ليبيا أرض الأحلام

كلما عرفت تفاصيل الأمور ودواخلها، صعب عليك شرحها لمن لا يعرفها.. فررتُ من بلدي إريتريا مُكرهاً، الفقر وضنك العيش يحاصرانني، التجنيد الاجباري، الاستبداد السياسي، عوامل طاردة اجتمعت وصار الخيار الوحيد أمامي هو الهجرة. بل أظن أن كل الشعب يفكر في الهجرة ولا يجد السبيل.
2017-02-17

شارك

كلما عرفت تفاصيل الأمور ودواخلها، صعب عليك شرحها لمن لا يعرفها.. فررتُ من بلدي إريتريا مُكرهاً، الفقر وضنك العيش يحاصرانني، التجنيد الاجباري، الاستبداد السياسي، عوامل طاردة اجتمعت وصار الخيار الوحيد أمامي هو الهجرة. بل أظن أن كل الشعب يفكر في الهجرة ولا يجد السبيل. فمن الصعب الفرار من أسوار الطغمة الحاكمة، والعقاب المزري يتوعّد كل من يفكر في الفرار. لكنّ المهربين المحترفين يتمتعون بمهارة المراوغة ومعرفة بالمسالك، ولك أن تغامر وتدفع المال. وهذا ما حدث معي. ولا زلت أذكر الأوقات التي قضيتها داخل الحدود الإرترية في طريقي إلى النفاد، كانت أشد وطأة على النفس، تتراءى أمامي قضبان السجون، وآخرون بلغتنا أخبار فشل تجربتهم بالرحيل، والنهايات المرعبة .
لكن لحظة دخولنا الحدود السودانية، لا شك أنها أشبه بلحظة الانعتاق النهائي من كوكب الجور، وإن كنا على يقين أنّ كثيراً من المتاعب لا تزال تنتظرنا. ولعل إحداها وقوعنا في قبضة قطاع طرق، سلبوا أموالنا بعدما استلمَنا مهرّبون سودانيون. خبأت بعضاً منها في قبعتي، وتركونا لنواصل سيرنا على ظهر سيارة مهترئة، إلى ان بلغنا الحدود الليبية. هناك تركَنا المهربون في العراء. صحراء رملية مقفرة، قالوا لنا انتظروا حتى يأتي المهربون الليبيون لنقلكم، وظللنا هناك سبعة أيام، نفد الزاد، وبلغ بنا الإعياء الشديد حدّ اليأس من الحياة، وفي اليوم السابع وصل المهربون الليبيون، لإتمام مرحلة أخرى إلى الجنوب الليبي عبر منطقة الكفرة، ومنها إلى مدن الشمال والساحل.   
في السودان لا حلّ لمن نفد ماله سوى بيع الأعضاء، الكلية على وجه الخصوص. وهناك عصابات على علاقة بمصريين لهم دكاترة مختصون في إجراء العمليات. ويتطلب نقل من يوافق إلى مصر، وتغيير خط سيره. ليبيا أرض الاحلام كما نسمّيها.. لن تتعرض هناك إلى هذا النوع من الابتزاز، وإذا ما نفد المال، ستجد فرص العمل بيسر، وتستطيع خلال فترة قصيرة جمع ما يكفي لعبور المتوسط . كما أن وقوعك في يد شرطة مكافحة الهجرة لن يكون مضنياً، سيتكفلون بإعاشتك، وستعاني السجن لفترة محدودة، وقد تجد ممراً للهروب ما لم يكونوا ملوا من سجنك ، فهم لا يملكون حلولاً لإعادتك الى بلدك ، وسيضطرون للإفراج عنك بعد طول انتظار، وأحيانا بوقت اقل. كنا نعرف كل هذا، ولا نخشاه. لم أفكر في العمل في ليبيا، اتصلت بشقيقي الذي يعمل بدولة ما،أرسل لي مبلغا من المال ساعدني على اجتياز المرحلة الثالثة، لكنا وقعنا في قبضة خفر السواحل الليبي في عرض البحر. وتمّت إعادتنا إلى اليابسة من جديد، وها نحن ننتظر لحظة الإفراج عنّا. (...)

من مدوّنة "عين على فزّان"*

* فزان منطقة أثرية تقع جنوب غرب ليبيا

 


وسوم: العدد 230

مقالات من ليبيا

القاتل في ليبيا

2023-09-13

الليبيون يعرفون أن المشكلة تكمن في مكان آخر: تنبأ بها عام 2022 تقريرٌ كتبته إدارة ليبيّة شبحيّة: "يجب علينا بشكل عاجل صيانة وتقوية سدَّي درنة، وهناك حاجة إلى سدّ ثالث،...