يصل الأشقاء قادمين من «مدن الملح» إلى المدن الساحلية المغربية بكثافة. يسهل تمييزهم عن باقي السياح. لا يحملون كتباً ولا كاميرات بخلاف الأوروبيين. ويمكن ملاحظة طريقة مشيهم أيضاً، من فرط ركوب السيارات نسوا استخدام أقدامهم وكبرت الكروش. جاء الأشقاء للاحتفال برأس السنة الميلادية. يحدقون في الصبايا يمشين بطريقة راقصة بسبب الكعب العالي الذي يبرز الأرداف. يجري التعارف باللهجة الخليجية. تستقبل الصبايا الأشقاء بود. تتحسن العلاقة بعد إدخال تعديلات على الطرفين ليحصل القبول. فللصبية شروط، تريد من رفيقها أن يشذب لحيته ليتلاءم مع المشهد، أن يرتدي ملابس جديدة. حتى أنه من فرط السرعة تبقى بطاقات العلامات التجارية للقمصان متدلية على الظهر. غير أن الزائر الشقيق يحتفظ بالصندل لأنه يكره الجوارب التي تخنق قدميه ويتخلص من العقال الذي يخنق رأسه.
هو أيضاً له شروط، خاصة في الزيارة الأولى، يخجل من السير برفقة صبية ترتدي ملابس النوم نهاراً. ويشتري لها عباية وخماراً أسود، فيزداد التقوى في كلامها. هكذا يتم تبادل التأثير الذي يتعمق مع العيش المشترك. غير أن العيش في محيط الكورنيش مكلف. تشتكي الصبايا أن كرم الخليجيين قلّ، مع ذلك يمران بمحل لصرف العملات فتصير الصبية مما ملكت يمينه أو شماله.
في الأيام الأولى يقيمان في فندق مراقب قليلا. بعدها يتم الانتقال لشقق وفيلات مفروشة في أحياء راقية محصنة لا تعتقل الشرطة زوارها الأجانب. مع الزمن ترن هواتف الصبايا بنغمة خليجية، خاصة أغنية «ما الحب إلا للحبيب الأول» التي سرقها الجسمي من الشاعر أبي تمام. المهم أن السياحة المغربية بخير. صحيح أنها تراجعت بنسبة واحد في المئة في 2012. ولكن هذا خبر جد سعيد مقارنة مع باقي الدول. فقد استمع الأشقاء للنصيحة الثمينة التي قدمتها لهم وزارات الخارجية في بلدانهم. وزارة الخارجية السعودية أشارت إلى مواطنيها «بعدم السفر إلى لبنان بسبب الوضع السياسي والأمني المتدهور هناك»، وكذلك فعلت الخارجية الكويتية.
بعد التحذير قلَّ توجه الخليجيين للبنان. وللتعويض استدعيت هيفاء وهبي لتغني في البحرين. لكن عدداً من نواب البرلمان البحريني رفضوا ذلك. ومن باب الانتقام، حصلت هيفاء على دعوة للغناء على يخت، وتلقت هدايا ذهبية بالجملة. يبدو أنه كانت للنواب البحرينيين مبررات لم يعلنوا عنها في حينها.
المهم أن قلاقل الشرق الأوسط تفيد المغرب، البلد السّني المدعو ليتخلجن قريباً، رغم وضع المقترح في الثلاجة. وفي انتظار ذلك، يأتي الأشقاء لقضاء أيام جميلة. ولهذا مفارقات. فقد انتقلوا فجأة من فضاء فيه «كل شيء ممنوع» إلى «كل شيء مباح».
في مدن الملح، توجد رقابة شديدة، حين ذهبت لمكة للعمرة، كان الحرم المكي هو المكان الوحيد الذي فيه اختلاط بين الجنسين. حوله تبنى أبراج أسطورية، لكن ما أن تبتعد عن الأماكن المضاءة حتى تكتشف أن ليس الجميع أغنياء هنا. في مطار جدة كنت أطالع كتاب «روسيا بوتين» فطلب مني أحدهم إخفاءه. حين يرتفع الأذان يغلق البنغالي باب «السيبيركافي» إلى أن يمرّ وقت الصلاة ثم يفتحه. لا أحد ينقطع عن تويتر. هذه الأيام حكم على امرأة سعودية تزوجت بدون إذن بالجلد والسجن. لو كانت سخرت من أبي متعب كما فعلت الراقصة سما المصري مع دستور الإخوان لكانت دفنت حية. حوكم شاعر قطري بالمؤبد لأنه سيقلب نظام الأمير بقصيدة. هذا الخليج فضاء بلا نوافذ، سجن كبير، يبدو أن عظمة دبي تنبع من الفضاءات المغلقة حولها، وهي متنفس يشحذ الأحلام.
في تلك الفضاءات المغلقة التي خصص لها عبد الرحمن منيف خماسيته الرائعة، توجد مراقبة، شرطة دينية، قمع سياسي وإعلام ممول جيداً لغسل الأدمغة. ما هو أثر العيش في فضاء مغلق ومراقب على جسم الفرد ونفسيته؟
يكون الزمن رتيباً في الفضاءات المغلقة. وهي تسبب الإحباط والشراهة وبالتالي السمنة، حتى الضباط يعانون من السمنة. ثم إن المراقبة تولد الحذر والشك، والرغبة في الفرار.
لذلك يأتي الأشقاء للمغرب، للمكان المفتوح حيث يمر الزمن سريعاً، وحين يحل وقت الرحيل يقومون باستخلاص مزدوج فيه حسد وسخرية.
حسد على لذة العيش في فضاء مفتوح يوفر كل المتع لمن يملك النقود، والسخرية من الصبايا الفاسقات. حين يركب السائح الطائرة للعودة لبلده يستغفر الله العظيم على ما جرى ويحمد الله على نقاء بلده. وحين تلمس عجلات الطائرة مطار عاصمة ذاك البلد يفكر متى سيأتي مجدداً الى المغرب.
كان يمكن للمغرب أن يرحل للخليج بدون فيزا، لكن الاعتراض من الصوت النسوي الخليجي كان مسموعاً. في أيار/مايو 2011 طالب الملك السعودي عبد الله بانضمام الأردن والمغرب لمجلس التعاون الخليجي، أثار ذلك جدلاً عن الأسباب والدوافع. كان الناس حسني النية قد أملوا خيرا من الأشقاء الخليجيين. واعتبروا ذلك فرصة للم الشمل والوحدة الإسلامية والعروبة...
كانت تلك لحظة تاريخية مختلفة، فمع اشتداد الاستقطاب الطائفي في الشرق الأوسط، يجد المغاربة أن السعوديين أقرب إليهم. ثم إن الصبايا السنيات أفضل من الشيعيات رغم أن الأمراض الجنسية لا تعرف الطائفية.
حينها وافق الملك عبد الله الأردني على الانضمام للمجلس. في المغرب حرك الملك محمد السادس رأسه ولم يعرفوا هل قال لا أم نعم. وقد كان ذلك تكتيكاً لكسب الوقت في انتظار اتضاح الرؤيا. ينظر المغاربة للشمال لا للشرق.
المهم أن الاقتراح مات.