نداء بدوان
برز هذا الاسم قبل عامين وكان مرتبطاً بمجموعة صور متقنة التقطتها صاحبته لنفسها داخل غرفتها الضيّقة في دير البلح بغزّة. عنوان تلك المجموعة كان "مئة يوم من العزلة"، وتظهر فيها بدوان في لحظات مختلفة وسط "ديكورات" صممتها بنفسها باستخدام مواد منزلية بسيطة. نداء اختارت الانعزال عن المجتمع بعد أن منعتها الشرطة التابعة لحركة حماس من الاستمرار في برنامج تدريب فنّي كانت تشرف عليه. وقد أوقفها أفراد من هذه الشرطة في الشارع، وعبّروا عن عدم رغبتهم في رؤية امرأة لا يغطي رأسها حجاب، وترتدي الجينز، وفوق هذا تقول إنّها تُصوّر وتصنع أفلاماً. ردّة الفعل على هذه الحادثة جعلتها تقضي أكثر من سنة داخل منزلها دون أن تخرج سوى مرّتين، الأولى لمتابعة معرض لها في القدس عبر سكايب، والثانية للذهاب إلى الطبيب داخل سيّارة أرادتها أن تكون مغطّاة بالكامل. "أغلقت عينيّ. وضعت السماعات في أذنيّ. أطلقت أغنية What a Wondurful World. أخفضت رأسي. لم أكن أريد أن أكسر عزلتي. لم أكن أريد أن أرى غزّة". هكذا قالت في مقابلة أجرتها صحيفة نيويورك تايمز معها. هي الحالة النفسية التي يمكن أن تصل إليها انسانة مبدعة أرادت أن "ترتكب" الفنّ، وكانت منطلقة قبل أن تجد من يحاول أن يفرض عليها شكلاً محدّداً لطريقة العيش واللبس والحركة. نشرت الصحيفة الأمريكية صورة لبدوان على صدر صفحتها الاولى، وهي في الحقيقة عمل فوتوغرافي فني ملفت، وكذلك نشرت لها سلسلة صور في السياق نفسه. بعد ذلك بدأت صورها تجوب العالم حيث أقيمت لها معارض عدّة، في إيطاليا خصوصاً، وكذلك في ألمانيا والدنمارك والولايات المتحدة وسان مارينو، التي دعمت وزارة ثقافتها العام الماضي مشروعاً فنّياً جديداً لها (لوحاتٌ هذه المرّة). وفي الأول من آذار / مارس الماضي كانت نداء إحدى المتحدثات في مؤتمر "الإرث الثقافي من وجهة نظر الشباب العرب" الذي أقامته منظمة الأونسكو في قرطاج.
نانا عاشور
في الرقعة الجغرافية المحاصرة نفسها هناك فتاة لم يتجاوز عمرها الـ16 عاماً، تطمح لأن تكون أول عازفة طبلٍ (درامز) وتحيي حفلاً في غزّة، ولأجل ذلك تواظب على دراسة العزف في مدرسة تحمل اسم سيّد درويش، وتقاوم الحصار وضيق حال أهلها بابتكار آلات موسيقية من الأواني المنزلية. لكنّ على نانا عاشور أن تقاوم ما تتعرض له من انتقادات وتعليقات سواء على يوتيوب، حيث يوجد الفيديو الوحيد الذي تظهر فيه وهي تعزف، أو في الواقع حيث الاستهجان الدائم من أن تصير فتاة عازفة طبل. لم تكن عاشور تلاحظ هذا الاستهجان في مصر حيث كانت تعيش وحيث بدأ حبّها للموسيقى. وعلى الرغم من هذا فهي ما زالت تحاول ولا يبدو أنها ستتوقف قريباً.
ريهام الكحلوت
اختارت كما نداء ونانا اللتان تشاركهما العيش في القطاع، أن تسعى إلى تحقيق حلمها في أن تصير ممثلة، فانضمت إلى فرقة تمثيل كوميدية. وهذه كانت قبل انضمام ريهام إليها تتحايل على عدم تقبّل المجتمع ظهور نساء في المقاطع التي تنشرها على يوتيوب بأن يلعب رجالٌ أدوارهن.. ما كان عليه الحال في المسرح البريطاني في القرن السادس عشر قبل أن يتغيّر الأمر مع شكسبير! حسناً، ما تقدّمه الفرقة في نقدها ليس عميقاً للغاية، وينحو في كثير من الأحيان إلى الهزل، وريهام تبدو بحاجة إلى تدريب أكثر على التمثيل، لكنّ الفعل بحدّ ذاته تحدٍّ للوضع القائم، وهو لا يمرّ دون مضايقات من المحيط الذي يبدو فيه كثيرٌ من الناس متفقين مع السلطة القائمة على محاولة منع أيّ مساءلة لقيم يقال عنها أنها تمثل "المحافظة".
بالطبع ليس التضييق على المبدعات حكراً على غزّة، فهو يحصل في كلّ مكان بطرق متنوّعة. في "أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة" الأمريكية مثلاً تمييز بدء مؤخراً فقط الالتفات إليه، ويستهدف النساء والسود، وليس مصادفة أنها الفئات المصنفة "تابعة" أو "دنيا"، حتى عندما يختفي الإقرار العلني بهذه النعوت.. فكيف حين تكون ما زالت متبناة جهاراً نهاراً!