التراجع الإسرائيلي عن نصب البوابات الاكترونية وكاميرات المراقبة حول المسجد الأقصى، وتفكيكها ليلة البارحة، هو أولاً وقبل أيّ تفسيرات أخرى، ثمرة النضال الفلسطيني لما يقرب من أسبوعين، لم ينم فيه آلاف المعتصمون حول الحرم إلا في الشوارع، وصلّوا في الشوارع، ورفضوا بعناد ما لا يعجبهم. وهو ثمرة تضحيات الشهداء الذين سقطوا خلال هذه المقاومة للإجراء الاسرائيلي الأخير، ومئات الجرحى وعشرات المعتقلين والمبعدين من القدس.
وتخطط إسرائيل، من دون أدنى شك، لإفشال المنجز بل وللردّ قريباً بمزيد من الشراسة على اضطرارها للتراجع. ولكن هذا لا ينفي ذاك، واسمه أننا في صراع.
هناك متحذلقون (يعتبرون أنفسهم منظّرين، وأن مستواهم أعلى من الأشياء البسيطة ومن "العوام") يتفحصون أيّ منجز نحققه في منطقتنا بعقل يُفترض أنه بارد وتحليلي، يردّ الأشياء إلى أحجامها ويشدّد دوماً على الإطار العام. وهكذا، فطالما أن المنجز لا يعدِّل في المعطيات ولا يغيّر في توازن القوى ولا يحقق نصراً، فهو بلا قيمة بنظرهم، إن لم يُتهم الفرحون به بأنهم سذج أو غوغاء.
وهناك "سينيكيون" يسخرون من كل شيء، ويجلدون أنفسهم (وهم في الواقع معجبون بأنفسهم كثيراً ولكنهم عبر ذلك، وبـ"تواضع جم"، يطالون السذج إياهم) ويرفضون رؤية تعقيد المشهد ويحتقرون من يسعى لالتقاط نقاط الضوء وسط الظلمة، ويعتدّون بالوضع الحالك، حتى ليُعجب المرء منهم ويحار فيما إذا كانوا مع مجتمعاتهم أم مع أعدائها... بل بعضهم انحاز وفق تداعيات هذه الحالة إلى الأعداء فعلاً وعلناً، و"مجاناً" أحياناً، أيّ بلا مقابل.
وهناك محبَطون، هم من فرط الهزائم والتراجعات والخيبات التي أصابت منطقتنا، ومن فرط السوء الفعلي للوضع العام السائد، لم يعد في قلوبهم مكان للفرح حتى ولو للحظة.. وهؤلاء، ولو كانوا تعساء بسبب تلك الخيبات وليسوا متشفين، فهم صاروا "بلا لزوم"، مجرّد أوزان تثقل الموقف، وتشدّه نزولاً.
وهناك متشائمون، الذين كلما رأوا زهرة ندبوا غياب حقل الزهور. وكلما قيلت لهم حجة إيجابية وضعوا أمامها، كالمتاريس، حجج سلبية تتفوق عليها، وكلما ظهر تفاؤل بملمح أو منجَز سارعوا الى إهالة التراب عليه، خشية أن يلتمع ويُخرِّب عليهم سوداويتهم.
هذا عدا الاوغاد ممن باعوا أنفسهم بوعي لقاء مغانم، سواء أعلنوا عن ذلك (نعم، يوجد!) أم ستروه..
وكل هؤلاء مؤثّرون في المشهد، فهم كالحطام المرمي في الطريق، يعيق وضوح الرؤيا وانسياب السير. ولم يحدث أن تمكّن مجتمع أو حركة تحرّر أو حركة تغيير من تحقيق أي شيء في ظل هيمنة مثل هؤلاء على القناعات السائدة، والأمزجة والأفكار والخطاب.
التفاؤل لا يكفي بالطبع، ولكنه موقف أخلاقي وقيمي ونفسي وروحي لا يمكن من دونه الوصول إلى ما يتعدّاه من بصيرة وإدراك ونقد ورؤى وخطط واستراتيجيات. ولا يمكن من دونه امتلاك الإيمان العميق بعدالة ما يُسعى اليه، كائناً ما كان. والتمسّك بضرورة تحقيقه.
اليوم حقّق الفلسطينيون منجزاً كبيراً. وهذا ثمين للغاية، وبالأخص في ظلّ الظروف العامة القائمة، وهي خربة. والشطارة ليست في التشكيك بذلك بألف طريقة بل في القدرة على صونه والبناء عليه.
إفتتاحية
في التفاؤل كعاطفة ثوريّة

مقالات من القدس
خُطط توزيع المُساعدات لغزّة.. هندسة الإذلال
تقضي الخطة الاسرائيلية-الامريكية الجديدة بدخول 60 شاحنة من المساعدات يومياً، يتم توزيعها على مراكز مُخصصة تُقام في جنوب قطاع غزّة، يحميها ويؤمنّها من الخارج الجيش الإسرائيلي. وتقوم على عملية التوزيع،...
نشرة انعدام الأمن الغذائي
دمر العدوان الإسرائيلي 79% من أراضي محافظة شمال غزة الزراعيّة، وارتفعت نسبة الأراضي الزراعية المُدمرة في دير البلح 10 نقاط مئوية، بينما ارتفعت كلٌ من محافظتي غزة وخان يونس 7...
الحصول على الماء في غزة.. الرحلة الشاقة
سيارة المياه تأتي كلَّ يومٍ في الصباح إلى هذا المكان. تبدأُ بإطلاق موسيقاها المعهودة، تتبعها موسيقى شعبيّة محلية، هي صوت الأطفال وصراخهم: "مياا ميّاا. اجت الميّا". سُرعان ما يخرج الناس...
للكاتب نفسه
لبنان: من هو الوطني اليوم؟
الوطني اليوم هو من ينوي لملمة كل تلك التقرُّحات وكل ذلك العفن. أن ينوي أصلاً، ويعلن عن ذلك، فهي خطوة إيجابية. وهو سيواجه مقاومة عنيدة من المستفيدين من واقع الحال...
لبنان مجدداً وغزة في القلب منه
... أما أنا فأفرح - الى حدّ الدموع المنهمرة بصمت وبلا توقف - لفرح النازحين العائدين بحماس الى بيوتهم في الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية. لتلك السيارات التي بدأت الرحلة...
الوحش الكاسر... الوحوش!
لا يفعل "نتنياهو" الحرب الوحشية الممتدة لينقذ رأسه من المحاكمة والسجن. هذه فكرة ليست ساذجة فحسب، بل غبية.