في رثاء جامعة الدول العربية..

صارت مؤسسة فارغة من المعنى، مبناها فخم مثقل بالصور الملتقطة في الزمن الجميل، وأرشيفها الغني بتاريخ التلاقي والتفاهم والمصارحة والمصالحة يكاد يلتهمه الإهمال، ويشهد على ماضٍ كان فيه بصيص أمل
2017-06-28

شارك

سقطت جامعة الدول العربية بالضربة النفطية القاضية. وعندما فشل مجلس التعاون الخليجي في أن يشكل "البديل" كمرجعية عربية، حتى في حل الخلاف العقائدي المعقد بين الرياض والدوحة، يمم الكل وجوههم في اتجاه واشنطن باعتبارها عاصمة العقد والحل للعرب جميعاً، عاربة ومستعربين.. ولم يفكر أحد من حكامهم باللجوء إلى "جامعتهم"!

المباراة محتدمة الآن بين "الزعماء العرب" على شرف الموقع الأول في صداقة الرئيس الأميركي دونالد ترامب: هل هو الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أم ولي عهد الإمارات الشيخ محمد بن زايد، وكلاهما قد التقى "المرشح" ترامب قبل فوزه بالرئاسة، أم الأمير محمد بن سلمان الذي كان أول مسؤول عربي يلتقيه رئيساً فيستقبله استقبالاً ملكياً، ويعقد معه ووفده إلى طاولة الاجتماعات في البيت الأبيض، وكأنه ملك كامل الصلاحية..
وها هو الخلاف غير مفهوم الأسباب الذي تفجر مؤخراً بين السعودية وقطر، قد استنفر إمارات مجلس التعاون، ما عدا سلطنة عمان، فلبست ثياب الحرب واندفعت في هجوم شرس على الإمارة ال"من غاز"، فقطعت العلاقات معها ورحّلت رعاياها وفرضت عليها حصاراً شديداً، بينما هي تفك الحصار تدريجياً عن دولة العدو الإسرائيلي..
الملفت أن هذه الدول التي يتباهى حكامها بنسبهم العربي الصافي، وبسبق أجدادهم إلى الدين الحنيف، بسبب الموقع الجغرافي في شبه الجزيرة العربية، لم تتوحد في الموقف من قطر وهي تنفرد فتعترف بدولة العدو الإسرائيلي وتكرمه بفتح سفارة لها فيها..
ومن باب لزوم ما لا يلزم، لا بد من الإشارة إلى أن هذه الدول لم تفكر لحظة في أن تلجأ – مثلاً - إلى جامعة الدول العربية لحل الخلاف مع قطر..
كذلك فلا بد من التنبيه إلى أن غالبية هذه الدول العربية - في ما عدا الكويت - لم تفكر لحظة بأن تعرض مساعيها الحميدة لرأب الصدع، مجهول الأسباب حتى الآن، بين السعودية ومن معها وبين قطر التي تتبدى معزولة ومستوحدة لا تجد ملجأ لشكواها إلا في البيت الأبيض في واشنطن الذي يتبدى ساكنه المضارب وكأنه مرجعية العرب العاربة والعرب المستعربة معاً..
... مع أن الأمين العام الجديد للجامعة العربية أحمد أبو الغيط من رواد الصلح مع العدو الإسرائيلي، وقد زار "دولته" غير مرة، وله فيها أصدقاء أعزاء وأصحاب وخلان ورفيقات أنس وصبا.. لم تعد الجامعة تجمع، ولم تعد مؤسسة للم الشمل وتوحيد الكلمة..

صارت مؤسسة فارغة من المعنى والمضمون، مبناها فخم مثقل بالصور الملتقطة في الزمن الجميل، وأرشيفها الغني بتاريخ التلاقي والتفاهم والمصارحة والمصالحة، يكاد يلتهمه الإهمال والنسيان، ويشهد على ماضٍ كان فيه بصيص من الأمل بأن "يجمع الله الشتيتين بعدما يظنان كل الظن أن لا تلاقيا".. على حد ما قال الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز عندما أعيد وصل ما انقطع بينه وبين القائد العربي العظيم جمال عبد الناصر..
سقطت فلسطين، سهواً، على طريق النفط والغاز الآخذة إلى واشنطن وتل أبيب..
وتفرق العرب أيدي سبأ: الفقراء منهم يموتون بصمت في قلب العوز والجوع، والأغنياء منهم يموتون من التخمة وينفقون مليارات الدولارات على أسلحة حديثة وعظيمة الفعالية لن تستخدم إلا ضد أشقائهم الفقراء، كما تشهد حرب البغي والعدوان على اليمن، إحدى عواصم الحضارة الإنسانية..
... وعصر الضياع العربي مفتوح على المجهول، فبدل "القومية" الواحدة صار لكل قبيلة هويتها القومية: السعودية، القطرية، الاماراتية، البحرانية، اليمانية - وهي شمالية غالباً وجنوبية بحسب  الطلب بالدولار -، أما المشرق فمهدد في كياناته السياسية من العراق إلى سوريا، وفي المغرب تبدو ليبيا ممزقة وتونس متصدعة والجزائر تعيش قلق الانقسام بين عرب وبربر والمغرب تحت عرش أمير المؤمنين يواجه مشكلة فقر الرعية بينما أمير المؤمنين يمد يده لرعاياه المخلصين فيقبلونها ثم ينصرفون جائعين..
والأمر لله، سبحانه وتعالى، من قبل ومن بعد!

مقالات من الخليج العربي

للكاتب نفسه

دول آبار النفط والغاز تتهاوى

طلال سلمان 2020-11-18

اليوم، بتنا نفهم حرص المستعمر- بريطانيا بالأساس - على إقامة دول تتضمن رمالها أو سواحلها احتمالات بوجود النفط والغاز. فاذا ما ظهر هذا او ذاك من أسباب الثروة كانت لغير...