".. يكون عقله مخرَّب"! هذا ما يقوله المثل القديم، والأمثال هي خلاصة الحكمة الشعبية المتراكمة. ولكن السلطات، كما البشر، نَسّاؤون. ابن خلدون قال في جملة تكاد تكون خلاصة عمله الجبار، وقد ذهبت مثلاً: "الظلم مؤذن بخراب العمران". ولا من يرعوي.
اليوم أغلقت السلطات المصرية 21 موقعاً إعلامياً دفعة واحدة. كشكول فيه كل شيء: "الجزيرة" و"هافيغتون بوست بالعربية" وموقع "مدى مصر" وموقع "المصريون" وهو لجريدة مرخصة، وسواهم ممن يُكتشفون تباعاً، لأنه لا بلاغ رسمي بالإغلاق ولا من يحزنون، بل تسلل عبر التقنيات للتعطيل، ثم خبر نشرته "وكالة أنباء الشرق الأوسط" (واسمها بالإنجليزية MENA، وهي وكالة الأنباء الرسمية المصرية)، يعلن ذلك ومعه الرقم، ومعه التبرير: "ينشرون أنباء كاذبة" و"يدعمون الإرهاب". مصر مصنفة هذا العام في المرتبة 161 من أصل 180 بلداً في "لائحة حرية الصحافة العالمية"(World Press Freedom) . وما زال زميلنا وصديقنا الباحث اسماعيل الاسكندراني معتقلاً منذ تشرين الثاني / نوفمير 2015 لكتابته مقالات تحليلية (نشرناها على موقعنا وفي ملف "سبر أغوار سيناء") تنتقد خطة السلطات في سيناء وتعتبرها فاشلة في القضاء على الإرهاب..
واللائحة طويلة لشبان وشابات قضوا سنوات في السجن بتهم سخيفة، وما زال أكثرهم هناك. وقبل يومين أوقف المحامي خالد علي لساعات بتهمة هي "الفعل الفاضح" (!) مع رفض إبراز المستندات حتى يتمكّن من الدفاع عن نفسه. وهو اشتهر بدفاعه عن المعتقلين، وبنضاله للحفاظ على مصرية جزيرتي صنافير وتيران، القائمتين على مضيق استراتيجي، بوجه محاولات السيسي إهداءهما للسعودية، كما كان مرشحاً للرئاسة بوجه الرئيس الحالي. وقبل يومين أيضاً من واقعة خالد علي، جرى اعتقال عشرات الشبان في أنحاء مختلفة من البلاد، وهم جميعاً ناشطون سياسيون ينتمون إلى أحزاب ومجموعات لها صفة يسارية واضحة : "العيش والحرية"، "الدستور"، "المصرى الديمقراطي"، "التيار الشعبى"، و"6 أبريل". التهمة "معارضة النظام" وذلك استناداً إلى البوستات التي ينشرونها على صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي.
المهم: السيسي شرب حليب السباع مجدداً لرضا ترامب عنه، وهو الذي وعده خلال لقائه به في الرياض الأحد الماضي بزيارة قريبة. ودار بينهما حوار عجيب، إذ قال له السيسي "أنت شخص فريد وقادر على صنع المستحيل"، ما أجاب عليه الرئيس الأمريكي "موافق على ذلك"!
ستشهد مصر إذاً حالة جديدة، تتجاوز "الترتيبات" المتوقعة لإدارة الانتخابات الرئاسية في 2018، إلى إنهاء قاطع لكل المظاهر المتولدة عن 25 يناير 2011، وهو كان حدثاً تأسيسياً حتى ولو جرى مذاك سحقه واحتواءه وحرفه الخ.. و"مدى مصر" تنتمي إليه، وكذلك كل هؤلاء المناضلين، من في السجن مذاك وهم آلاف، ومن يدخل إليه تباعاً الآن.
"مدى مصر" عضو كما "السفير العربي" في شبكة الإعلام المستقل في المنطقة العربية، التي أسسناها معاً مع آخرين.. ومن أهدافها مواجهة مثل هذه الحالة التي يعيشها زملاؤنا اليوم: قلناها بيننا ونقولها اليوم علناً: نستضيفكم على موقعنا، على الرحب والسعة. وهذا أقل شيء.
وأنتم على أية حال لن تصمتوا، ونحن نعرف ذلك.. "ولكنهم لا يعلمون"..
إفتتاحية
تجريب المجرَّب
مقالات من مصر
ثمانون: من يقوى على ذلك؟
إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.
الباب المُقفل: معضلة تعليم الفلسطينيين في مصر
هناك إصرار متزايد في أوساط أطفال وشباب جيل النكبة الفلسطينية الجديدة على حقهم في التعليم، وتشكيل مستقبلهم بأيديهم من جديد، على الرغم من الظروف القاسية عليهم. إلا أن ذلك، بالمقابل،...
في مصر يمكنك فقط الاختيار بين سجن صغير وآخر أكبر
تحوّل القانون رقم (73) لسنة 2021، الذي يتيح فصل الموظفين المتعاطين للمخدرات، إلى أداة لملاحقة العمال والنشطاء النقابيين العماليين، والنشطاء السياسيين والصحافيين. وعلى الرغم من اعتراض النقابات والجهات الحقوقية على...
للكاتب نفسه
لبنان مجدداً وغزة في القلب منه
... أما أنا فأفرح - الى حدّ الدموع المنهمرة بصمت وبلا توقف - لفرح النازحين العائدين بحماس الى بيوتهم في الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية. لتلك السيارات التي بدأت الرحلة...
الوحش الكاسر... الوحوش!
لا يفعل "نتنياهو" الحرب الوحشية الممتدة لينقذ رأسه من المحاكمة والسجن. هذه فكرة ليست ساذجة فحسب، بل غبية.
كنيساً يهودياً في باحة "الأقصى"
تتجسد معاني "خروج الحسين"، لمواجهة الطغيان، هو وأهله وكل من يخصه - مع معرفتهم المؤكدة بما يقال له اليوم في اللغة السياسية الحديثة "اختلال موازين القوى" لغير صالحه - في...