*شمائل النور
نشر على موقع "روزا لوكسمبورغ - شمال أفريقيا" بتاريخ 29 / 10 / 2025
منذ الأسابيع الأولى في حرب 15 أبريل التي اِنطلقت من داخل عاصمة البلاد؛ الخرطوم بين الجيش و قوات الدعم السريع، لم يتوقف الجدل حول أسباب هذا الانفجار المدوّي، ففي الوقت الذي يرى فيه طيف واسع من “قوى ثورة ديسمبر” بمن فيهم المتحالفون مع قوات الدعم السريع، أن السبب الأساسي للحرب يتلخّصُ في رغبة النظام السابق في العودة للحكم، ترى فصائل النظام السابق المصطفة مع الجيش بشراسة، أن الحرب ماهي إلا امتداد لثورة فوضوية مصطنعة ذات امتدادات خارجية. والحقيقة أن جميع الفاعلين في المشهد السياسي قد اِنخرطوا في تأييد ومناصرة طرفي الحرب متحاشين ملامسة جذور الأزمة السودانية، وهي أعمق من صراع سلطة بين الجيش وذراعه الميليشياوي قوات الدعم السريع.
صحيح أن هذا البلد الأفريقي العربي المتعدد الأعراق، المتشبّع بصراع الهوية والغارق في الحروب، أتته فرصة تسعى في 2019 عندما اِنتفض شعبه على نحو كاسح من أقاصي شماله لجنوبه ومن مجاهل شرقه لغربه، حينما قرر إنهاء أطول حقبة حكم بالبلاد برئاسة عمر البشير، وخاض الشعب بمختلف طبقاته الاجتماعية والسياسية ثورة سلمية مبرّأة من أي عنف. لكنّ هذه الفرصة التي دُفع لأجلها أبهظ الأثمان تلتهمها الآن حرب طاحنة، قضت على يابس البلاد قبل أخضرها.
حرب معلنة مع وقف التنفيذ.
من نافلة القول، أن الأسباب التي يتحلق حولها الفاعلون في المشهد بجميع توجهاتهم ماهي إلا مجرد عوامل محفزة لهذا الاِنفجار، لكن الحرب بطبيعتها الحالية كانت قادمة بلا شك، في بلد تكاسلت نُخبه عن أداء واجبها السياسي والأخلاقي قبل ذلك، واِنغمست بالكامل في صراع سلطوي مقيت محتمية ببنادق السلطة.
فالحرب بطبيعتها العسكرية الحالية، هي نتيجة طبيعية جدا لتأسيس قوة عسكرية ضخمة موازية للجيش لكنها -أي الحرب- بدأت حينما وصل الفعل السياسي مرحلة التكلّس ووصل الجميع مرحلة العجز التام وأُفسح المجال كليا للحلول العسكرية والأمنية بالتمدد، وحلّت الأجهزة الأمنية والعسكرية محل القوى السياسية.
ويمكن القول بصوت جهير أن الحرب أُعلنت حينما قرر الرئيس المعزول؛ عمر البشير وتنظيمه -الحركة الإسلامية- تأسيس قوة مسلحة تحت مسمّى “قوّات الدعم السريع” لتنتقل تدريجيا من قوة مشاة مساندة للجيش في العمليات إلى جيش موازٍ مستقل اقتصاديا وعسكريا.
فقد تدرجت قوات الدعم السريع من قوات مخصصة لحراسة الحدود إلى جيش موازٍ؛ حل محل المؤسسة العسكرية الرسمية للدولة، وحينما انفجرت حرب دارفور غربي البلاد في 2003 توسعت عمليات التجنيد وسط القبائل العربية المساندة للدولة المركزية.
وانفجرت حرب دارفور حينما أعلنت مجموعات مسلحة تمردها على الدولة، وهي مجموعات من إثنيات غير عربية، أشهرت شعار إنهاء التهميش، داعية إلى إعادة هيكلة الدولة السودانية انطلاقا من إعادة توزيع السلطة والثروة، وهي ذات الأهداف والشعارات التي رفعتها الحركة الشعبية التي قاتلت في جنوب البلاد حتى انتهى الأمر إلى استقلال جنوب السودان وتأسيس دولة جديدة هناك في العام 2011
تاريخ حافل بتراكم الأخطاء
يمكن القول أنّ الدولة المركزية في السودان ذات تاريخ طويل في تجنيد القبائل العربية الموالية لها في دارفور لكبح أصوات المجموعات ذات الأصول الزنجية، لكن هذه السياسة توسعت وبلغت ذروتها إبان حقبة الإسلاميين التي استمرّت ثلاثين عاما، وانتهت هذه السياسات إلى أن أصبح عمر البشير، مطلوبًا للعدالة الدولية بعدما وجّهت له المحكمة الجنائية الدولية تهما بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في 2009.
وتأسيس قوات الدعم السريع ابتداء لم يكن إلا امتدادا تدريجيًّا لمرض مزمن اختارت له الدولة “روشتة” الحل العسكري بينما ظلّت الأزمة السياسية والاجتماعية مرحّلة منذ استقلال البلاد في 1956، فبينما ظلت أطراف البلاد مشتعلة حروبا وتمردا مطالبة بإعادة هيكلة الدولة التي تسيطر عليها طبقة محددة من السكان استمرّت الدولة في غض الطرف عن الحلول الجذرية بتعاقب حكوماتها.
فرصة ذهبية…تتبدد
مثّلت ثورة ديسمبر 2018 -الأوسع نطاقا في تاريخ السودان- الفرصة الذهبية لإنهاء أزمة سياسية مرحّلة منذ استقلال البلاد، ولكونها ثورة سلمية انتظمت في صفوفها حتى المعارضة المسلحة “حركات دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق” التي قاتلت حكومة البشير لسنوات طويلة، واصطف الجميع سلميا نحو هدف واحد متفق عليه، بحسب ما أشهرته هذه الثورة من شعارات ومطالب، وفعليا بدأت الحياة السياسية تنتعش بعد سنوات طويلة من الركود، إذ مكّنت الثورة القوى السياسية من نهوضها من موت سريري لازمها طيلة سنوات حكم البشير، جرّاء سياسات التقسيم داخل القوى الحزبية والقبضة الأمنية التي أفقدت القوى السياسية والمدنية فاعليتها.
ويمكن تحديد فترة ازدهار الحياة السياسية والمدنية -منذ انتظام الاحتجاجات ضد حكومة البشير في نهاية 2018 مرورا بسقوط نظامه في نيسان/ أبريل 2019 وحتى بعد تشرين الأول/ أكتوبر 2021- حينما انقلب الجيش وحليفه قوات الدعم السريع على أول حكومة مدنية بعد سقوط البشير وخلال هذه الفترة بدأت الحياة المدنية في التعافي وأصبحت الأحزاب السياسية والقوى المدنية والمهنية هي من تملك زمام المبادرة والفعل.
أما الآن، دون كثير جهد؛ وبعملية رصد خاطفة ليوميات الحرب التي دخلت عامها الثالث، يُمكن تحسس نتيجة واضحة الملامح، وهي أن القوى السياسية والمهنية التي كانت ممسكة بزمام الفعل حتى إطلاق الرصاصة الأولى في نيسان/ أبريل 2023؛ أصبحت اليوم بلا أثر ولا تأثير يُذكر. فالتحالف الثوري الذي قاد التغيير الهائل في 2019 وأزاح حكم عمر البشير وتنظيمه الإسلامي، انتقل على نحو مذهل، من مربع “النضال” إلى مرمى “الخيانة” كما يراه كُثر، وفي أفضل الحالات “المساومة” وذلك حينما اختارت مكونات هذا التحالف الاصطفاف خلف بنادق طرفي الحرب؛ الجيش وقوات الدعم السريع.
هذا الاصطفاف المدني خلف البنادق كان نتيجة طبيعية لاستقطاب حاد استمرّ طيلة شهور الفترة الانتقالية، والتعويل على البندقية في الحياة السياسية في السودان قديم متجدد، غير أن الفرصة التي وفرتها انتفاضة ديسمبر السلمية كانت غير مسبوقة، إضافة إلى أنّها أثبتت أن الفعل السياسي المدني ممكنٌ حتى لو كلف فاتورة باهظة، فهي قد أفسحت الطريق أيضا أمام الأحزاب السياسية للنهوض مجددا وبأقل كلفة، لكن يبدو أن الأحزاب لم تفارق عقيدتها فكرة مربع الاحتماء بالبندقية.
فترة انتقالية محفوفة بالمخاطر
ربما أبرز الأسباب التي قادت إلى تبديد فرصة ديسمبر هو الفشل في إدارة الفترة الانتقالية وغياب الرؤية أو ضبابيتها ومحدودية الخبرة لدى قوى ديسمبر وهيجان الشارع الثوري الذي لم يتوقف لحظة مما شكل ضغطا متواصلا على حكومة مدنية لا تملك قرارا كاملا إذ كان القرار بيد المكون العسكري -المتربص أصلا- ، وفوق ذلك كانت طبيعة الشراكة السياسية بين قوى ديسمبر وبقايا أجهزة حكومة عمر البشير قدْ أدّت إلى اضطراب موازين إدارة هذه الفترة الحساسة، فأصبحت بعض أجهزة الحكومة الانتقالية تعمل وفقا للشرعية الثورية، فيما ارتضى بعضها العمل وفقا لتسوية سياسية متواضعة المكاسب، فلا اكتملت الشرعية الثورية ولا مضت التسوية السياسية بسلاسة.
فبدلا من أن تمهد الفترة الانتقالية الطريق للانتقال المدني الديموقراطي تحولت لفترة تشاكس واستقطاب، ويمكن القول صراحة، أن القوى السياسية لم تحسن إدارة هذه الفترة بدايةً، وصعدت لسدة الحكم بلا رؤية لإدارة هذه التعقيدات التي خلفها نظام البشير، فانغمست في صراع سلطوي واِهتمت بتمكين كوادرها في جهاز الدولة مثلما فعلت حكومة البشير، وغابت تماما الخطط لإدارة أهم ملفين (الاقتصاد والعدالة) وهي ذات القضايا التي هزمت البشير.
وفي ظل هذا كان الجيش يعدُّ عدّته لإجهاض الحكومة الانتقالية، ولمّا كان النموذج السياسي بعد سقوط البشير مائلا إلى الحداثة بطبيعة المجموعات المهنية ولجان المقاومة التي قادت الثورة، بدأت الإدارات الأهلية والقبلية تنفث سمومها تحت دعاوي معارضة الانتقال الجديد، ونشطت هذه القيادات القبليّة للعمل ضد الحكومة الانتقالية تحت رعاية الجيش على نحو مكشوف.
وكان أول محكٍّ أمام الحكومة الانتقالية المدعومة شعبيا، حينما قرّر زعيم قبلي بارز بشرق السودان غلق الطريق القومي الحيوي الرابط بين شرق البلاد ووسطها ممّا مهّد الطّريق أمام اِنقلاب تشرين الأول/ أكتوبر 2021، ولعبت الإدارات التقليدية (القبائل) دور رئيسيًا في خلخلة الحكومة الانتقالية، بعدما استدعى الجيش نفوذها الاجتماعي.
كيف أثرت الحرب على دور قوى ديسمبر
أحدثت الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع تحولًا جذريًا في موقع ودور قوى ثورة ديسمبر داخل المشهد السياسي السوداني، فبعدما كانت هذه القوى تمثل صوت التغيير والانتقال المدني، تراجع تأثيرها بشكل ملحوظ مع تصاعد صوت السلاح وتفكّك التحالفات التي شكّلتها تحرّكات ديسمبر.
وقادت الحرب إلى انقسامات واسعة داخل مكونات هذه القوى بين مؤيد للجيش وآخر متعاطف مع قوات الدعم السريع، بينما حاولت أطراف أخرى التزام الحياد والدعوة إلى وقف القتال، لكنها محدودة للغاية ويكاد لا يسمع لها صوت وسط لعلعة الرصاص.
هذه الانقسامات الحادة أضعفت قدرة قوى ديسمبر على التأثير في مجريات الأحداث، وفقدت جراء ذلك ثقة قطاع واسع من أنصارها، إذ يعتقدون أنها تراجعت عن مبادئ الثورة.
كما تسببت الحرب في تعطيل النشاط السياسي والمدني، وتشتت القيادات بين المنافي ومناطق النزوح، ما جعل قوى الثورة تفقد أدواتها التنظيمية وقدرتها على الحشد. ومع استمرار القتال، تراجع الخطاب الثوري لصالح الخطاب العسكري، وغابت المطالب المدنية عن الساحة العامة، ورغم هذا التراجع، لا تزال بعض المجموعات تحاول الحفاظ على روح ديسمبر من خلال الدعوة إلى إنهاء الحرب واستعادة المسار المدني، إلا أن تأثيرها يظل محدودًا للغاية في ظل واقع تهيمن عليه القوى المسلحة والاصطفافات الجهوية والقبلية.
موقع حزب البشير في الخارطة الحالية
بعد سقوط حكومة البشير في 2019 حُل حزب المؤتمر الوطني وصودرت مقاره واِنزوى تماما، لكن منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، وجد حزب المؤتمر الوطني ضالته، وبينما أعلن الحزب رسمياً أنه لا يشارك في الحرب ولا يمتلك جناحاً عسكرياً، إلا أن الواقع يناقض ذلك تماما، إذ أن أنصار الحزب وعضويته البارزة، انخرطوا في دعم الجيش، سواء من خلال التعبئة الإعلامية واسعة النطاق أو من خلال شبكات النفوذ القديمة داخل مؤسسات الدولة. واليوم يقدّم الحزب نفسه بوصفه “تيارًا وطنيا” يساند القوات المسلحة في مواجهة ما يسميه “حرب وجودية“.
وقد أدت الحرب إلى توحيد صفوف المجموعات الإسلامية التي تنشط في القتال بجانب الجيش تحت لافتات مثل ”كتيبة البراء ابن مالك“ أو “هيئة العمليات “ التابعة لجهاز الأمن والمخابرات، وأشهرت مجموعات التيار الإسلامي بمختلف توجهاتها وتناقضاتها خطابا شديد العداء تجاه قوى الحرية والتغيير -التحالف الرئيسي لقوى ديسمبر- وعبرت قيادات في حزب المؤتمر الوطني عن عدم ممانعتها في مصالحة قادة الدعم السريع بينما لن تغفر لقوى الحرية والتغيير.
في المقابل، تتهم قوى الثورة وبعض القوى المدنية حزب المؤتمر الوطني بأنه يسعى لاستغلال الحرب كفرصة للعودة إلى المشهد السياسي، عبر التحالف مع المؤسسة العسكرية واستعادة نفوذه القديم، ورغم أن المؤتمر الوطني محظور رسمياً منذ سقوط نظام البشير، فإن نشاطه السياسي لم يتوقف تمامًا، إذ ظلّت عضويته تنتظم باستمرار في مظاهرات منددة بالحكومة الانتقالية وبعد اندلاع الحرب كثف الحزب نشاطه وأخرج قادته إلى واجهة الإعلام لتأكيد دعمهم للجيش ورفضهم لأي عملية تفاوض لوقف الحرب.
وبشكل لا لبس فيه يسعى الحزب جاهدا، لإعادة تموضعه داخل المشهد من خلال تبني خطاب رافض للتدخلات الخارجية، لكنه في الوقت ذاته يحاول التملص من مسؤوليته في الأوضاع التي قادت إلى الحرب، رغم أن جذور الأزمة تعود إلى سياساته خلال ثلاثة عقود من الحكم، حين أسس نظامه لقوة موازية للجيش وأطلق يد الأجهزة الأمنية في الحياة السياسية، وخرّب المناخ العام أيما تخريب.
إعادة إنتاج الأزمة
رغم أن السودانيين جربوا الحلول العسكرية وخبروا عدم جدواها وخاضوا تجارب طويلة في المعارضة المسلحة إلا أن الإيمان بقوة السلاح بات أقوى من ذي قبل حيث تضاءلت فاعلية السياسة، وهي التي ظلت غائبة عن المشهد السوداني الذي بلغ فيه الاصطفاف أشده مع حرب 15 أبريل، إذ وفّرت أرضا خصيبة، تكاثرت فيها الجماعات المسلحة المناطقية والقبلية، وتراجع صوت السياسة لصالح دوي البنادق الإثنية.
حيث قاد القتال بين الجيش و الدعم السريع إلى تفعيل دور المقاومة الشعبية المسلحة في مناطق الجيش مقابل شراء ولاء القبائل الموالية في مناطق قوات الدعم السريع، مما فتح الباب واسعا أمام فوضى التسليح، الذي أصبح السمة العامة في كل مناطق السودان إن كانت تلك الغارقة في الحروب أصلا، مثل دارفور وجنوب كردفان أو حديثة العهد بالحروب مثل مناطق وسط السودان، أو حتى تلك المناطق التي لم تصلها الحرب بعد، مثل الولاية الشمالية في أقصى شمال السودان، وولاية نهر النيل الواقعة شمال العاصمة الخرطوم، وفي مناطق الجيش أخذت المقاومة الشعبية المسلحة قوّتها من ضعف دور الجيش في حماية المدنيين، مما حفّز شباب هذه المناطق للانتظام في معسكرات تدريب عسكري لحماية مناطقهم من هجمات قوات الدعم السريع الوحشية، لتدخل جميع مناطق البلاد دائرة “التمليش”.
كيف المصير
الآن، وبعد عامين ويزيد من الدمار الواسع، لا يزال الصوت السياسي فاقدا للتأثير، في وقت توسعت فيه الحركات القبلية والمناطقية المسلحة في بلد يعجًّ بالجماعات المسلّحة أصلا.
ويبدو المشهد السوداني مفتوحًا على احتمالات متعدّدة، إذ لم تعد الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع مجرد صراع عسكري، بل تحولت إلى أزمة بنيوية جراء الاستقطاب القبلي الحاد الذي صاحبها، مع تكاثر الجماعات المسلحة مما يهدد مصير الدولة نفسها.
عودة الحياة في الخرطوم…تعافٍ هش وآمال حذرة
27-10-2025
ومع استمرار القتال وتعمق الانقسامات، تواجه القوى السياسية السودانية تحديا وجوديا يتعلّق بقدرتها على البقاء والتأثير في مرحلة ما بعد الحرب، بعد حالة الضعف والتشتت التي لازمتها، ورغم أن هناك أصوات تسعى للحفاظ على الفعل السياسي بعيدا عن البنادق، لكن قدرتها على التنظيم ما زالت محدودة في ظل الظروف الأمنية والسياسية الراهنة.
وفي حال استمرار الحرب لفترة أطول، قد تتجه البلاد نحو مزيد من التفكّك، مع تصاعد النزعات المحلية والإثنيّة، وتراجع سلطة الدولة المركزية. أما إذا نجحت جهود الوساطة في فرض وقف لإطلاق النار وبدء عملية سياسية شاملة، فقد تفتح تلك المرحلة الباب أمام إعادة بناء النظام السياسي على أسس جديدة.
ويبقى مستقبل السودان مرهونا بقدرة نخبه السياسية على تجاوز الحسابات الضيقة، وبمدى استعداد القوى المسلّحة للتخلّي عن منطق القوة لصالح مشروع وطني جامع. فإمّا أن تكون الحرب لحظة انهيار نهائي للدولة، أو نقطة اِنطلاق نحو ميلاد سياسي جديد يعيد للبلاد توازنها المفقود.



