صدر مؤخراً قانون الأحوال الشخصية الجعفري، من دون سواه . وهذه الملاحظات تتعلق بما هو وارد فيه حصراً.
وقد أثار تعديل قانون الأحوال الشخصية هذا جدلاً كبيراً في الشارع العراقي، لما له من تأثير كبير على كل ما اكتسبته المرأة العراقية والقانون المدني منذ عقود. فقد قام مجلس النواب بتمرير تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 59 في مجلس النواب، في 17 كانون الثاني/ يناير عام 2024، على أن تحدد تفاصيل التعديل في مدونات "مذهبية" لاحقاً. أي أن القانون مُرّر من دون معرفة تفاصيله.
القضاء المدني وصراع البقاء في العراق
25-08-2024
وجاء في الوقائع العراقية أن تعديل القانون نص على أن يضاف للمادة (2) من قانون الأحوال الشخصية 188 لسنة 1959، التي تنص على أن "تسري أحكام هذا القانون على العراقيين إلا من استثني منهم بقانون خاص". وللعراقي المسلم والعراقية المسلمة عند إبرام الزواج بينهما، وتسجيله في محكمة الأحوال الشخصية اختيار أن تطبَّق عليهما وعلى أولادهما القاصرين، أحكام المذهب الشيعي الجعفري في جميع مسائل الأحوال الشخصية، وليس لهما تغيير خيارهما لاحقاً". أي أن للعاقدين حق اختيار عقد الزواج، إن كان بحسب قانون 188 السابـق، أو بحسب هذه المدونة الشرعية. فإن اختاروا المدونة الشرعية لعقد الزواج، لا يحق لهم العودة إلى قانون 188، بينما تغيير العقد من هذا القانون إلى المدونة الشرعية مسموح به، حتى بعد إبرام الزواج.
مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في العراق، المتوقع إجراؤها يوم الحادي عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر القادم، يبدو السباق مستعراً ما بين السياسيين والأحزاب للحصول على أكبر قدر ممكن، لا من الأصوات فقط، وإنما أيضاً من المنجزات التي قد لا تكون بالضرورة مُرْضية للناخبين، لكنها مُرْضية لبعض أصحاب القرار السياسي.
قُدمت قبل أسابيع قليلة "مدونة الأحكام الشرعية بمسائل الأحوال الشخصية وفق المذهب الشيعي الجعفري". التي أطلق عليها قانون رقم (1) لسنة 2025، وهي سارية ابتداءً من شباط/ فبراير 2024، ويمكن تطبيقها بأثر رجعي على أي زواج سابق. فبحسب التعديل، للزوج حق تغيير عقد الزواج الذي أُبرم سابقاً بحسب قانون الأحوال الشخصية 188، الى ما اصطُلح عليه بالمدونة الشرعية، أي قانون رقم 1 لسنة 2025، حتى من دون علم الزوجة. أما إن كان ذلك الزواج قد نتج سابقاً عن طلاق، فتسري أحكامه الشرعية على حضانة الأولاد، أي أن المدونة تسري أحكامها حتى على المنفصلين في حال اختيار الزوج أن يغير العقد المفسوخ أصلاً.
تتضمن هذه المدونة - التي كُتِبت بصيغة ولغة دينية شرعية لا بصيغة ولغة قانونية - 337 بنداً، فيها أحكام شرعية تناولت الزواج، والميراث وحضانة الأطفال. ويتخوف كثيرون من أن المدونة تمنح صلاحيات كبيرة للرجل لتحديد كثير من تفاصيل عقود الأحوال الشخصية على حساب المرأة، في حين يدّعي المدافعون عن هذه المدونة بأنها جاءت فقط "لحماية المذهب"، وأنها منحت المرأة حق الاشتراط قبل إبرام عقد الزواج. فتستطيع المرأة مثلاً بحسب المادة 9 للمدونة الشرعية "أن تشترط على الرجل في عقد الزواج أن لا يتزوج عليها وإن سمح القانون له بذلك [.....] ولكن لو خالف وتزوج بأخرى لا يبطُل (أي عقد الزواج) وإن كان آثماً شرعاً". ويسري هذا على اشتراط المرأة عدم تطليقها من دون علمها، والسكن المنفرد، وغيرها من الأمور، التي يمكنها اشتراطها في العقد، إلا أن شروطها ليست ملزِمة للرجل، بل يعتبر "آثم شرعاً" في حال مخالفته لها لاحقاً.
البكاءات العالية.. عن أحزان المرأة العراقية
15-05-2020
ويرجع المدافعون عن المدونة هذا الأمر إلى أن المرأة في هذه الحال يمكنها الذهاب إلى المحكمة والمطالبة بفك عقد الزواج، وهو ما يُدخِل الزوجة في دوامة طويلة ومرهقة من المحاكم والقضايا، مع الأخذ بالاعتبار أن الطلاق لأي سبب لا يتم إلا بموافقة المرجع الديني على إيقاع الطلاق، أي أن الطلاق لن يحدث بموافقة القاضي، كما كان الأمر في قانون 188 لسنة 59، بل على القاضي أن يدلي برأيه القانوني، ثم يحيل الأمر إلى المرجع الديني للبت فيه. وهو ما يعْلي سلطة المرجع الديني على سلطة القضاء في المسائل الشخصية.
أما في حال نشوز الزوجة أو تركها لبيت الزوجية، فيحق للرجل طلبها إلى بيت الزوجية وإبقاؤها فيه إلى أجل غير مسمى. وعليها أن تؤدي واجباتها الزوجية تجاهه، إلا في حال اقتناع الزوج بالطلاق، وهو ما يعطيه صلاحية مساومتها على حقوق النفقة وحضانة الأولاد في حال وجودهم. هذا بالإضافة إلى البند 81 الذي ينص على انتهاء حضانة الأم للأطفال ببلوغ الطفل/الطفلة سن سبع سنوات ، ثم تنتقل الحضانة إلى الأب. في حين تسقط الحضانة عن الأم إن تزوجت مهما كانت سن الطفل.
للعاقدين حق اختيار عقد الزواج، إن كان بحسب قانون 188 السابـق، أو بحسب هذه المدونة الشرعية. فإن اختاروا المدونة الشرعية لعقد الزواج، لا يحق لهم العودة إلى قانون 188، بينما تغيير العقد من هذا القانون إلى المدونة الشرعية مسموح به، حتى بعد إبرام الزواج.
يدّعي المدافعون عن هذه المدونة بأنها جاءت فقط "لحماية المذهب"، وأنها مَنحت المرأة حق الاشتراط قبل إبرام عقد الزواج. فتستطيع المرأة مثلاً بحسب المادة 9 للمدونة الشرعية "أن تشترط على الرجل في عقد الزواج أن لا يتزوج عليها وإن سمح القانون له بذلك [...] ولكن لو خالف وتزوج بأخرى لا يبطُل (أي عقد الزواج) وإن كان آثماً شرعاً".
هذا غير بنود الميراث، التي تنص على أن لا ترث الزوجة عن زوجها الأراضي وإنما ترث فقط ثمن ما عليها من بناء أو معدات و ما شابه، على أن يقرر ثمنها من قبل باقي الورثة، أما في حال أن لا ورثة له، أو أبناء، فتذهب أملاكه إلى المرجع الديني الذي اتّبعه المتوفي. ويكاد أحياناً تعريف هذا المرجع الديني أن يكون مبهماً، فيتسابق المدافعون عن المدونة بالإعلان عن أن المرجع الديني الأعلى للعراقيين معروف من دون ذكر اسمه، تنويهاً بالسيد السيستاني. فقد نصت المدونة في المادة 74 فيما يخص بعض بنود الزواج، أن المقصود بالمرجع الديني الأعلى هو "من يقلّده أكثر الشيعة في العراق ـ إن وجد - وإلا فأشهر المراجع المعروفين بالفقاهة والعدالة في النجف الأشرف"، في حين لم يصدر أي تعليق على المدونة من مكتب السيد السيستاني إلى حد الآن.
في الوقت نفسه، هناك كثير من البنود المبهمة في المدونة، التي قد تؤدي إلى مشاكل اجتماعية كبيرة، فيمكن مثلاً إبرام عقد الزواج خارج المحكمة وتصديقه فيما بعد، مما قد يؤدي إلى تنصل الراغبين في الزواج من قيامهم بالفحص الطبي، الذي كان إجبارياً لعقد الزواج بحسب قانون 188. ويبقى مصير الأطفال الذين سيولدون في حال عدم تلاؤم الزوجين طبياً مجهولاً. كذلك إمكانية عقد الزواج شفهياً من دون شهود إلى حين تسجيله، مما يجعل إمكانية فرض الحقوق في حال الانفصال غير واضحة.
الطلاق لن يحدث بموافقة القاضي، كما كان الأمر في قانون 188 لسنة 59، بل على القاضي أن يدلي برأيه القانوني، ثم يحيل الأمر إلى المرجع الديني للبت فيه. وهو ما يعْلي سلطة المرجع الديني على سلطة القضاء في المسائل الشخصية.
لا ترث الزوجة عن زوجها الأراضي وإنما ترث فقط ثمن ما عليها من بناء أو معدات و ما شابه، على أن يقرر ثمنها من قبل باقي الورثة، أما في حال أن لا ورثة له، أو أبناء، فتذهب أملاكه إلى المرجع الديني الذي اتّبعه المتوفي.
أما في مسألة سن الزواج، فلا يزال المدافعون عن القانون يصرون على عدم تحديد السن إلا بعبارات فضفاضة، من مثل "القدرة والبلوغ والرشد"، ويَّعدون بأن هذه التفاصيل ستأتي لاحقاً بمدونة أكثر تفصيلية، تاركين العقود التي ستبرم إلى حين صدورها في دوامة التفسير والاجتهاد.
نساء العراق يقاومن العسف في بلدٍ منكوب
08-01-2022
ومع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في العراق، المتوقع إجراؤها يوم الحادي عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر القادم، يبدو السباق مستعراً ما بين السياسيين والأحزاب للحصول على أكبر قدر ممكن، لا من الأصوات فقط، وإنما أيضاً من المنجزات التي قد لا تكون بالضرورة مُرْضية للناخبين، لكنها مُرْضية لبعض أصحاب القرار السياسي. وربما هنا تكمن المشكلة الأساسية في سير العملية السياسية في العراق، فيُحيّد الناخب وتُسلب سلطته في أمور تمس حياته مباشرة، في مقابل مكتسبات سياسية لمن في أيديهم السلطة. ويتسابق السياسيون على ترسيخ الفروق المذهبية وتقويض سلطة القضاء، بحجة حماية المذاهب وحرية ممارسة المعتقد الديني، وترسيخ فكرة أن هناك من يمثل المذهب ويحميه، مقابل من يريد به السوء، وعادة ما يكون هذا المقابِل هو المواطن الآخر المختلف في المذهب.
ولا يزال العراقيون ينتظرون المدونة السنية، التي لا يعلم أحد ما سيأتي في بنودها.