"لنرسم من أجل غزّة"

اختبر أطفال غزة على مدار عامين صنوفاً من الصدمات النفسية والعاطفية تحتاج دهراً للتشافي منها. أثناء حرب الإبادة، عبّر 96 في المئة من الأطفال في القطاع عن أنهم يعتقدون أن موتهم حتمي. في دراسة أصدرتها منظمة "أطفال الحرب" في كانون الأول/ ديسمبر 2024، وجدتْ أن نصف الأطفال في غزة يتمنون الموت بعد الصدمات التي تعرضوا لها، وأن 79 في المئة منهم يعانون من كوابيس. وكررت المنظمة ما أكدته عدة منظمات دولية تُعنى بالطفل، عن أن غزة باتت أسوأ مكان ليعيش فيه الأطفال في العالم.
2025-11-20

شارك
مجموعة من الأطفال في فرنسا من جنسيات مختلفة يشاركون في عمل رسومات لأقرانهم في غزة تعبيراً عن تضامنهم (الصورة عن صفحة "وجوه غزّة" على انستغرام).
إعداد وتحرير: صباح جلّول

أَطلقت مبادرة "التعليم لغزّة"، التي سعت لدعم سبل التعليم للأطفال في غزة، خلال ذروة حرب الإبادة الإسرائيلية (وصولاً إلى اليوم)، حملة عالمية بعنوان "لنرسم من أجل غزّة". بدأت المبادرة الأساسية "التعليم لغزة" كحملة قاعدية شعبية بطلبٍ من غزيين في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، واستجاب لها مناضلون وناشطون من حول العالَم، فسعتْ إلى إيصال اللوازم المدرسية، ومعدات الكمبيوتر، وتوفير دروس مجانية متاحة على الانترنت لأطفال غزة، لتمكينهم من استعادة فرص الوصول إلى التعليم الذي حُرِموا منه على مدى أكثر من عامين، لم يُبقِ فيهما الاحتلال مدرسة ولا جامعة قائمة أو صالحة للاستخدام.

"لنرسم من أجل غزة" جزء من هذه الجهود التي تصبّ اهتمامها على أطفال غزة وتوفير الدعم العلمي والمعنوي لهم. بدأ الأمر بدعوةٍ من ناشطين في غزة إلى أطفال العالَم البالغين من العمر 4 إلى 14 سنة، الى التخاطب مع أطفال غزّة عبر الرسم. "ضعوا رسماً لإيصال رسالة إلى أطفال غزة مفادها أننا معكم بكل صدق وإخلاص"، هذا كلّ ما قيل للأطفال، مع الحرص بأن تكون أفكارهم وطريقة تنفيذهم حرة تماماً، خاصة بكل منهم، من دون أي رقابة أو تدخلات من الكبار حولهم.

ملصق الحملة

طلبت الحملة من الأطفال في غزة المشاركة برسومات عن حياتهم وأفكارهم أيضاً، وكانت الفكرة تقتضي أن يتمّ تبادل ما الرسومات، بحيث تُعرَض رسائل أطفال العالَم في غزة وتُعرَض رسوم أطفال غزة في مخيمات النزوح الفلسطينية وأماكن أخرى، بهدف خلق رابط ما بين هؤلاء الأطفال في كل مكان، ومن أجل إيصال رسالة تضامن عابرة لكلّ حدود إلى أطفال غزة بالذات.

تسعى مبادرة "لنرسم من أجل غزة" لعَرض مجموعات مختارة من الرسومات من غزة وحول العالم في معارض وأماكن عامة لفتح الباب لمعاينة هذه التجربة الإنسانية البسيطة، ولكن العميقة.

من الرسومات التي صنعها أطفال متضامنون مع أطفال غزة (الصور من صفحة "وجوه غزة" على انستغرام)

ذُيّلت الدعوات للمشاركة باقتراح أن تُرسَل هذه الرسومات "إلى مسؤوليك المنتخَبين والسلطات" في أي مكان أُرسلتْ منه المشاركة في العالم، مع توجيه رسائل شخصية لهم تطالبهم بالعمل من أجل حرية الشعب الفلسطيني وأمان أطفال فلسطين.

مقالات ذات صلة

وبالفعل، استجاب كثر إلى النداء، ووصل إلى المنظّمين أكثر من ألف رسم فني من أطفال غزة والعالَم. يُنظّم القيّمون على الحملة معرضاً في القرية التعليمية التي أقامتها مبادرة "التعليم لغزّة" وسط خيام النازحين في المواصي (خان يونس، جنوب قطاع غزّة)، وسيكون افتتاحه بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الطفل في 20 تشرين الثاني / نوفمبر 2025.

بالتزامن، يُفتَتح معرض رسومات الأطفال لغزة في العاصمة الفرنسية باريس، في المركز الثقافي الاجتماعي "ذا رونغ سايد"، على أن يستمر المعرض من 20 إلى 29 تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي. ويتضمّن الافتتاح عروضاً فنية واتصالاً بالفيديو لحضور افتتاح المعرض في غزة بشكل مباشر، بحضور العائلات والأطفال.

من الرسومات التي صنعها أطفال من غزّة..

دخانٌ يتصاعد من شبابيك البيوت، بيت بفجوات كثيرة، بيت بالونات ملونة تحمله وتطير به إلى مكان آخر بلا قصف وموت، وجوه حزينة، طفل يبكي لأنه يحمل وعائَي ماء ثقيلين في كل يدٍ، طفلة خسرت قدمها تتكئ على عكازين، خيم فوق خيم، دخان فوق دخان، حلم بورود وأشجار وكتب وأعلام وقلوب وألوان...

هذا بعض ما رسمه الأطفال عن أو من غزة. ومن رسومهم، استوحى فنانون عدة أغانٍ قدموها لهم، منهم الفرنسي من أصل جزائري قدور حدادي بأغنية "انظروا وجوه الأطفال"، ومهند مونسي، ورشيد عمار بأغنية "ارسم لي بيتا".

دولة الاحتلال المرتابة أبداً من الأطفال

عام 2024، اعترض داني دانون، سفير كيان الاحتلال الإسرائيلي في الأمم المتحدة، على معرض لرسومٍ عن السلام من أطفال حول العالم، وبينها رسوم لأطفال فلسطينيين. كان سياق ذلك المعرض مختلفاً، فقد كان بتنظيم من الأمم المتحدة آنذاك، التي اتهمها دانون بمعاداة السامية بسبب رسوم أطفال عن فلسطين! "انظروا إلى رسومات الأطفال من حول العالَم. لا شيء فيها عن إسرائيل. لا شيء عن الرهائن. انظروا ماذا لديهم". يشير إلى رسم لطفل جعل خريطة فلسطين بألوان فاكهة البطيخ التي صارت رمزاً لألوان العلم الفلسطيني. "إنهم لا يعترفون بإسرائيل"، يقول. "إنهم يروّجون للكراهية في هذه الرسومات"، يقول، فيما تمرّ عدسة الكاميرا على رسومات تقول "السلام، الحرية لفلسطين".

إلى هذا الحدّ لا يستطيع كيان الاحتلال المصاب بجنون ارتياب وبرُهاب دائم من أطفال فلسطين تحمّل أن يكون ثمّة صوت لهؤلاء الأطفال في أي مكان، أو تقبّل أن يكون لهؤلاء الأطفال أي فكرة أو حلم عن وطنهم ومستقبلهم.

لقد اختبر أطفال غزة على مدار عامين صنوفاً من الصدمات النفسية والعاطفية تحتاج دهراً للتشافي منها. أثناء حرب الإبادة، عبّر 96 في المئة من الأطفال في القطاع عن أنهم يعتقدون أن موتهم حتمي. في دراسة أصدرتها منظمة "أطفال الحرب" في كانون الأول/ ديسمبر 2024، وجدت أن نصف الأطفال في غزة يتمنون الموت بعد الصدمات التي تعرضوا لها، وأن 79 في المئة منهم يعانون من كوابيس. وكررت المنظمة ما أكدته عدة منظمات دولية تعنى بالطفل، عن أن غزة باتت أسوأ مكان ليعيش فيه الأطفال في العالم.

مقالات ذات صلة

تنطلق مبادرة "التعليم لغزة" وحملة "نرسم من أجل غزة" من الضرورة القصوى للتوجه للطفل في غزة في كل احتياجاته، ومن ضرورة التصدي لهذه المهمة دون تأخير، لأن كلّ فراغٍ في هذه الناحية يعني مزيداً من الضرر المزمِن على أطفال غزة، ويعني كذلك إفساح المجال أمام منظمات دولية مريبة، منها مَنْ يعمل مع جهات متصلة بالجيش الإسرائيلي. وهذه الأخيرة تدأب لملء الفراغ التعليمي بمبادرات تلبس قناعاً إنسانياً، وتشتغل على الحاجة للتعليم لإدخال مقررات تعليمية موافَق عليها إسرائيلياً إلى القطاع – ومنها على سبيل المثال لا الحصر ما يسمى "قرية الأطفال، غزة" وهي منظمة تعمل بدعم من مؤسسة "إسرا-إيد" المرتبطة بالجيش الإسرائيلي.

أطفال غزة في مرمى الاحتلال، حرفياً ومجازياً. كانوا ولا زالوا. وهذا يجب أن يُحفّز مبادرات حقيقية فعالة على الأرض مخصصة لهم، من الدعم النفسي والمعنوي إلى التكفل بتعليمهم ودعم أسباب الحياة في القطاع بكلّ جوانبها.

_____________________________________

* للمزيد عن مبادرة "التعليم لغزّة":

https://art4gaza.com/education4gaza/

* للمزيد عن مبادرة "لنرسم من أجل غزة":

https://www.instagram.com/gazavisages/

مقالات من العالم

صون شعاع الأمل المتجدِّد

هذا صراع عنيف وشرس، لم يتوقف يوماً، منذ فجر التاريخ وإلى اليوم. ينتصر الخير أحياناً، وينتكس في أحايين أخرى، وينهزم مرات. وحين ينتصر، يُصاب البشر بالنشوة، وحين ينهزم يهبطون إلى...

بأصوات الشباب والمهاجرين: زمن ممداني الجديد

2025-11-06

صار عمدة مدينة نيويورك المنتخب بـ50.4 بالمئة من الأصوات، بأصوات أكثر من مليون ناخب، بما يتجاوز عدد الأصوات التي حصل عليها منافساه كومو والجمهوري كورتيس سليوا مجتمِعَين. حصل ممداني على...

عمال المرافئ الإيطاليون: العرقلة سلاح الشعوب

2025-10-02

لا يعوّل العمال بكل تأكيد على حكومتهم اليمينية الصديقة للاحتلال، بل على تصعيدهم الجدّي، الذي كان جلياً مع المظاهرات التاريخية التي خرجت تحت عنوان "لنعطِّل كلّ شيء" الأسبوع المنصرم، والتي...