التغريبة السودانية: عن رحلات العودة بين ضفتي النيل

تستمر "التغريبة السودانية" في رسم مصير العائدين، الذين يغادرون القاهرة مثقَلين بضغوط الغلاء والأزمات الاقتصادية، ليواجهوا وطناً لا تزال ملامحه غير واضحة، بين سيطرة واستعادة. وبينما تحرِّكهم دوافع اقتصادية قاهرة أو الاستجابة إلى نداء إعادة بناء مؤسسات الدولة (كما في حالة موظفي الكهرباء)، يبقى السؤال معلّقاً على مفترق طرق النيل: هل هذه العودة هي حقاً "عودة طوعية" إلى الوطن المستقِر، أو هي هروب اضطراري، من منفى صارت تكاليفه غير محتملة، إلى قدر مجهول، في أرضٍ لا تزال غارقة في دماء أبنائها.
2025-11-08

رباب عزام

صحافية من مصر


شارك
رحلات العودة الى السودان بالقطار (الصورة عن فيسبوك)

لحظات حيرة وتوتر عاشها الفنان الأربعيني السوداني عثمان جمال، وهو يجلس بين زملائه من المصريين الذين رافقوه في رحلة لجوء إلى القاهرة، عانى فيها لما يزيد عن العام ونصف العام، بعد أن قرر بشكل مفاجئ العودة إلى الخرطوم، في الوقت الذي تواترت فيه الأنباء عن سقوط مدينة الفاشر السودانية، في قبضة قوات الدعم السريع في الأسبوع الأخير من الشهر المنصرم، وتنفيذ ما وُصِف بمذابح ميدانية في حق المواطنين.

لم تنجح قوات الجيش النظامي في فك الطوق عن المدينة، الذي استمر عاماً ونصف العام، وانتهى الأمر بانسحابها من مقر الفرقة السادسة، آخر معاقل الجيش في شمال دارفور، في خطوة بررها قائده بحماية المدنيين من مزيد من "القتل الممنهج".

قرر عثمان العودة إلى السودان، لكنه لم يستطع توفير نفقات الانتقال بالحافلة من القاهرة إلى الخرطوم، إضافة إلى إيجار شقته المستأجرة، التي قدَّرها بحوالي عشرة آلاف جنيه مصري/ حوالي 211 دولاراً أمريكيّاً، إذ لم يتمكن من بيع حاسوبه وبعض متعلقات كان يحوزها لتساعده في عمله. كان ذلك سبباً في عدوله عن قراره، وبقي في القاهرة، باحثاً عن عمل وسكن مناسب لحاله الاقتصادية المتدهورة.

تكتظ أرصفة القاهرة بحقائب المغادرين الثقيلة. فبعد أن مثَّلت مصر ملاذاً آمناً لحوالي مليون ونصف المليون نازح سوداني، فروا من نيران الصراع - بحسب بيانات حكومية وتقرير مفوضية اللاجئين في القاهرة - تشهد الشهور الأخيرة موجة عودة صامتة ومكثفة، تحوّلتْ من حالات فردية إلى تيار لوجستي متمايز، يثير تساؤلات عن حقيقة "العودة الطوعية" المعلَنة. فهذه العودة، ليست مجرد رحلة جغرافية من شمال وادي النيل إلى جنوبه، بل هي رحلة مُعقَّدة بين خيارين مريرين: البقاء في منفى اختياري أو قسري، تزداد تكاليفه الاقتصادية وضغوطه القانونية، أو العودة إلى مناطق صراع تمتاز بالعنف الشديد.

فما الذي يدفع السودانيون إلى العودة في ظل حرب لم تنته بعد؟

عودة من أجل تمهيد الأرض

في أحد مراكز تسيير الحافلات في حي فيصل بمحافظة الجيزة، وقف عبد الله، يناقش مسؤول مكتب السفريات السوداني المختص برحلات العودة في تفاصيل رحلته، إذ ستقله الحافلة خلال أيام من نقطة الانطلاق في فيصل إلى مناطق آمنة في الخرطوم، لكن بعد عدة توقفات أمنية عبر الكمائن المصرية في منطقة أبو سمبل وأسوان، ثم الانطلاق إلى وادي حلفا ومنه إلى الخرطوم. وتُكلِّف رحلته حوالي 2500 جنيه مصري/ 53 دولاراً حتى الخرطوم، بخلاف تكاليف إضافية لتيسير الانتقال واللوجستيات.

بدأت عمليات العودة إلى السودان في أعقاب العملية العسكرية، التي أطلقها الجيش السوداني، في أيلول/ سبتمبر من العام 2024، التي أدت إلى استعادة مواقع حيوية في أم درمان، والخرطوم، وولايات سنار. وكشفت منظمة الهجرة الدولية، في تقرير لها، عن تصاعد حاد في وتيرة عودة السودانيين من مصر إلى بلادهم، إذ بلغ عددهم الإجمالي حوالي 165 ألف شخص حتى نيسان/ إبريل 2025.

تتعدد الطرق التي يسلكها السودانيون للعودة من مصر، إذ تتوزع ما بين مبادرات حكومية مصرية وسودانية مشتركة، ومبادرات شعبية سودانية، ومكاتب سفريات تجارية. تتم المبادرات الشعبية، عبر رجال أعمال أو مجموعات سودانية مهاجِرة إلى دول أجنبية قبل اندلاع الحرب، ويكون أغلبها مجانيّاً أو بأسعار رمزية، لتسهيل عودة الأفراد والأسر إلى وطنهم، خاصة من ذوي الاحتياجات الخاصة والفقراء. 

يقول عبد الله إنه وفد إلى مصر منذ حوالي العام تقريباً، قبل أن تسبقه أسرته المكونة من والديه وشقيقته وأولادها. كان يسكن وأسرته في قرية الشجرة، التي تقع جنوب العاصمة الخرطوم، وكانت مركزاً للاشتباكات بداية الحرب، إذ أنها منطقة عسكرية تتمركز فيها مدرعات الجيش السوداني. على الرغم من ذلك، قرر عبد الله حينها أن ينتظر في وطنه، آملاً أن تنتهي حدة الصراع سريعاً، وبقي لكونه موظفاً عمومياً في هيئة الكهرباء، إضافة إلى خوفه من أن تنتهك ميليشيات قوات الدعم السريع حرمة منزله، وتنهب ما سيتركونه خلفهم من ممتلكات. لكن ما لم يتوقعه هو أن تتحول الاشتباكات إلى حرب مستمرة بين الميليشيات وقوات الجيش النظامي السوداني، مما اضطره إلى خوض عملية هروب غير نظامية عبر الوديان والجبال الجنوبية على الحدود مع مصر، كلفته حوالي 20 ألف جنيه مصري/ 422 دولاراً، ليصل إلى أسوان بعد رحلة شاقة، ومنها إلى القاهرة حيث سبقته أسرته.

بحسب شهادات سابقة حصلنا عليها، فإن رحلة الهجرة غير النظامية من السودان إلى مصر، تتم عبر وسيط تجاري في الغالب، وأغلب هؤلاء من السودانيين أو من المصريين الذين ينقلون بضائع أو ركّاباً من مصر إلى السودان، عبر سيارات نقل غير مجهزة جيداً لنقل الركاب، وقد تصل تكلفة الانتقال والرحلة إلى ما يوازي 100 ألف جنيه مصري في بعض الأحيان (حوالي 2115 دولاراً)، وفي أحسن الأحوال قد تكلف 20 ألف جنيه مصري (422 دولاراً). وتنقلهم السيارات من مناطق داخل السودان إلى الحدود مع مدينة أسوان المصرية، ثم تتسلمهم سيارات أخرى مصرية من الحدود، لتعبر بهم في طرق جبلية فرعية إلى داخل أسوان.

يتذكر الموظف الحكومي أن قريته كانت محاصَرة من قبل الميليشيات لعدد من الأشهر، إلى درجة أنه صار الوصول إلى مياه الشرب شاقاً للغاية ونادراً، إضافة إلى نفاد الغذاء، بخلاف "العدس" الذي صار الوجبة الوحيدة التي يستطيع السودانيون في تلك المنطقة تناولها، حتى شارف مخزونها على الانتهاء. هنا قرر الرحيل عبر البحر، لأنه الوسيلة الوحيدة للهروب، ومنه إلى نقطة حدودية مع مصر، انطلقتْ منها رحلته.

بعد أن وصل إلى القاهرة، عانى عاماً كاملاً للحصول على عمل إضافي، فعمل في عدد من المصانع (مصانع كرتون في الجيزة، ومصانع الرخام في شق الثعبان بالقاهرة)، إلى جانب راتبه من الهيئة القومية للكهرباء السودانية، مع مساعدات من عائلته في السودان وفي عدة دول، يرسلونها بشكل دوري إلى القاهرة - مثله كمثل كثير من النازحين السودانيين الذين تتكفل بهم عائلاتهم من الخارج - لتتمكن أسرته من مواجهة غلاء أسعار الإيجارات، وتكلفة الدراسة بالنسبة إلى أبناء شقيقته، إضافة إلى علاج والده المريض، الذي أصيب بمضاعفات صحية، نتيجة تعرضه لحادث سرقة من الميليشيات. وعلى الرغم من استقرار الأسرة النسبي في القاهرة، قرر عبد الله أن يخوض رحلة العودة وحيداً، بعد أنباء عن تقدم قوات الجيش النظامي وسيطرتها على العاصمة الخرطوم - خاصة وأن هيئة الكهرباء قد أرسلت في استدعائه وزملائه من الموظفين، لإعادة تيسير الكهرباء مرة أخرى - ليتجدد أمله في الاستقرار وإعادة البناء في وطنه، على أن يمهِّد الطريق إلى عودة أسرته ثانية، بعد انتهاء الفصل الدراسي للأبناء، أو ربما حتى ورود أخبار مؤكدة، عن انتهاء الحرب تماماً.

نُظِّمت في القاهرة، عدة مبادرات شعبية مجانية، أو بمساهمات مالية بسيطة، من مثل مبادرة "العودة الآمنة للوطن"، وهي مستمرة حتى الآن، إلى جانب مبادرة "عودة الوافدين السودانيين إلى بلادهم"، التي تعمل منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2024، وتُسيِّر رحلات لحوالي ثلاثة آلاف سوداني يومياً، عبر 60 حافلة من أحياء متفرقة في القاهرة، متكفلة بجميع التكاليف، بدعم من رجال أعمال سودانيين في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وهولندا.

في الوقت الذي تتالت فيه المبادرات الشعبية من السودانيين في مصر والدول الأجنبية، أُعلِن عما عُرِف بمبادرة العودة الطوعية. وتُستخدم تلك التسمية بشكل واسع للإشارة إلى الجهود التي يتم فيها التنسيق بين الحكومة المصرية وجهات سودانية، من مثل "اللجنة المكلفة من منظومة الصناعات الدفاعية

وبينما كان عبد الله يستعد للمغادرة وحيداً، كانت إيناس تتهيأ هي وابنتها وشقيقاتها لركوب الحافلة من حي عابدين بوسط القاهرة، منطلقة إلى وادي حلفا، عبر مكتب سفريات سوداني معتمَد، بتكلفة للفرد حوالي 800 جنيه مصري/ 17 دولاراً (شاملة حقيبة واحدة للفرد)، ثم ترتاد حافلة أخرى (بتكلفة إضافية) إلى منطقة "عيد حسين" القريبة من حي الأزهري في الخرطوم، حيث منزلها وأسرتها. وكانت أسبابها مختلفة، إذ لم تعد تحتمل تكلفة المعيشة في مصر، خاصة وأن مفوضية اللاجئين لم تعتمد أوراقها منذ حوالي العامين، ولم تتلق أية مساعدات عينية أو مالية تعينها، بعد أن فقدت تجارتها ورأس مالها.

وكانت إيناس لسنوات تعمل في تجارة الملابس بين مصر والسودان، في الفترة التي سبقت الاشتباكات، إذ تنطلق في رحلات قصيرة إلى القاهرة لشراء الملابس الجاهزة، وتوريدها إلى السودان. لكن الحرب التي اشتعلت أجبرتها على ترك أموالها والهروب إلى مصر مع أسرتها، وقد حاولت مراراً أن تستمر في عملها، لكنها لم تستطع الحصول على رأس مال يكفي للمواصلة، فقررت المغادرة.

كانت عمليات العودة إلى السودان قد بدأت في أعقاب العملية العسكرية، التي بدأها الجيش السوداني في أيلول/ سبتمبر من العام 2024، التي أدت إلى استعادة مواقع حيوية في أم درمان، والخرطوم، وولايات سنار. وكشفت منظمة الهجرة الدولية، في تقرير لها، عن تصاعد حاد في وتيرة عودة السودانيين من مصر إلى بلادهم، إذ بلغ العدد الإجمالي للعائدين حوالي 165 ألف شخص حتى نيسان/ إبريل الماضي (بواقع 50 ألف سوداني عائد في نيسان/ إبريل وحده)، مرْجِعة هذا الارتفاع إلى الانتصارات العسكرية التي حققها الجيش السوداني واستعادته السيطرة على بعض المناطق الحيوية. وأوضحت المنظمة أن غالبية العائدين (71 في المئة) هم في الأصل من الخرطوم، وأن 82 في المئة منهم فضلوا العودة عبر "معبر أشكيت"، للاستفادة من التسهيلات المصرية المقدَّمة، وأن متوسط العودة الشهري للعام 2025 بلغ حوالي 30.700 فرد، وهي أعلى بسبعة أضعاف مما كانت عليه في العام السابق، فيما ارتفع عدد العائدين بحسب تحديثات المنظمة في حزيران/ يونيو الماضي، إلى ما يزيد عن 191 ألف سوداني. بينما، وبحسب تقديرات مسؤول حكومي سوداني، فإنه وحتى حزيران/ يونيو الماضي، قد عاد إلى السودان حوالي 290.278 شخصاً.

كيف يعود السودانيون إلى الوطن؟

تتعدد الطرق التي يسلكها السودانيون للعودة من مصر، إذ تتوزع ما بين مبادرات حكومية مصرية وسودانية مشتركة، ومبادرات شعبية سودانية، ومكاتب سفريات تجارية. وبحسب حديث مصعب محمود إلينا - سوداني، صاحب مبادرة "لما أرجع للوطن أعود معايا مجدي القبيل"- فإن المبادرات الشعبية تتم عبر رجال أعمال أو مجموعات سودانية هاجرت إلى دول أجنبية قبل اندلاع الحرب، ويكون أغلبها مجانيّاً أو بأسعار رمزية، لتسهيل عودة الأفراد والأسر إلى وطنهم، خاصة من ذوي الاحتياجات الخاصة والفقراء.

يقول مصعب إنه بدأ وعدد من أصدقائه من محبي الفنان السوداني الراحل محمود عبد العزيز، في تدشين مبادرة في أيار/ مايو الماضي، مدتها شهر واحد فقط، سيّر خلالها خمس رحلات مجانية بالكامل، انطلقت من منطقة فيصل بالجيزة، وذلك بعد الإعلان عنها وتنظيم مجموعة على تطبيق "واتس آب"، للتواصل والحجز. وبحسب تعبيره: "لم تستطع المبادرة الانتقال إلى أبعد من منطقة وادي حلفا داخل الحدود السودانية، ومن هناك اتخذ المسافرون وسائل انتقال بديلة بمعرفتهم".

بينما، وعقب الإعلان عن بداية انتصارات الجيش السوداني في العام 2024، شهدت محافظة الإسكندرية على الساحل الشمالي لمصر، تدشين مبادرات شعبية للعودة الطوعية، تعددت ما بين مبادرات "راجعين"، التي أطلقت حتى يوم 3 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري حوالي 139 رحلة برية عبر الحافلات، بحسب صفحتهم الرسمية على فيسبوك، ومبادرة "بلادنا" التي نظَّمت عدداً من الرحلات، لكنها واجهت تعثراً ماليّاً في تموز/ يوليو الماضي، ما أدى إلى تدخل السفارة السودانية بمساعدة رجال أعمال، للتكفل بعملية نقل 1200 سوداني، عبر 22 حافلة إلى منطقة وادي حلفا في السودان.

يفضِّل آلاف السودانيين العودة السريعة، عبر حجز تذاكر الحافلات من مكاتب السفريات السودانية أو المصرية، وتبدأ بأسعار من 800 جنيه مصري للفرد، وتزيد بحسب الإمكانيات ومناطق الوصول.

وفي القاهرة، نُظِّمت عدد من المبادرات الشعبية، التي تعدّ مجانية أو بمساهمات مالية بسيطة، مثل مبادرة "العودة الآمنة للوطن"، وهي مستمرة حتى الآن. وبحسب المعلومات المعلنة عن المبادرة، فإن خط سيرها: من القاهرة إلى أبو سمبل في أسوان مباشرة، ثم معبر أشكيت، مُتّجهةً إلى حلفا السوق الشعبي. إلى جانب مبادرة "عودة الوافدين السودانيين لبلادهم"، التي تعمل منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2024، وتُسيِّر رحلات لحوالي ثلاثة آلاف سوداني يومياً، عبر 60 حافلة من أحياء متفرقة في القاهرة، لنقل مئات السودانيين الذين عجزوا عن تحمّل تكلفة العودة إلى شمال السودان عبر المعابر الحدودية. وتتكفل المبادرة بجميع التكاليف، بدعم من رجال أعمال سودانيين في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وهولندا. فيما تتعاون القوات المسلحة المصرية معهم، عبر توفير حافلات النقل وتأمين العائدين من أبو سمبل حتى معبر أشكيت بوادي حلفا بمقابل رمزي، خلافاً للمهربين الذين كانوا يطلبون حوالي خمسة آلاف جنيه (105 دولار تقريباً) للشخص الواحد. وبحسب بيانات المبادرة المعلنة، فلديها أكثر من 25 نقطة تجمع تنطلق من أحياء فيصل، وعابدين، وإمبابة في القاهرة الكبرى، وتم إنشاء سبع مجموعات تواصل لاستيعاب الأعداد وترتيب العودة لمدن الخرطوم وأم درمان وود مدني. هذه المبادرات تُدار غالباً من قبل شباب سودانيين في مصر أو رجال أعمال، وتعتمد على التبرعات من الجالية لخفض التكلفة على العائدين. وتهدف إلى توفير تذاكر سفر بأسعار مخفضة أو مجانية للعائلات الأكثر حاجة.

وفي الوقت الذي تتالت فيه المبادرات الشعبية من السودانيين في مصر والدول الأجنبية، أُعلِن عما عُرِف بمبادرة العودة الطوعية. وتُستخدم تلك التسمية بشكل واسع، للإشارة إلى الجهود التي يتم فيها التنسيق بين الحكومة المصرية وجهات سودانية، من مثل "اللجنة المكلفة من منظومة الصناعات الدفاعية" السودانية (وهي مؤسسة تابعة للجيش السوداني)، لتوفير وسيلة نقل آمنة ومجانية أو مخفضة، وتتخذ طابعاً رسمياً. وبحسب بيانات اللجنة، نقلت ما يزيد عن 24 ألف سوداني، حتى آب/ أغسطس الماضي. وتتم الرحلات عبر طريقين: إما عن طريق الحافلات، وإمّا عبر رحلات قطارات سكك حديد مصر، فيما يسمى بقطار العودة.

وتبدأ رحلة الحافلات من ميدان عابدين في القاهرة وصولًا إلى أسوان، ومنها إلى معبر أشكيت، ومنه إلى مدينة حلفا ثم عطبرة أو الخرطوم. بينما تسير القاهرة حوالي ثلاث رحلات بالقطار مجانية أسبوعياً (وصلت إلى حوالي 30 قطاراً حتى مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري). وبحسب اللجنة المسؤولة عن المبادرة، فقد أعلنت عن أنه وحتى 14 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ارتفعت أعداد السودانيين العائدين من مصر إلى بلادهم إلى حوالي 410 آلاف شخص (انتهت اللجنة من استقبال رغبات العودة بنهاية تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، إلا أنها لا تزال تعمل على تسيير رحلات القطارات والحافلات للمسجلين في الكشوف مسبقاً... في حين يفضِّل آلاف السودانيين العودة السريعة عبر حجز تذاكر الحافلات من مكاتب السفريات السودانية أو المصرية، وتبدأ بأسعار من 800 جنيه مصري للفرد، وتزيد بحسب الإمكانيات ومناطق الوصول.

وهكذا، تستمر "التغريبة السودانية" في رسم مصير العائدين، الذين يغادرون القاهرة مثقلين بضغوط الغلاء والأزمات الاقتصادية، ليواجهوا وطناً لا تزال ملامحه غير واضحة بين سيطرة واستعادة. وبينما تحركهم دوافع اقتصادية قاهرة أو استجابة لنداء إعادة بناء مؤسسات الدولة (كما في حالة موظفي الكهرباء)، يبقى السؤال معلّقاً على مفترق طرق النيل: هل هذه العودة هي حقاً "عودة طوعية" للوطن المستقِر، أو هي هروب اضطراري من منفى صارت تكاليفه غير محتملة، إلى قدر مجهول في أرضٍ لا تزال غارقة في دماء أبنائها.

مقالات من السودان

من الفاشر: صرخة السودان الوحيد

2025-10-30

"لا إصابات في الفاشر، الجميع شهداء". تطالعنا الجملة متكرِّرة على صفحات سودانية عدّة. صفحات كانت يوماً مخصصة لشباب الثورة السودانية بكل ما مَلأهم بالأمل بغدٍ أفضل، صرخوا ملء حناجرهم لأجل...

للكاتب/ة

الشمعدان اليهودي في "مارينا دلتا" مصر: هل يخفي التصميم رسالة سياسية؟

رباب عزام 2025-09-18

المثير للجدل أن الصور أظهرت تشابهاً كبيراً مع تصميم الشمعدان السباعي (المينوراه)، المعروف كرمز ديني وتراثي لليهود، ما طرح تساؤلات عن القائمين على المشروع، والشركة المالكة، وتكهنات حول التطبيع عبر...