 دولار على الأقل. مصاريف النقل ليست إجبارية لكن سيتم دفعها في نهاية المطاف. هذه هي المدرسة الجديدة: المدرسة المقاولة الفعالة والكفوءة والنموذجية والمكلفة. إذاً، فهذه المدرسة امتياز لقلّة.
هكذا صارت المدرسة الخصوصية قدوة. وهذا نتيجة انعكاسات قانون السوق على المنظومة التعليمية، صار التعليم تجارة. بمثل هذا يجري «التخفيف عن كاهل الدولة» أي «الإثقال على كاهل الشعب». هذا الشعب ليس متساوياً، لأن بين دخل أفراده فوارق شاسعة جداً. وبتكريسها لهذا الوضع وحمايته، فإن الدولة تقاتل لمصلحة طغمة وضد مصلحة أغلبية مواطنيها. المسّ بالحق في التعلّم هو مس بالحق في الحياة. ولهذا ثمن، وهو انعكاس قانون السوق على المنظومة التعليمية.
من مهام المدرسة إعطاء كل فرد فرصة لتحسين شروط مستقبله. التعليم الخصوصي يسير بوتيرة لا يملكها التعليم الموجَّه نحو أبناء عامة الشعب. الذين يتجهون إلى التعليم العمومي لا يتوفرون على تلك الفرصة.
بظهور مدرسة يموّلها المتعلمون، تخضع التربية لمنطق السوق، بحيث يحدد سوق العمل قيمة الشهادات الممنوحة. وحتى في المستوى الأعلى، فشهادات الجامعات العمومية لا تساوي الكثير في سوق الشغل.
بإعطاء الأولوية للتعليم الخاص، يتم تحويل المدرسة إلى مقاولة، بحيث يتم قياس ربحيتها بالمردودية المادية. لذلك يتم إعداد مقررات حسب الطلب. طلب مَن؟ السوق.

الحاسوب هو المعلم والسوق هي المقررة

بحصر مهمة المدرسة في تسويق كفايات التسيير والتدبير و«المنجمانت»، صار الحاسوب هو المعلم الأول والأخير. كلما زاد التواصل مع الآلات، قلّ التواصل بين البشر. يترتب عن ذلك إضعاف البعد السياسي في التعليم. إذ يتكون التكنوقراطي في مدارس خاصة، يتعلم المحاسبة والبراغماتية، بينما يتكون المناضل السياسي في ساحة الجامعة، يتعلم مبادئ العدالة والمساواة والكثير من الشعبوية. الأول أكفأ من الثاني في تدبير الصراعات، يربح التكنوقراطي البراغماتي ويخسر السياسي.
هكذا انتصرت رأسمالية السوق التي لا مشروع لديها غير الربح، وصارت لغة المستثمرين تنظم وتقود تفكيرنا في المجتمع والاقتصاد والسياسة.

النتيجة هي تصفية مبدأ تساوي الفرص. لقد انهزم حق المواطن أمام قانون السوق. المطلوب مدرسة عمومية ومجانية تضمن تساوي الفرص، من أجل دولة وطنية واقتصاد وطني... هذه مطالب/مصطلحات غدت غريبة اليوم، لأن الذين «يملكون» يحبون السوق. لذا فالمطلوب الآن برنامج حد أدنى مرحلي لتحصين المكتسبات على الأقل. تحصين تعليم جيد مجاني للذين لا يستطيعون الدفع.

مقالات من المغرب

الحرّية للصحافيين والسّجن للصحافة

الصّحافيون الثلاثة الأشهر الذين أُفرج عنهم، أُدخلوا السّجن بتهم جنسية، لا بتهم متعلقة بحرّية الصّحافة أو الرأي، كما هو الواقع. وهي استراتيجية مباشِرة إلى درجة تثير السخرية، لكنها أيضاً لئيمة...

للكاتب نفسه