.. كالصعق بالكهرباء على الأعضاء التناسلية خصوصاً، و"الشبْح" و"الفرّوج" (وهما طريقتان مؤلمتان في تعليق البشر من أطرافهم)، والاغتصاب.. ويبقى الضرب والاهانة ساريان دوماً، لكنهما غير جديران بالذكر قياساً بما سبق. وقد عادت "الداخلية" المصرية إلى كامل زهوها السابق بعدما دُمّرت في كل ركن وزاوية من البلاد واحتُلت مقراتها وتناثرت ملفاتها بين أيدي الناس، حين صب المتظاهرون في 2011 جام غضبهم عليها وصارت رمزاً لكل الموبقات في البلاد: العنف، وتزوير الوقائع، وافتعال المجازر، والفساد، والاعتباط..
60 ألف معتقل في مصر منذ 2013، جلّهم من الاخوان المسلمين، ولكن بينهم يساريون وتقدميون كثر، وفنانون وكتّاب ومدونون ... آلاف المخفيين قسرياً بعضهم يعاد تدويره قتيلاً في "عملية ضد الارهاب". لا تتحرج أجهزة الأمن من التناقضات في بياناتها: يُخطف وينكر وجوده، ثم يُعلن أحياناً عن إيقافه بعد أيام أو أسابيع، وعن التحقيق معه بعد اتهامه بكذا وكيت، ثم يعود للظهور جثة عليها آثار تعذيب وإطلاق نار، باعتباره إرهابياً اشتبك مع الأمن.. لم تعد المحاسبة على التماسك المنطقي للرواية مهماً بإزاء الكارثة الواقعة والتي وصفتها منظمة هيومن رايتس ووتش منذ يومين في أحدث تقرير لها عن مصر بأنها "ترقى إلى مستوى الجريمة ضد الانسانية".
وليس ذاك هو التقرير الوحيد، فقد سبق للمنظمة نفسها أن أصدرت تقريراً في الموضوع نفسه عام 2015، كما فعلت "منظمة العفو الدولية"، وكما تفعل منظمات حقوقية مصرية، على رأسها "مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب" الذي أغلقت مقرّه السلطات المصرية في العام الفائت بحجة إدارية سخيفة، ولكن مناضلاته ومناضليه مستمرون في عملهم، ويصدرون تقريراً شهرياً عن حالة حقوق الانسان في بلادهم. وكان المركز قام بتوثيق 500 حالة تعذيب في عام 2015، كما أكد أن حوالي 500 شخص قتلوا على أيدي قوات الأمن، منهم 100 شخص في أماكن الاحتجاز نفسها. وكما يستمر المحامون الملتزمون بالدفاع عن المعتقلين في عملهم على الرغم من التهديدات والاتهامات والاحالة إلى المحاكم..
ولم تتحرج الأجهزة من فضيحة خطف وتعذيب الباحث الإيطالي جوليو ريجيني حتى الموت، ومن جثته الملقاة مشوهة على قارعة الطريق، وهي تعلم أن غضب الدبلوماسية الايطالية أو الاوروبية ستطويه حسابات المصالح، وهو ما كان.
وهناك أسماء صارت مرادفة لهذا المقدار البشع من العسف: المصور شوكان (محمود ابو زيد) المعتقل منذ مجزرة رابعة في آب/ اغسطس 2013، وجريمته أنه التقط صوراً للواقعة، وتلك مهنته، ولكن السلطات تفهم أن ما لا توجد له صورة فكأنه غير موجود.. والباحث هشام جعفر المعتقل منذ تشرين أول/ أكتوبر 2015، في سجن العقرب، وهو المعتقل الذي قيل فيه أنه "يوازي حياة القبور"، وأنه مصمَّم (بحسب لواء في الداخلية كان مديره) للمعتقلين السياسيين بحيث أن "من يدخله لا يخرج منه حياً".. والباحث اسماعيل الاسكندراني، وهو أحد كتاب السفير العربي، وكنا ننشر نصوصه اللامعة فرحين بالذكاء المتقد والمعرفة الفذة بأحوال بلده، وبالوطنية الاصيلة الناضحة منها، فإذا بها وثائق إدانة بحقه.. وهناك غيرهم كثيرون، شباناً وشابات، ولكننا نختتم بعلاء عبد الفتاح، المعتقل كيدياً، ولا وصف آخر لحاله. وهؤلاء جميعهم ليسوا ارهابيين!
إقرأ أيضاً: إنهم يراقبوننا.. ونحن أيضاً!
.. مؤخراً قالت أونغ سان سو كي زعيمة ميانمار (والحائزة على نوبل للسلام والتي أمضت وقتاً في الاعتقال والاقامة الجبرية..)، في ردّها على الاحتجاجات العالمية حيال التصفية العرقية للمسلمين الروهينغا في بلادها، أنهم بالعكس مما يقال، محميون من الحكومة، وأن أقلية منهم إرهابيون يهاجمون قوى الامن والقرى البوذية، وأن كل هذا الضجيج حول مصيرهم ليس سوى "جبل جليد ضخم من التضليل". وهو ما يقوله حرفياً السيسي ومسؤوليه. تختلف التسميات، ولكن الجريمة واحدة.