تعديل "قانون الأحوال الشخصية" العراقي، معركة لم تنته بعد

جرت مساومات في مجلس النواب، علانية، وفي الخفاء أيضاً، اتخذت طابعاً طائفياً بحتاً، بين ما يسمى بالكتل الشيعية والكتل السنية والكردية. ساومت الأحزاب الدينية الشيعية كلاً من الكتل السنية والكردية للحصول على أصوات نوابها، لدعم مشروع تعديل "قانون الأحوال الشخصية"، مقابل إقرار "قانون العفو العام"، الذي ترغب فيه الكتل السنيّة. أما الكتل الكردية، فتصويتها كان مقابل إلغاء قوانين "مجلس قيادة الثورة"، في "حزب البعث" المنحل، والتي نصّت على مصادرة أراضٍ في "كركوك" عائدة إلى "كرد"، و"تركمان".
2025-02-13

ديمة ياسين

كاتبة صحافية، من العراق


شارك
نور بهجت - سوريا

مُرِّر "قانون تعديل الأحوال الشخصية" العراقي، في 21 كانون الثاني/ يناير لهذا العام في مجلس النواب، في خضم فوضى كبيرة وتجاوزات دستورية. فقد فشل تمرير مقترح التعديل، أو ما اصطُلح على تسميته بـ"القانون الجعفري"، لعدة مرات منذ عام 2014، كان آخرها في نهاية عام 2024. ثم أُقرَّ مشروع التعديل هذه المرة في جلسة البرلمان، التي عُقدت يوم 21 / 1 / 2025، من دون اكتمال النصاب القانوني للتصويت عليه، وهو ما يُعد خرقاً قانونياً ودستورياً واضحاً. 

هذه المعركة، لم تنته بعد في العراق، على الرغم من الانتزاع غير القانوني للتعديل الطائفي. إلا إن مشوار محاربته لا يزال في البداية، سواء من قبل منظمات المرأة أو المنظمات الحقوقية والجهات القضائية. فقد صدر في يوم 4 شباط/ فبرايرالجاري، عن "المحكمة الاتحادية العليا" في العراق، أمر ولائي مستعجل لإيقاف إجراءات المصادقة والنشر لكل ما مُرِّر من قوانين: (قانون العفو، تعديل قانون الأحوال الشخصية، قانون إعادة الأراضي في كركوك)، بسبب وجود دعاوى قُدِّمت إلى المحكمة الاتحادية بعدم دستورية الجلسة المذكورة، إلى أن يتم التحقق من صحة هذه الدعاوى أو عدمها. إلا أنه، وبعد أسبوع على ذلك، وفي 11 من الشهر نفسه، ردّت المحكمة الطعون، وقبلت القوانين كما صدرتْ! وبينما هنأ البعض من السياسيين نفسه على "الانجاز"، قال آخرون أن رد الطعون حدث لاعتبارات سياسية وليس قانونية! وأنه حدث "مراعاة للواقع القائم في العراق اليوم". هو نجاح للمساومات إذاً.

فقد حدث كل هذا ومنذ البداية، عبر مساومات جرت في مجلس النواب علانية وفي الخفاء أيضاً، اتخذت طابعاً طائفياً بحتاً، بين ما يسمى بالكتل الشيعية والكتل السنية والكردية. فقد ساومت الأحزاب الدينية الشيعية في مجلس النواب العراقي كلاً من الكتل السنية والكردية للحصول على أصوات نوابها لدعم مشروع التعديل، مقابل إقرار "قانون العفو العام"، الذي ترغب فيه الكتل السنيّة. أما الكتل الكردية فتصويتها كان مقابل إلغاء قوانين "مجلس قيادة الثورة"، في "حزب البعث" المنحل، والتي نصّت على مصادرة أراضٍ في "كركوك" عائدة إلى "كرد" و"تركمان"، في محاولة لخلق "توازن" ديموغرافي هناك. 

وفي الوقت الذي قد تكون كثيرٌ من تهم الإرهاب ملفّقة، في ظل صراعات سياسية، ولّدها نظام المحاصصة الطائفي الذي أرسى دعائمه الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، وفي الوقت الذي قد تكون إعادة الأراضي في "كركوك" إلى أصحابها خطوة جيدة، إلا أن ذلك يحدث على حساب تقويض يد القضاء العراقي ووضع الأحوال الشخصية في العراق في يد رجال الدين، في تعزيز واضح للطائفية والمذهبية، واستهداف مباشر لحقوق المرأة العراقية. وهو ما يثير كثيراً من الريبة والقلق.

التعديل الجديد للقانون يرمي إلى إحكام الأحوال الشخصية في العراق على أساس المذهب الديني. وهذا يعتبر تراجعاً حقوقياً كبيراً للمكتسبات التي حصلت عليها المرأة العراقية منذ تأسيس الجمهورية العراقية عام 1958 من القرن الفائت، وحتى اليوم. وهو ما صرح به "تحالف 188" المشكّل من قبل حقوقيات/حقوقيين وناشطات/ناشطين خصيصاً لمحاربة هذا التعديل. 

فشل تمرير مقترح تعديل "قانون الأحوال الشخصية" – الذي اصطُلح على تسميته بـ"القانون الجعفري" - لعدة مرات منذ عام 2014، كان آخرها في نهاية عام 2024. ثم أُقرَّ مشروع التعديل هذه المرة في جلسة البرلمان، التي عُقدت يوم 21/1/2025، من دون اكتمال النصاب القانوني للتصويت عليه، وهو ما يُعدّ خرقاً قانونياً ودستورياً واضحاً. 

بعدما صدر في 4 شباط/ فبرايرالجاري، عن "المحكمة الاتحادية العليا" في العراق، أمر مستعجل لإيقاف إجراءات المصادقة والنشر، لكل ما مُرِّر من قوانين بسبب وجود دعاوى بعدم دستورية الجلسة النيابية المذكورة. إلا أنه وفي 11 من الشهر نفسه، ردّت المحكمة الطعون، وقبلت القوانين كما صدرتْ! وبينما هنأ البعض من السياسيين نفسه على "الانجاز"، قال آخرون أن رد الطعون حدث لاعتبارات سياسية وليس قانونية!

وقد اشتدت المعارك القانونية فيما يخص حقوق المرأة والطفل في العراق خلال العقد الأخير، بين منظمات حقوق المرأة والأحزاب الحاكمة. وحدث هذا خاصة، بعد أن بدأت محاولات "حزب الفضيلة" الإسلامي في عام 2014 تمرير مشروع تعديل المادة 57 من "قانون الأحوال الشخصية" العراقي رقم 188 لسنة 1959. فالمادة 57 من هذا القانون، تنص على حق الأم في حضانة الطفل حتى سن العاشرة، مع إمكانية التمديد إلى سن الخامسة عشرة. في حين أن التعديل، والذي يُتعارف عليه بـ"القانون الجعفري" كونه يعتمد على "المذهب الجعفري الشيعي" في أحكامه، ينص على تقليل فترة حضانة الأم للطفل إلى سن الـ 7 سنوات وثم نقلها إلى الأب، لتصبح المرأة الراغبة في الطلاق بين خيارين لا ثالث لهما، إما البقاء في علاقة قسرية مع زوجها، وفي كثير من الأحيان يكون زوجاً معنِّفاً، وإمّا فقدانها حضانة أطفالها. ففي الوقت الذي سيسهل هذا التعديل الطلاق على الرجل، سيجعله صعباً ومريراً بالنسبة إلى المرأة. 

لكن التعديل الجديد لا يخص هذه المادة فقط، بل يؤدي إلى تراجع كبير فيما يخص أحكام الزواج والطلاق والميراث أيضاً. ومما يثير مزيداً من القلق، أن التعديل الجديد أُقر، على أن تقدم تفاصيل بنود أحكام الأحوال الشخصية من قبل الوقف السني - الذي ستحتكم إليها الطائفة السنية - والوقف الشيعي - الذي ستحتكم إليها الطائفة الشيعية - إلى المجلس خلال 6 أشهر من تاريخ إقرار القانون. أي إن مجلس النواب صادق على بنود غير معروفة أصلاً. فتدور النقاشات مثلاً حول أن "المذهب الجعفري" يحلل زواج الفتاة في سن 9 سنوات، على اعتبار أن هذه هي سن البلوغ. وقد يقرر فقهاء آخرون أنها سن التكليف للفتاة فقط: (الصوم، الصلاة، الحجاب إلخ.)، بينما قد يقرر آخرون أنها سن الدخول في الزواج. كل هذا يعتمد على المدارس الفقهية المتّبعة في المذهب نفسه. وتسري تلك الآراء الفقهية على مسائل عقود الزواج المؤقت: ("المتعة" في المذهب الشيعي و"المسيار" في المذهب السني)، وغيرها من الأمور التي قد تمنح غطاءً شرعياً لجرائم استغلال وإتجار في الفتيات والنساء. خطورة هذا المقترح تكمن أيضاً في أنه يُعْلي من يد المؤسسة الدينية بمدارسها المختلفة، ويقضي على مدنية الدولة والمجتمع، كما أنه يعزز الطائفية الدينية، فيجعل أبناء البلد الواحد يحتكمون لقوانين مختلفة، على الرغم من تشابه الظروف والمكان، مما يتعارض مع المادة 14 من الدستور العراقي لعام 2005، والتي تنص على أن "العراقيين متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي".

بالتوازي مع المساومات الطائفية، يأتي تمرير هذا التعديل وسط ظروف مريبة، من تقويض للحريات إلى إجراءات تعسفية ضد الحقوقيات المعارضات للتعديل. فمثلاً، بعد ما يقارب السنة من حملات تشويه وإسقاط للمحاميتين المعارضتين لتعديل القانون، المحامية والأستاذة الجامعية "زينب جواد"، والمحامية "قمر السامرائي"، وبعد تهديدات تلقّتاها من جهات مختلفة، رسمية وغير رسمية، وبعد إصدار نقيب المحامين تصريحاً رسمياً يمنعهما من الظهور في وسائل الإعلام، وإجراء لقاءات تلفزيونية بخصوص تعديل القانون، رفعت النقابة اسمي المحاميتين من لوائح المحامين، ورفعت قضايا ضدهما في محكمة التمييز، في محاولة صريحة لإسكاتهما بعد أن كانتا المعارضتين الأشد شراسة، وحازتا على تأييد وشعبية في الشارع العراقي. 

كان التعديل الجديد للقانون يرمي إلى إحكام الأحوال الشخصية في العراق على أساس المذهب الديني. وهذا يعتبر تراجعاً حقوقياً كبيراً للمكتسبات التي حصلت عليها المرأة العراقية منذ تأسيس الجمهورية العراقية عام 1958 من القرن الفائت، وحتى اليوم. وهو ما صرح به "تحالف 188" المشكّل من قبل حقوقيات/حقوقيين وناشطات/ناشطين خصيصاً لمحاربة هذا التعديل. 

لماذا هذا الإصرار العجيب على تمرير "قانون تعديل الأحوال الشخصية"، وإن كان بطريقة غير قانونية؟ من المستفيد من تمريره؟ هل يقع ضمن اتفاقات الولاء للنظام الإيراني، الذي يعاني هو الآخر من الحراك النسوي ضده؟ خاصة أن هناك قوانين مشابهة للتعديل الجديد سارية في إيران. أم أن الموضوع يتعدى ذلك إلى تقويض ما تبقى من المنظومة القضائية في العراق، والتي طالها الفساد أيضاً؟

أحد الأسباب التي استندت إليها النقابة لرفع اسم المحامية "زينب جواد"، هي تسجيلات مكالمات هاتفية خاصة، وتسجيلات صوتية تتهم فيها بعض النواب بالتلاعب لتمرير القانون، مستخدمة تعابير لاذعة في وصفهم. والغريب هنا أن النقابة لم تهتم بقانونية تسريب مكالمات خاصة لمحامية منتمية إلى النقابة، بل قررت التخلي عنها ومعاقبتها بدلاً من حمايتها. وعلى الرغم من أن التسريبات الصوتية في العراق كثيرة جداً، لسياسيين معروفين ومسؤولين في مناصب عليا في الحكومة، وبعضها يكشف خيانات كبرى للبلد وولاءات خارجية صريحة، لم يحاسَب أحد من هؤلاء إلى يومنا هذا، بل بُرِّر لهم وطويت صفحات التسريبات وظلوا في مناصبهم، يحكمون العراق. ومَن حرّض على المحاميتين وهدّدهما هي المنظومة نفسها، التي بررت فساد وخيانات هؤلاء المسؤولين.

الأسئلة المتبقية هنا كثيرة. لماذا هذا الإصرار العجيب على تمرير "قانون تعديل الأحوال الشخصية"، وإن كان بطريقة غير قانونية؟ من المستفيد من تمريره؟ هل يقع ضمن اتفاقات الولاء للنظام الإيراني الذي يعاني هو الآخر من الحراك النسوي ضده؟ خاصة أن هناك قوانين مشابهة للتعديل الجديد سارية في إيران. أم أن الموضوع يتعدى ذلك إلى تقويض ما تبقى من المنظومة القضائية في العراق، والتي طالها الفساد أيضاً، وتحويل القانون كلياً إلى رجال الدين والهيئات الدينية، التي أثبتت عقداً بعد آخر تماهيها ودعمها للجهات السياسية، وولاءاتها المشبوهة، وفسادها المعروف؟ 

مقالات من العراق

"شنكَال"؟

فؤاد الحسن 2024-12-23

لا يقبل الدين الإيزيدي الراغبين في الانتماء إليه، الذين لم يولدوا لأبوَين إيزيديين. وهو بذلك، كديانة، ليست تبشيرية، ولا نبي أو رسول للإيزيديين، وهذا ما يجعل علاقتهم مباشِرة مع خالقهم،...

للكاتب نفسه

سجون "الأسد" وسجون "صدام حسين"

ديمة ياسين 2024-12-12

لا أزال إلى اليوم لا أستطيع النظر طويلاً إلى الصور التي التُقِطتْ لوالدي في أول يوم له بعد خروجه من المعتقل، وهو يجلس تاركاً مسافة بيننا وبينه، وتلك النظرة في...

نخلات غزة تشبه نخلات العراق

ديمة ياسين 2024-02-09

يمسك الميكرفون رجل ستيني يتحدث بإنجليزية مثقلة بلكنة عربية واضحة، تشبه ثقل عناقيد التمر في نخل بلادنا، بطيئة، بل متمهلة، مثل ثمار الزيتون وهي تكبر وتعمّر في أرض فلسطين "لا...