يوم المرأة العالمي، كل عام في 8 آذار/مارس، مناسبة يُلتفَت فيها لتكريم النساء كمكافحات من أجل حقوقهن. وهذه صارت ليس مجرد مطالبات بتحسين هذه الناحية أو تلك من شروط حياتهن، بل هي تستند إلى الاعتراف بكامل إنسانيتهن، بلا انتقاص ولا استدراك.
بعضهن مناضل بوعي مُدرِك لهذه الغاية، وأغلبهن مكافحات بصمت، تعرفن واجباتهن العديدة ويؤدينها ببديهية مسؤولة، فيكُن في كثير من الحالات ــ العادية منها، كما وبالأخص في الشدائد ــ ركيزة عوائلهن ومجتمعاتهن.. فلا يُنسى مثلاً دورهن الحاسم في الحفاظ على النسيج الاجتماعي لشعب مقتلع بغفلة من الزمن، أثناء نكبة فلسطين ثم في الشتات، ولا دور أخواتهن المشابه أثناء مأساة العراق الحديث الممتدة، بدءاً من ظروف الحرب الطويلة مع إيران في 1980 إلى كل المحطات المتلاحقة.. وهي بعض من أمثلة سواها كثير.
وهن جميعاً تواجهن منظومة هائلة وراسخة، هيمنت على تاريخ البشرية وما زالت، تضعهن في مصاف أدنى، باختلافات وتدرجات بالطبع، وتلتف دوماً أو تحاول الالتفاف على ما يتحقق لمصلحتهن، سواء قانونياً أو قيمياً وفكرياً، في صراع شرس للإبقاء على دونيتهن الرسمية أو الفعلية، كشكل لاستعبادهن أو لاستغلالهن، وبكل الأحوال لإخضاعهن.. مما لم يعد من الممكن استمراره، موضوعياً، حيث وصلت النساء بكثافة إلى الحيز العام، تعليماً وعملاً في كل الميادين، وصارت معاملتها بدونية ولو مغلفة أمر شاذ، يتبرأ منه الجميع أو يكاد.
يمكن طبعاً قياس التقدم الحاصل لمصلحة النساء في هذا الصراع، وهو لا يُنكَر ولا يُستخف به. ويمكن كذلك قياس الانتكاسات التي تلحق بهن في سياقه، وهي الأخرى كثيرة وتطال كل بقاع العالم. وتلك هي بالأساس وظيفة هذا اليوم المستعاد كل عام: تقييم المسار وتجديده.
وفي هذا، تحيط بمجتمعاتنا في العالم العربي كوارث كبرى، وهي ما زالت فاعلة ومتفاقمة، عناوينها انزلاق الصراع السياسي إلى العنف الدموي المسلح. وهي أدت علاوة على القتل، إلى موجات نزوح وتهجير قسريان يرافقها بؤس فظيع، وإلى وقائع الاغتصاب الجماعي المعروفة، وإلى الموت جوعاً ومرضاً.. وها اليمن مثلاً تشهد إنذارات متوالية على فداحة موقفها لهذه الجهة، وعلى أن ضحايا المجاعة والأوبئة هن أولاً النساء وأطفالهن.. مما لا يأبه له المتقاتلون.
وها الاندفاعة إلى ما يقال له "التقشف" أو "إعادة هيكلة الاقتصاد" تحت وقع نتائج الإدارة المافياوية النَهّابة لمجتمعاتنا تودي بعدد من المنجزات التي تحققت، وأولها تعليم البنات الواسع وخروجهن إلى سوق العمل وتحقق استقلاليتهن الاقتصادية، ما يُرتدّ عنه مع انهيار منظومة التعليم العام المجاني والإلزامي من جهة، وبحجة "الأزمة" الاقتصادية، وكذلك نتائج ما نراه من خصخصة الاستشفاء، ومن سيادة عدم الأمان في الشارع وفي وسائل التنقل.. والنساء أول من يدفع ثمن هذا التخلع في جميع البنى حيث تجدن أنفسهن تخرجن من الحيز العام. وإن كانت الحال بمجملها وعلى الجميع في غاية البؤس.. ما يعقد الصلة بين نضالهن المخصوص وبين الشأن المجتمعي بكل ميادينه وتفرعاته.
ولكن النساء تقاومن، وعلى كل المستويات وبكل الوسائل، وبصبر وإصرار، وأيضاً بإبداع. وكمساهمة بسيطة ومتواضعة في هذه المقاومة، يخصص لهن السفير العربي كل ما ينشره بدءاً من اليوم وعلى امتداد هذا العدد 233. تكتبن بأقلامهن ما ترينه ضرورياً، وننشر صوراً لهن تكون أحياناً بـ"ألف كلمة" من فرط دلالتها، وأحيانا أخرى "حلماً" نراه تعبيراً عن الأمل. عسى تتضح نقاط الضوء وسط هذا الخراب.. وهي قائمة فعلاً!