قبل سنوات اربع كشفت الصحافية نبراس المعموري عن تعرض برلمانية عراقية لتحرش جنسي سجلته كاميرات المراقبة من قبل رجل أمن داخل مجلس النواب. تزامن ذلك مع قيام احد البرلمانيين، في حادثة منفصلة، باستعمال لفظ ناب ذي دلالات جنسية ضد زميلة له. حينها لم تجد تلك البرلمانية غير استعمال الحذاء ردّاً. مثل هكذا احداث اظهرت أن "التزاحم" بين الرجل والمرأة في مواقع التشريع والتنفيذ محكوم بالتشنج، وأن تقبّل صوت المرأة الموازي يجري على مضض.
فرض حصص ثابتة للمرأة في المجالس التشريعية (نظام الكوتا) كان قيداً. تذهب العراقية الى موقع المسؤولية لتصطدم بفكرة أن القانون الانتخابي قد فرضها فرضاً. تيار علماني عراقي حصل على مقاعد قليلة في الانتخابات الماضية، وبسبب نظام الكوتا فقد ذهب مقعد كان من حصة رجل الى امرأة. هذا الاجراء القانوني سبب امتعاضاً رغم الشعارات المدنية التي كانت مرفوعة حينها.
اجتماعياً، لم يخل واقع المرأة التي اختارت المشاركة في السياسة من مطبات. معظم العراقيات ممن شاركن في الجمعية الوطنية التي كتبت الدستور انتهت حياتهن الزوجية بالطلاق. إحدى البرلمانيات من محافظات العراق الجنوبية ذهبت لتمثيل ناخبيها في العاصمة، وفي إحدى العطل بين فصل تشريعي وآخر عادت هذه السيدة الى مدينتها لتكتشف ان زوجها تزوج بأخرى، وقد تطلقت لاحقاً وغادرت السياسة في النهاية. من جانب آخر، انتهت الحياة السياسية لبعض الوجوه النسائية بمجرد زواجهن. ومن الواضح للمتتبع أن سلطة الرجل على زوجته التي تشارك في صناعة القرار كانت حاسمة في الكثير من الأحيان، وبعض الزيجات استمرت بشروط مجحفة وبعضها انتهى لصعوبة تخلي المرأة عن مشروعها السياسي.. يأتي هذا الموقف المتشدد من قبل بعض الرجال بسبب ابتعاد المرأة السياسية عن عائلتها وانشغالها بمسؤولياتها في الغالب.
أفرز الصراع السياسي في العراق أساليب متعددة لهجوم الاحزاب على بعضها البعض. في هكذا جو، لجأت بعض السياسيات الى عشائرهن بعيداً عن القانون، في حين تراكمت دعوات السب والقذف والتشهير في المحاكم مع تجاوز أرقام التعويضات حدوداً غير مسبوقة. إحدى البرلمانيات، ونتيجة استفزازها بعبارة تحمل اكثر من معنى في حوار تلفزيوني، اجبرت من استفزها عبر عشيرتها على دفع مبلغ هائل ضمن ما يعرف بالفصل العشائري.
والمرأة في جهاز الدولة التنفيذي أضعف، وفي حال تلقت دعماً من الرجال فهو بالتأكيد أقل مما تواجهه من رفض. التشكيلة الحكومية عام 2010 خلت من النساء في بداية الاتفاق عليها، حينها كانت التسريبات تشير الى تولي رجل لوزارة شؤون المرأة، وهو ما اثار عاصفة من التندر والاستهجان. لاحقاً تم تدارك الامر وتعيين سيدة عراقية لوزارة لا تعدو كونها بناية يعمل فيها ثلاثون موظفاً وموظفة .
اجتماعياً، لم يخل واقع المرأة التي اختارت المشاركة في السياسة من مطبات. معظم العراقيات ممن شاركن في الجمعية الوطنية التي كتبت الدستور انتهت حياتهن الزوجية بالطلاق.
إحدى السيدات تولت منصباً مهماً في بغداد، وقيل وقتها ان العاصمة تحتاج لمسة انثوية بعد أعوام من الخراب الذكوري. تلك السيدة لم تستطع دخول مكتبها الجديد الا بمعية مدير مكتب رئيس الوزراء، بعدما تعنت المسؤول الذي سبقها في ترك موقعه لها. لكن الحظوظ ليست متساوية دائماً: وزيرة لوزارة مهمة دخلت مجلس النواب كي يتم استجوابها بسبب شبهات فساد، لاحقا كانت تبرئة الوزيرة فرصة لتعبير جهات عديدة عن فرحها بانتصار "ابنتها" على حد تعبير تلك الجهات، التي لم تخف سبب دعمها للمرأة هنا والمتمثل بالنكاية السياسية.
باتت نسبة مشاركة المرأة في المواقع السياسية في تراجع منذ عام 2005، حينما وصلت 74 امرأة الى مجلس النواب بنسبة بلغت 25.8 في المئة حينها، بالاضافة الى توزير اربع سيدات، وهو ما لم يتكرر مذّاك. لكن الحضور النسوي مدوٍ على مستوى الفرقعة الاعلامية، اذ على الرغم من غياب المرأة عن قيادة الاحزاب أو المشاركة في المفاوضات، الا أنها تنافس الرجل في الظهور على شاشات التلفزة للحديث في الشأن السياسي، كما ان المماحكات التي تتطور الى عنف في الاروقة السياسية لم تخل من المرأة ايضاً. قبل اكثر من عام هاجمت برلمانية رئيس الوزراء داخل مجلس النواب ملقية عليها قناني الماء.
الفساد في جسد الدولة لم يكن حكراً على الرجل، على قلة مواقع المرأة المتنفذة، وقد شهدت مؤسسات كرئاسة الجمهورية مثلاً، جواً عائلياً بتعيين المسؤولين لبناتهم أو زوجاتهم واخواتهم. صاحبت هذه الخطوات دائماً امتيازات كبيرة زادت من نقمة المعترضين على الاستهتار لدى الطبقة السياسية. في مواقع تنفيذية عالية المستوى كانت بعض النساء عرضة للمحاكمة في قضايا فساد، وقد كان الامر أسهل من محاكمة الرجال على كل حال.
لا يبدو واقع المرأة العراقية وهي تشارك في العمل السياسي دقيق التفاصيل. يحكم التمثيل النسوي قرب المرأة من الرجل الذي سبقها في الموقع، من خلال علاقات النسب في الغالب، كما ان غياب المرأة وبالتالي توقف طموحها السياسي مقابل ثبات الرجل وحفاظه على نجاحاته دليل على صعوبة الحياة السياسية عليها.احدى البرلمانيات غير المحجبات تعرضت لمضايقات كثيرة بسبب مظهرها الخارجي، في حين تغدو عمليات التجميل سبة لبعض السياسيات ومظهراً من مظاهر الفساد بحسب المنتقدين.
سيشهد العراق في العام المقبل أكثر من تصويت بحسب المواعيد المعلنة، ومن المتوقع ان تكون المرأة أقل تمثيلاً في الحكومة والبرلمان كذلك في حال تخفيض عدد أعضائه، وسيكون ذلك فرصة لمن امتلكن الخبرة في ضمان ترجيحهن على الوافدات حديثاً، لكن الملامح الجادة في السياسة ستبقى الاضافة الاكثر ارهاقا للمرأة في صناعة القرار مع شدة المنافسة وصعوبة الاستمرار.