انتشرت دعوة إلكترونية للتظاهر يوم 13 كانون الثاني/ يناير 2013. كان ذلك يذكر بواقعة دعوة «20 فبراير» للتظاهر ضد الفساد في بداية 2011. انتشرت توقعات عن الثورة التي ستنطلق قريبا لتحقيق العدالة الاجتماعية. في اليوم الموعود، انتشرت قوات الأمن في الشوارع بكثافة. حل المساء ولم يأت محتجون وتفرق رجال الشرطة بعد طول انتظار.
انطلقت حملات السخرية مما جرى، تم توجيه شكر حار للشرطة على الحضور في الموعد، كتب ناشط في 20 فبراير عن «ثوار الشفوي».
بعدها نسي الموضوع وعادت الصحف لجدول الأعمال المهيمن. فقد حاصرت الثلوج مئات القرى الجبلية حيث يقطن فقراء المغرب «غير النافع»، في مرتفعات بين 1500 و4000 متر عن سطح البحر. (حسب أرقام حكومية، تبلغ نسبة الفقر 14.4 في المئة ونسبة الهشاشة 23.6 في المائة في البوادي المغربية مقابل 4.8 و12.7 في المئة في المدن. وهذا معدل وطني. لكن نسبة الفقر تبلغ في أقاليم جبلية حوالي 20 في المائة).
أي أن النسب في البادية هي ضعف المدينة. وقد تحولت هذه الأرقام المجردة إلى وقائع بارزة بعد أن امتد البرد اشهرا عدة، ما عقَّد حياة الناس خاصة في جبال جرداء لا غابات فيها تفتقر لحطب التدفئة. الأوضاع الصحية للفقراء هشة، مناعتهم ضعيفة، أجسامهم نحيفة، تغذيتهم غير كافية، طاقتهم استنزفها العمل الشاق لساعات طويلة. يحرثون قطعا أرضية صغيرة ويرعون قليلا من الماعز. المرضى لا ينتجون الكثير... وأصحاب المهن العضلية يغرقون في الشقاء، تذبل أجسادهم مبكرا، يحول الإرهاق بينهم وبين أي جهد ثقافي، يعتبرون الحب والراحة ترفا بعيدا، لا يعيشون طويلا ويمكن أن تقتلهم نزلة برد.
تحالف الفقر والبرد على سكان الجبال. تقاوم أجسادهم غضب الطبيعة وتهاون السياسيين. تشتكي السلطة من المسالك الوعرة التي تصعّب توصيل المعونات. عادة، تنظم وزارة الداخلية الانتخابات في الصيف ليسهل على موظفيها الوصول للمكان. لكن يتعذر عليهم بلوغه في الشتاء.
من يسمع تبرير الوزارة يظن أن قرى السهول بخير، بينما في قرى ومدن كثيرة من السهول يعاني الفقراء من وضع صحي صعب. جاءت سيدة لتلد في مستشفى، منعت من الدخول بسبب وثائق إدارية، أنجبت طفلها في الباب والتقطت الكاميرات صور الدم. في مستشفيات أخرى لا يوجد أطباء أصلا، وقد صرح وزير الصحة أن المغرب بحاجة الآن لـ7000 طبيب و9000 ممرض. للإشارة، يوجد آلاف الأطباء المغاربة في المهجر، أكثر من أربعة آلاف حسب التقديرات. وقد جرى في 2012 تعيين 425 فردا بين طبيب وممرض. بهذه الوتيرة سيستغرق الأمر 40 سنة لسد النقص... سبب التأخر؟
تشتكي الحكومة من ضعف الادخار وتراجع احتياطي العملة الصعبة والأزمة العالمية إلخخخ...
في انتظار ذلك يعتمد الفقراء الطب الشعبي أو يشترون أدوية من الصيدلية دون اجتياز فحص لدى الطبيب. وحجتهم في أن خبرتهم أكثر من خبرة الطبيب صائبة. يدركون أن الأكل الجيد كفيل بعلاج الكثير من أمراض الفقر، فيستغنون بذلك عن الطبيب. لكن حين تندر الموارد ويتم تدبيرها يوما بيوم، بلا أفق واضح، يدمر القلق على المستقبل صحة الفرد. والقلق لا تعالجه العقاقير.
ما الذي أوصل المغرب لهذا؟ عثرت على أجوبة.
ـ الجواب الأول عن موظف صغير يستفيد من سكن وظيفي، صار نقابيا ثم عضوا في البرلمان واحتفظ بالسكن الوظيفي، وهذا ممنوع. بل وحصل على سكن جديد عبارة عن فيلا مساحتها 800 متر مربع في أرقى حي بالدار البيضاء. هكذا ناضل لتكبير حصته من الكعكة وجعل منصبه بقرة حلوبا. لكن الزمن كشَّاف. لاحقا اتضح أن تلك الفيلا هي لتاجر مخدرات حجزتها المحكمة بسبب غرامة تفوق مليون دولار. حينها استولى الزعيم النقابي على الفيلا وسكنها زمنا. تمكن تاجر المخدرات من دفع مليون دولار ليسترجع الفيلا، فرفض النقابي مغادرتها. رفع دعوى فحكمت المحكمة على النقابي بدفع 240 ألف دولار. وحين تحدث الى الإعلام، لم يقل أنه لن يدفع بل قال أنه «مُستهْدف»، وهذه وقاحة عكرت دمي لأيام لأني كنت ذات يوم منخرطا في تلك النقابة، وسرت في احتفالاتها بعيد العمال، ورددت بصوت مرتفع الشعارات التي خانتها القيادة.
ـ الجواب الثاني، لتصفية دمي وتنفيس الحزن بالضحك: يحكى أن رجال الشرطة شكلوا نقابة وأرسلوا ممثلا عنهم للتفاوض مع وزير الداخلية حول زيادة الأجور. فعلا وافق الوزير على الزيادة شرط التوقف عن قبض الرشوة، غير أن ممثل النقابة تراجع عن طلب الزيادة في الأجور.
ـ الجواب الثالث: كل دعم لفقراء الجبال تقدمه وزارة الداخلية، تصوره التلفزة ويطلب من الذين استلموا البطانيات والملابس والأحذية أن يقفوا امام الكاميرا، يبلعوا كرامتهم ويرددوا أنهم كانوا في محنة والآن وصلهم الدعم وهم سعداء جدا ويشكرون... رغم هذا، فوزارة الداخلية قلقة، ليس بسبب البرد بل بسبب وصول الإسلاميين للجبال، وتمكنهم من تقديم طعام وبطانيات لأولئك الفقراء لجلب تعاطفهم. تفكير غريب، بدل أن تنتبه السلطة المركزية لتحللها من مسؤوليتها تلوم الذين حلوا محلها.
ـ الجواب الرابع يسد الشرايين: ذكر تقرير صادر عن ‘المركز العالمي للنزاهة المالية» أنه تم تهريب 12800.000.000 دولار من المغرب إلى الخارج بين 2001 و2010.
كتبت 12 مليارا وكسور بالأرقام لا بالحروف على ورقة ووضعتها أمام أصدقاء في مقهى وأخبرتهم بالنهب. تجمعت الدموع في عيونهم ونسوا النكت التي رويتها. ولتفسير النهب، ذكرت الصحف أنه فور خروجها من المنصب في 2011، اشترت وزيرة الصحة السابقة شقتين في باريس بمليوني دولار. فمن قال أن المغرب فقير؟
في الجامعة كان الطلبة يطرحون فزورة: من هو أغنى بلد في العالم؟
يجيب أحدهم أميركا أو سويسرا أو الكويت. يكون الجواب: خطأ. الجواب الصحيح هو المغرب. كيف؟ منذ 60 سنة والبلد يُنهب، ومازال فيه ما يسرق!!