ما الذي تحدثه معركة المخا من فرق في حرب اليمن؟

لمعركة الساحل الجنوبي للبحر الأحمر أهمية كبرى لارتباطها بممرات إستراتيجية كباب المندب، ولأنها تعني السيطرة على منفذ تهريب رئيسي ومعسكر مهم. وبسبب موقعها، فهي تنذر بكلفة إنسانية عالية.
2017-02-09

ماجد المذحجي

مؤسس مشارك والمدير التنفيذي لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية


شارك

المعارك المشتعلة في منطقة باب المندب وصولاً إلى مدينة المخا وميناءها الحيوي هي أول تحول كبير في مسرح الحرب اليمنية منذ استقرار خطوط التماس بين طرفي القتال طوال العام المنصرم، دون تقدم كبير يمكن أن يغير موازين السيطرة على الأرض. وهي المعركة الأهم منذ استطاعت القوات الموالية ل"الحكومة الشرعية" دخول منطقة "نهم" التي تشكل البوابة الشرقية للعاصمة اليمنية في بداية العام 2016.

المعارك بدأت مع توجه "قوات الجيش الوطني"، مدعومة بغطاء ناري كثيف من قوات "التحالف العربي" جواً وبحراً نحو مركز مديرية "ذباب" الاستراتيجي الذي يطل على باب المندب، وانتزاعها من يد القوات الموالية لصالح والحوثيين. وهذا حدث بعد فشل محاولات  متعددة على مدى أكثر من عام، كانت تدور سجالاً، سيطرة وانسحاباً، خاصة في محيط معسكر العمري ومديرية ذباب. وهذا أتاح التقدم الحثيث نحو مدينة المخا التي لا تبعد عن ذباب أكثر من أربعين كيلومترا شمالاً، وسقوطها بيدها بعد حصارها المدينة من الجهتين الجنوبية والشرقية وقطع طرق إمداد قوات الحوثيين وصالح القادمة من معسكر خالد بن الوليد الواقع شرق المخا باتجاه مدينة تعز. أُضف لذلك إنزال مباغت من الجهة الشمالية لإطباق الحصار، ما جعل السيطرة على أحياء المدينة مسألة وقت.

منفذ تهريب رئيسي

السيطرة على كل من ذباب والمخا أمر مهم للغاية كونه يفقد تحالف صالح والحوثيين واحدة من أهم المنافذ التي يعتمد عليها في التهريب إلى الأراضي اليمنية. كما تحرمهم من شرفة بالغة الأهمية تطل بهم على مضيق باب المندب الذي تمر به خطوط الملاحة الدولية. لكن هذه السيطرة ستظل غير مستقرة فطالما لم يتم تأمين السلاسل الجبلية الممتدة بموازاة الشريط الساحلي من باب المندب جنوباً حتى "ميدي" التي تقع أقصى الشمال (تابعة لمحافظة حجة)، وتقع على خط التماس الحدودي مع السعودية في الزاوية الشمالية الغربية من اليمن.  وهذه تدور فيها معارك طاحنة أيضاً بين قوات الحوثيين وصالح من جهة و"الجيش الوطني" من جهة أخرى.

الأمر لا يتعلق فقط بالجبال التي يلوذ بها مقاتلو الحوثيين وصالح وتوفر لهم حماية طبيعية تجاه الطيران، بل أيضاً بوجود معسكرات أساسية تغذي قواتهم، وأبرزها معسكر خالد بن الوليد الذي يشكل نقطة ارتكاز بالغة الحيوية لتغذية قوات الحوثيين وصالح في الجبهة الغربية لمحافظة تعز ولمهاجمة المخا والجزء الجنوبي من الساحل اليمني على البحر الأحمر وصولاً إلى باب المندب. وهو المعسكر الذي أنيطت بصالح مهام تأسيسه كقاعدة عسكرية لليمن الشمالي (قبل إعادة تحقيق الوحدة بين الشطرين في أيار/ مايو 1990)، ويوازي قاعدة "العند" العسكرية التي كانت تابعة للشطر الجنوبي إبان فترة حكم الرئيس الأسبق إبراهيم الحمدي منتصف سبعينات القرن الماضي. كما كان المعسكر أساس القوة والنفوذ الذي صعّد صالح إلى كرسي السلطة لاحقاً بما أتاحه له من قوة واحتكاك مع العالم المفتوح على شواطئ المخا، التي تحولت من ميناء اقتصادي حقيقي إلى نافذة تهريب للأسلحة والكحوليات، ونافذة للعلاقات مع كل عابري البحار.

معسكر مهم للجميع

الرمزية التي يمثلها معسكر خالد بن الوليد لصالح تجعل القوات الموالية للشرعية أحرص على السيطرة عليه، خاصة وقد خاض معارك حرب صيف 1994 ضد وزير دفاع قوات سالم البيض حينها ،هيثم قاسم طاهر، الذي يقود معركة المخا وباب المندب حالياً. ولم يكن تكليف هيثم طاهر بالمهمة خارج هذه الحسابات فيما يبدو، لكن وبلغة أخرى، فالسيطرة على المعسكر تعطي للمسيطِر عليه ميزة جوهرية ليس في وضع المخا تحت رحمة قذائفه، بل وفي إعطاء نقطة تمركز للتوسع في تعز والوازعية حيث تدور معارك أخرى تراوح مكانها دون تغيير جوهري منذ العام الماضي.

الأمر لا يتعلق فقط بالجبال التي يلوذ بها مقاتلو الحوثيين وصالح وتوفر لهم حماية طبيعية تجاه الطيران، بل أيضاً بوجود معسكرات أساسية تغذي قواتهم، وأبرزها معسكر خالد بن الوليد

ظهر زعيم الحوثيين في خطاب متلفز عشية الاشتباكات العنيفة في مدينة المخا، رغم غيابه الطويل عن أنصاره، ليعيد شحنهم بطاقة معنوية ارتكزت على الخطاب الديني، معيداً تركيز خصومه على باب المندب وامتداد سواحله شمالاً إلى رغبة السعودية بخدمة الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، مؤكداً الاستمرار في الدفاع عنه. لكن صالح لم يظهر بخطاب مماثل، ربما لأنه غير قادر على إعطاء وعود بالنصر في تلك الجبهة التي يعرفها أكثر من أي يمني آخر.

حسم معركة المخا كان متوقعاً، والسيناريوهات المرجحة تشير الى الذهاب نحو معسكر خالد بن الوليد وتأمينه كأولوية أكثر أهمية من الدفع بالقوات قدماً نحو الخوخة شمالاً، والتي تقع في منتصف الطريق بين المخا ومدينة الحُديدة بالغة الأهمية. والتوجه نحوها يعني غلق آخر وأهم النوافذ على الإطلاق للحوثيين وصالح على العالم الخارجي، كما يعني خنق الاقتصاد في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم كليا، لأن الحديدة هي الممر الحيوي للحياة ومتطلباتها في بلد يستورد أكثر من 90 في المئة من احتياجاته الغذائية.

ومع ظهور أسلحة مضادة للدروع، وصواريخ موجهة قادرة على استهداف السفن والبوارج الحربية التابعة للتحالف من الجبال المطلة على الساحل الغربي وسفوحها، فإن عدم تأمين هذه المناطق قبل التوغل شمالا سيجعل هذا الساحل مصيدة قاسية ومستنقعاً لاستنزاف قوات "الجيش الوطني"، خاصة مع عدم قدرة "التحالف" على التغطية الجوية لأن مناطق القصف لن تستهدف منشآت عسكرية واضحة بل منصات متنقلة. وقد سبق قصف بارجة إماراتية وأخرى أمريكية من ذلك الساحل في شهر تشرين الأول/ أكتوبر من العام المنصرم.

معارك ذات كلفة إنسانية عالية

ضمن مستوى آخر، يمكن قراءة دلالات مختلفة لمعركة المخا، حيث يفصح سلوك قوات الحوثيين وصالح الذين لم ينسحبوا من المدينة، وفضلوا التمركز وسط الأحياء السكنية وخوض حرب شوارع انطلاقاً منها، عن هوية المعارك القادمة، في حال تقدم القوات الموالية لحكومة الرئيس هادي نحو المدن التي تقع تحت سيطرة صالح والحوثيين، وكيف أنهم يذهبون باتجاه معارك صفرية ذات كلفة إنسانية عالية. خاصة أن المناطق الواقعة شمال المخا أكثر كثافة سكانية من جنوبها. لكن المؤكد أن الاستماتة التي جرت في الدفاع عن المخا ثم محاولة استعادتها لاحقاً، ستستمر لما تمثله من قيمة استراتيجيه ورمزية في الوقت ذاته، قد يؤدي فقدانها إلى تراجع قوي في معنويات مقاتلي الحوثي ــ صالح، وبالتالي تراجع قدرتهم على الحشد والإعداد لمقاتلين جدد لا يسعف الوقت لتوفيرهم حتى لو كان ذلك ممكنا نظرياً.

فقد الحوثيون وصالح شرفة بالغة الأهمية تطل بهم على مضيق باب المندب حيث تمر خطوط الملاحة الدولية. لكن سيطرة "الجيش الشرعي" ستظل غير مستقرة طالما لم يتم تأمين السلاسل الجبلية الممتدة بموازاة الشريط الساحلي

قادة عسكريون من الجنوب!

الدلالة الأخرى المهمة هي هوية القوات الموالية لـ"الحكومة الشرعية" التي تخوض المعركة، فهي مكونة من مقاتلين وقياديين عسكريين جنوبيين ينادون بفك الارتباط بين شمال اليمن وجنوبه. وتشكل المعركة التي تجاوزوا فيها الخطوط الشطرية السابقة إخلالاً بتعهدهم بالدفاع عن الجنوب فقط، كون المعركة في الشمال لا تعنيهم. وفي ذلك يبدو أن قرار "التحالف العربي" ممثلاً بالإمارات كان المحرك الأساسي لهم وليست الخيارات السياسية الخاصة بهم.

بالإجمال فإن معركة الساحل الجنوبي للبحر الأحمر تحرم تحالف الحوثيين وصالح من الامتياز الاستراتيجي الذي توفره سيطرتهم عليه، وإطلالهم على الممرات البحرية الدولية التي تعبر باب المندب، والميزة التفاوضية الأساسية التي يمثلها ذلك. كما يحرمهم من القدرة على التنفس وتجديد أسلحتهم وتعويض ذخائرهم التي يخسرونها في الجبهات المختلفة. وهذا سيفرض عليهم مستقبلا التفكير مطولاً قبل إطلاق قذيفة واحدة بأي اتجاه، لأنه حتى في حال عدم التقدم شمالا لغلق الساحل المتبقي، فالرقابة على ساحل مساحته محصورة أكثر سهولة وأقل كلفة وأشد إحكاماً.

مقالات من المخا

عامان على الحرب في اليمن

يمكن للحرب الدائرة في اليمن وعليها أن تستمر لسنوات، مدمرة البلاد ومنتجة كوارث مديدة ومكبّدة كلفة عالية حتى لأصحابها، وسط عدم اكتراث شامل بها. وهي لن تُحسم بالقتال. بشعة وعبثية،...

للكاتب نفسه

كيف غيّرت الحرب مأرب؟

مأرب الصاعدة في مشهد اليمن الحالي تحصد ضعف الجميع وتعاني منه في الوقت نفسه، وهي تُكثّف أعباء الحرب وامتيازاتها، وفيها يمكن رؤية كيف تُغيِّر ديناميات الصراع المسلح هوية المكان والتحديات...