وزير الداخلية المغربي يتولى وزارة التعليم

هناك تسيّب وانهيار في الانضباط في المرحلة الثانوية، وهو مصاحب لتراجع التعليم العام وارتفاع معدل التسرب المدرسي. وبدلاً من زيادة عدد المدرسين والمراقبين، جيئ بوزير الداخلية السابق وزيراً للتربية
2017-06-07

محمد بنعزيز

كاتب وسينمائي من المغرب


شارك
كاريكاتير (من الانترنت)

 العاشرة والربع صباحاً في ساحة ثانوية في حي شعبي مكتظ يوصف بأنه نقطة سوداء شمال الدار البيضاء، يحاول موظفان توجيه التلاميذ للالتحاق بفصولهم، كان عدد التلاميذ 800 في 2014 وصاروا 1400 في 2016. الجو مشمس ورائحة الصيف تقترب.. في كل زاوية مجموعات من التلاميذ والتلميذات يتحدثون وينظرون لهواتفهم ويلتقطون الصور. ومع السلفيات اللذيذة عنف لفظي وبدني يستهدف التلميذات أساساً..  

يظهر معدل العنف جلياً في الجدران، فهناك ثانويات مصفحة. كيف؟

 تجري إضاءة الثانوية مركزياً لأن كل أزرار المصابيح كُسرت فمُلئ مكانها بالإسمنت. نوافذ الفصول مصفحة، هناك زجاج وخلفه شباك حديدي بعيون ضيقة وخلفه قضبان حديدية غليظة وذلك في الطابق السفلي جهة ساحة الثانوية. يأتي العدو من الداخل.

 كلما تحطم شيء يجري إصلاحه، هذه إصلاحات فردية وبالقطعة. ينتج عن هذا الترقيع فضاء هجين يفتقد التناسق والاستمرارية. يسحق العنف الجدران والفرد والمجتمع، من الصعب ترقيع ما سُحق.

 يعود الموظفان لكل مجموعة أكثر من مرة لتفريقها دون جدوى.. التلميذ ينهر الموظف "ألم ترَ غيري؟"، يتوتر الجو ويغضب الموظفان ويتحرك التلاميذ ببطء. في كل فصل دخل أكثر من نصف التلاميذ وشرع الأساتذة في الدروس.
يتكرر المشهد يومياً. يحاول الموظفان (حارسان عامان) إخلاء الساحة التي بقي فيها التلاميذ الأكبر سناً والأكبر حجماً.. صار الأمر أكثر صعوبة مع هؤلاء اليائسين الذين لا يخشون أي ردع. ليس لديهم ما يخسرونه. يضطر الحارس لممازحتهم ليغادروا، وبالمزاح يفقد الحارس كل سلطة ردع محتملة. هكذا تحولت طيبة الرجل إلى اتهام ضده.

تريدون دليلاً مطلقاً على صفر ردع؟

 أحياناً يقرر أحد اليائسين الالتحاق بفصله بعد ربع أو نصف ساعة. يحاول الأستاذ صده، يشرح له ضرورة الحضور في الوقت. حين يضطر الأستاذ لشرح البديهيات وأبجديات القانون، يحرق ليتراً من دمه.. بسبب الاكتظاظ وغياب الردع، زادت حدة العمل الذي يقوم به المدرس والإداري.

صورة مرقمة عن الوضع

يلتحق 560 ألف تلميذ سنوياً بالتعليم العمومي، وهذا يرفع الضغط على المؤسسة التعليمية التي لا تتمكن من تدبير الاكتظاظ. وقد غادر 24 الف موظف وزارة التعليم في السنوات الأربع الأخيرة بسبب التقاعد ولم يتم تعويضهم. والمستقبل أشد قتامة: أعلن أن 43 في المئة من المعلمين و30 في المئة من أساتذة الإعدادي و18 في المئة من أساتذة الثانوي سيحالون على التقاعد في 2020. ما معنى ذلك؟ معناه أن جل المدرسين في سن متقدمة جداً، خاصة في المدن الكبرى.

 لتعويض المغادرين اقترح اليسار الجذري زيادة ميزانية التعليم. رُفض الاقتراح في البرلمان. يبقى الوضع على ما هو عليه.  

 حين يفشل الأستاذ العجوز في ردع من لم يُردع قط، يستنجد بالمدير، يأتي المدير لطرد تلميذ تحدث في الهاتف أو يرتدي سروالاً قصيراً يليق بالملاعب الرياضية لا بالثانوية. يتعب المدير من الكلام فيغادر القاعة وقد ضاع ثلث ساعة.

 أهم ثروة في المدرسة هي الزمن، وهذه يتم هدرها بشكل كبير.

 على الورق، تبدأ الدراسة يوم 19-9-2016. على الورق ستستمر حتى بداية حزيران / يونيو. فعلياً بدأت متأخرة عشرون يوماً والفصول بدأت تفرغ في بداية أيار/ مايو.

 وقد تأثر الدخول المدرسي بأجواء انتخابات تشرين أول / أكتوبر 2016 التي لم يعرف فيها الشعب كيف يختار. وكان أول إجراء قامت به إدارة الثانوية هو تكليف تلميذين بالمرور على كل فصل لقراءة الميثاق الذي يُلزم البنات بالمريول الرسمي (ويسمى هنا الوزرة) والذكور بعدم تناول الحشيش داخل المراحيض.. مع مصادقة أولياء التلاميذ بشكل فردي على القانون الداخلي للمؤسسة بشكل إجباري. أولياء على صلة ضعيفة بالمؤسسة،يعملون ساعات طويلة في الاقتصاد العشوائي دون عطل ودون وقت عمل محدد وهذا يضعف مراقبتهم لأبنائهم.

 في هذه الأجواء حين يقف المدير في باب الثانوية لمنع المتأخرين من الدخول يقفز بعضهم من فوق السور. كلما زاد حجم التلاميذ وحيلهم رفعت الإدارة علو السور. قانونياً فإن شرط تحقق الانضباط هو طرد المخالف لردع تكرار حالات القفز فوق السور. يشجع الإفلات من العقاب على تكرار الأخطاء التي تترسخ في سلوك التلميذ ويعتبر ممارستها مع الزمن حقاً له. حتى الغش يصير حقاً بسبب العادة.

مليون منقطع وسكين

ستجري امتحانات البكالوريا هذا العام في شهر رمضان، وقد قرأ المشاغب الظروف واستنتج أنها ستجعل الغش سهلاً لأن المراقبين سيكونون صائمين، وسيُضعف الجوع قدرتهم على الملاحظة. لكن نتائج الغش لا تسر. فمن بين كل مئة تلميذ مغربي يلجون المدرسة يحصل ثلاثة فقط على الإجازة في الجامعة. بين 2002 و2012 انقطع مليون و300 ألف تلميذ عن الدراسة في السنتين الأولى والثانية من التعليم الثانوي. تُحطِّم مشاهدة تجليات البؤس الاقتصادي والمعرفي لعيّنة من هؤلاء كل أمل في مستقبل المغرب.

 في وسط الموسم الدراسي الماضي، استخدم تلميذ سكيناً لضرب زميله في ساحة الثانوية. أصابه في ساقه وهدد بأن يغرسه في عنقه في المرة القادمة. انعقد مجلس تأديبي في الثانوية وظهر أن وزارة التعليم تمنع عن المجلس صلاحية طرد التلميذ لتجنب الهدر المدرسي.

 وزارة الداخلية تستخدم العصا في مواجهة الاحتجاجات. لكن في المدرسة ممنوع طرد المشاغب من الفصل. تفسير مسؤول أمني "لا تطرد التلميذ لأن داعش تنتظره في الباب".

 في نهاية 2016 أوقفت الدرك الملكي ثلاثة تلاميذ في ثانوية قرب مدينة فاس بسبب توزيعهم منشورات كٌتب عليها "تفجير الثانوية يوم الجمعة المقبل". سنوياً يغادر 400 ألف تلميذ مغربي المدرسة بعلم الوزارة، وهي قلقة على مصير واحد استخدم سكيناً.. وغالباً سيظهر زعماء سياسيون بين التلاميذ المغادرين. فحالياً يوجد في المغرب سياسيون كثيرون بمستوى تعليمي منخفض، لذلك يلمعون. في المغرب يلمع الفنانون والصحافيون الأقل تعليماً لأن العامة تفهمهم.

 على الرغم من الفوضى والعنف، يطلب المدير من الأستاذ ضبط تلميذ سبق له ضرب تلميذ آخر بسكين في ساحة المؤسسة. لا يجرّم القانون العنف المدرسي حين يرتكبه تلميذ. لكن العنف ذاته مجرّم خارج الثانوية.  في المدينة بوليس في كل مكان، لكن المؤسسة التعليمية مكان للملائكة.

 الحقيقة أنه لا بد من بوَّاب يزنُ قنطاراً مثل بوابي العلب الليلية لردع المشاغبين بدنياً لا تربوياً.  يخجل المناضلون النظريون من ذكر حقيقة يصل إليها السوسيولوجي البصاص بعد تأمل الوضع: هل الديمقراطية مستحقَّة؟ يمكن سماع هذا السؤال التوكيدي يومياً على لسان سكان محيط الثانوية.

ما العمل؟

يقول صندوق النقد الدولي في تقرير أخير أن المدرسة العمومية المغربية بحاجة لمعجزة تعليمية لتتحسن مردوديتها.

 يكفي تحقيق الانضباط لترتفع المردودية. لكن هذه الانضباط معجزة في ظل الانفلات المعمم. مثال آخر: ارتكب ابن أحد الأعيان حادثة سير ولم يتجرأ الشرطي على تحرير مخالفة. ولأن الصحافة تابعت الخبر تمّ توقيف الشرطي لأنه لم يحرر مخالفة. ولو فعل لتعرض للعقاب على جريمة المس بسليل الاقطاع. وقد تواترت وقائع مثل هذه. فبينما يدهس علية القوم القانون والشعب، يُنتَظر من التلاميذ احترام القوانين.

 مستوى الانضباط في الابتدائي أعلى. كيف؟ ذكرت وثيقة وزارية تشَكّي عدد كبير من الآباء والأمهات من العقاب البدني الذي تعرّض له أبناؤهم داخل المؤسسات التعليمية، سواء من طرف الأساتذة أو من طرف بعض أطر الإدارة التربوية. وطالبت الوثيقة من السادة المدرسين ورجال الإدارة التربوية اجتناب أي شكل من أشكال العنف الجسدي أو النفسي ضد التلاميذ واللجوء إلى "الأساليب التربوية الحديثة والسلام".

حل بوليسي للتعليم

كانت هذه الوثيقة موجهة أساساً لمعلمي الأطفال. لكن هذا غير وارد في الثانوي لأن الأستاذ يتجنب الصدام مع تلميذ مراهق ساخط على وضعه. عادة لا تستخدم وزارة الداخلية الأساليب التربوية الحديثة. فبينما تكلف وزارة التعليم رجلين بمراقبة 1400 مراهق صالح، تُكلف وزارة الداخلية أربعة آلاف شرطي مزودين بكاميرات وأجهزة تفتيش بحراسة ملعب حين يكون المراهق غير الصالح نفسه متفرجاً في مباراة كرة قدم.. وعلى الرغم من هذه الإجراءات، تعلن الصحف بعد المباريات أن "جامعة الكرة تُضرب بقوة".

 كيف؟ تُغرّم الأندية وتفرض عليها مقابلات من دون جمهور. ثم يتكرر العنف والتغريم والمنع وغالباً ما يكون تلاميذ الثانويات هم جل جمهور المباريات. لكنهم يُعامَلون في الملعب بقانون حازم وفي المدرسة بقانون رخو.
بعد وزير التعليم الخصوصي - الذي غير نظام تشغيل المدرسين من التعيين والترسيم إلى التعاقد المؤقت - تمَّ تعيين وزير الداخلية وزيراً للتعليم في حكومة دفن الربيع. وزير الداخلية صار وزيراً للتربية الوطنية. انتشرت نكات في الفايسبوك تخمن شكل مستقبل التعليم في البلد. بلد تعوّد العيش في ظل الداخلية التي تعرف كيف تختار للشعب.

 في أول لقاء مع النقابات، قال وزير التعليم الجديد "ما جبتش معايا الزرواطة"، أي لم أجلب معي الهراوة من وزارة الداخلية. لا مشكلة، فالمسافة بين الوزارتين لا تزيد عن كيلومترين يشغلها القصر الملكي ومسجد السنة.

مقالات من المغرب

للكاتب نفسه