وسائل الإعلام تؤنـــــث خطها التحريري

يوجد ما يستحق المتابعة في وسائل الإعلام هذه الأيام. هناك أخبار الثورة، أخبار الإسلاميين يتمرنون على الحكم، أخبار الخاسرين، منهم من يولول، منهم من يفبرك أحداثا على أمل العودة إلى الضوء، ومنهم من يتكيف بشكل غريب. والممتع هو كيف يبتكر المفلِسون بكارات سياسية جديدة حتى لو كانت «صنع في الصين». لكن الجديد، الذي تمكن ملاحظته لدى تصفح الجرائد والاستماع للإذاعات ومشاهدة القنوات، هو
2012-11-07

محمد بنعزيز

كاتب وسينمائي من المغرب


شارك

يوجد ما يستحق المتابعة في وسائل الإعلام هذه الأيام. هناك أخبار الثورة، أخبار الإسلاميين يتمرنون على الحكم، أخبار الخاسرين، منهم من يولول، منهم من يفبرك أحداثا على أمل العودة إلى الضوء، ومنهم من يتكيف بشكل غريب. والممتع هو كيف يبتكر المفلِسون بكارات سياسية جديدة حتى لو كانت «صنع في الصين».
لكن الجديد، الذي تمكن ملاحظته لدى تصفح الجرائد والاستماع للإذاعات ومشاهدة القنوات، هو تزايد المواد النسائية في هذه المنابر. صارت هناك صفحات وملاحق وبرامج مستمرة خاصة بالمرأة، بل كثرت المجلات النسائية، وفي كل هذه المنابر تتكرر مواضيع: عن تنعيم البشرة، وتكبير الصدر، وتكثيف شعر الرأس، والتمرن على الاستمتاع في الفراش من دون خجل... عناوين داعرة في الكثير من الحالات، وهي مواضيع بالخط الأحمر العريض، هدفها المعلن رفع مستوى الثقافة الجنسية للمتزوجات، كما لو كتبتها راقصة متقاعدة. وكلها تبدأ بـ«كيف...؟».
هذه حيلة لتشويق العاشقات المبتدئات، واستقطاب قارئات تُمتِّعهن النوادر وتضجرهن الأخبار الجدية واليابسة والآراء السياسية التي يحتاج استهلاكها ثقافة ومتابعة.
هذا الخط التحريري تتبعه حتى وسائل الإعلام الرسمية التي تحرص على تجنب تسييس الجمهور النسوي، وهي تجتهد للاحتفاظ بالقارئات والمتفرجات بتقديم مادة إعلامية تستجيب لاهتمامهن بأجسادهن. الغريب أنه حتى فقهاء التلفزيون والإنترنيت تنبهوا لزيادة الاستهلاك الإعلامي لدى النساء، فزاد منسوب المواضيع النسائية في خطبهم ومقالاتهم. والنساء يستهلكن ذلك بكثرة، ويشترين الجرائد والمجلات.
وهذا ناتج عن تحولات سوسيواقتصادية. فقد انتشرت آلات الغسيل والعجن، خرجت النساء للعمل بكثافة، زاد دخلهن وسهل عليهن شراء الأكل جاهزا، كثرت العنوسة وتأخر سن الزواج فتراجعت نسبة المواليد... وبذلك توفر وقت فراغ للنساء. وهو فراغ سيتزايد مع الزمن. ولأن الطبيعة تخشى الفراغ، فقد تم ملء الوقت بإشكالات من قبيل: تعانين من النحافة؟ إليك بعض النصائح...
بالأرقام، أكثر الكتب مبيعا في الوطن العربي هي كتب «الطبخ»، تليها كتب «إنقاص الوزن» ثم كتب «تفسير الأحلام». وبين هذه الكتب صلة طريفة. فبعد أن يطبخوا يأكلون كثيرا فيسمنون. ثم إن العشاء المتأخر هو سبب كثرة الأحلام. يقال ان من تعشى عشاء خفيفا في حدود الثامنة ليلا لن يرى كوابيس. والفقهاء، ثم ورَثتهم من الأطباء النفسيين، يزعمون تفسير تلك الكوابيس... وهكذا يزداد عدد زبائنهم.
يطرح رواج هذه المواضيع في عز الربيع العربي/ الأمازيغي أسئلة حول ما يريده الجمهور. ففي ظل حديث المثقفين الدائم عن الثورة أو التغيير على الأقل، يصرف الجمهور، الذي يُفترض أن التغيير سيتم لمصلحته، اهتمامه لمواضيع غير سياسية. وقد كان النجاح الرهيب لفيلم «شارع الهرم» في مصر صدمة لشباب ثورة بدت حينها كأنها لم تتجاوز رصيف ساحة التحرير في القاهرة.
يتضح أن الثورات لم تؤثر في الذوق، لأنها لم تمس الثقافة.
مؤخرا صرحت وزيرة الثقافة الفرنسية أن الثقافة هي القرص الصلب للسياسة. فهل ما قام به البوعزيزي كان فورة غضب؟ وهل ما تلى ذلك من احتجاجات ودماء يؤكد أن هذا ربيع بلا «قرص صلب»، لأن العلامة البارزة للثقافة هي ضبط النفس. وما يجري الآن في سوريا وليبيا، بل في مصر وتونس، لا صلة له بضبط النفس. فالاندفاع والتهييج العاطفي سيدا الموقف.
أو أن هناك تفسيرا: فالممسكون بوسائل الإعلام، وبالأخص منها التلفزيونات ومنها خصوصاً تلك الفضائية المعروفة، يناهضون كل موضوع ثقافي جاد قد يوفر قرصا صلبا للتغيير. وهم بالمقابل يغرقون المجتمع بفائض مواضيع مائعة. وآخر سلعة نسائية تروج لتحقيق ذلك هي مسلسل يترقى فيه باشا الجمال السفاح (أي الذكر الجميل والمتسلط) إلى دور سلطان الحرملك في «حريم السلطان».
وبذلك يستمر سوق المتعة في تقديم السلعة الملائمة للسوق، لا سيما أن أخبار النساء تباع بشكل أفضل. فحتى الجنس الخشن يتابع كلام النواعم!

    
 

مقالات من المغرب

أنا وليالي الضّوء في الغابات

لم أتوقف عن الرسم، لأنني تعلّمتُ نقش الحناء بسرعة بعدها، لوجود جمهور متحمس، مع إمكانية الاختراع، وانجذاباً إلى رائحة الحناء، وتدرجات اللون البني على الأصابع والراحات والأكفّ. كنتُ أخترع بنفسي...

للكاتب نفسه